طلال سلمان

لماذا تحاور عن بعد

أما وقد اكتملت حلقة التحاور عن بُعد بخطاب سعد الحريري، أمس الأول، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: وماذا بعد؟ ما هي الخطوة التالية وفي أي اتجاه؟!
والسؤال الذي يطل من كل الوجوه ويسبق تحية رمضان كريم يتفرّع إلى تساؤلات تستولد المزيد من التساؤلات، وكلها تعبّر عن قلق متعاظم يشمل جماهير المتحاورين عن بُعد، جميعاً.
إن الكل خائف من الكل… وإن كان خوف الآخرين من حزب الله وسلاحه هو الأعظم.
وبين المفارقات المقلقة أن الخوف من حزب الله قد تزايد بعد الصمود العظيم لمجاهديه في مواقعهم، كالمرابطين، وتمكنهم من دحر جيش العدو الإسرائيلي، ومنع كتائب نخبته من اختراق الحدود، برغم تكبدها خسائر فادحة في العديد والعتاد في محاولاتها المتكررة حتى اليأس.
تبدأ التساؤلات التي تضج بمزيج متناقض من المشاعر يختلط فيها الخوف على النصر بالخوف من المنتصرين، والخوف من الدمار الذي ألحقه العدو بلبنان، في إنسانه وعمرانه، وكلفة إعادة بناء ما تهدم، للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، كما هي الحال، في بعض أنحاء الجنوب، وتأثير ذلك كله على إرادة الصمود والثبات في البلدات والقرى التي هدمت مجدداً… مع ملاحظة تزايد أعداد المهاجرين بين الشباب، واللغط الدائر حول المساعدات والهبات العربية أساساً، والتي يتكلمون عنها أكثر مما نرى لها أثراً على الأرض ..
أخطر التساؤلات: هل نحن أمام انشقاق وطني يتهدد البلاد في وحدتها ويتهدد الشعب عموماً، والمسلمون منه خصوصاً، بفتنة عمياء، والعياذ بالله؟
وتتفرع هذه التساؤلات لتشمل التخوّف من أو على القوى المختلفة:
هل يريدون محاصرة حزب الله وتحجيمه وجره إلى مستنقع اصطراع المذهبيات… إن ذلك، لو صح، أخطر عليه بما لا يقاس من المواجهة مع العدو الإسرائيلي. فالمواجهة تشرّفه وتبلور هويته الجهادية، بينما دمغه بالمذهبية يحرجه في الداخل، ويؤثر على وهجه القومي الإسلامي في الخارج. إنهم يريدون محاصرته لعزله في قوقعة المذهبية، واستفزازه لعله يخطئ فيلوّح بسلاحه في وجه الداخل، وعندئذ يفتح الباب لتدخل الدول ، وجيوشها الآن حاضرة، ولو رمزياً، وقد تنحرف بها سياسة دولها عن المهمة المعلنة فيكون البلاء العظيم.
بالمقابل، ثمة تساؤلات مضادة، من نوع:
لماذا يحمل حزب الله على الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة؟! ولماذا انفعل السيد فقال في السنيورة كلاماً اعتبره الجمهور الآخر تجريحاً بالشخص وبالتيار الذي يمثله، بل ربما بأهل السنة عموماً؟ في العادة، فإن السيد حسن نصر الله عف اللسان مهما قسا في النقد، فلماذا هذه الهفوة، وفي هذه اللحظة؟
هل يتقصّد حزب الله فعلاً الثأر من الحكومة ورئيسها، وبالتالي من تيار المستقبل، لأنه كان يتوقع منهم نصرة الحليف فخذلوه في لحظة الشدة؟ أم أن حزب الله يريد السلطة، ويتقدم نحوها ومعه العماد ميشال عون، بوصفهم يمثلون الأكثرية الفعلية؟! هل يسعى حزب الله إلى قلب النظام، أم إلى الاستيلاء على موقع حليفه وشريكه سعد رفيق الحريري وتياره في الحكم؟! هل يتقصّدون الإساءة إلى مقام رئاسة الحكومة؟ فإن كانت للحزب مآخذ على مسلك الرئيس السنيورة فلماذا لم يوصلها إليه عبر وزرائه؟ أليس شريكاً في السلطة؟ هل يريد مغانم السلطة ومجد المعارضة معاً؟!
أما بالنسبة لوليد جنبلاط فإن جمهور حزب الله يرى أنه لا أمل فيه، بعدما انتقل نهائياً، إلى المعسكر المضاد … معتبراً أن ربطه الدائم بين حزب الله والنظام السوري، وبين معركة النظام الإيراني حول مفاعله النووي، ليس أكثر من تمويه لحقيقة أن جنبلاط قد انحاز نهائياً إلى المعسكر الأميركي وخططه الجهنمية لإعادة تقسيم المنطقة وفرزها على أساس طائفي ومذهبي لتسهيل إقامة الشرق الأوسط الكبير …
بالمقابل، فإن الجمهور الجنبلاطي لا يجتهد في تحليله مكتفياً بالتعليمات اليومية التي يصدرها وليد بك عبر تصريحاته
المكتوبة والمذاعة والمتلفزة، على مدار الساعة، وبأغلب اللغات الحية.
وفي حين يرى جمهور حزب الله في القوات اللبنانية مجرد ملحق طوائفي تزييني بتيار المستقبل ومعه وليد جنبلاط، فإن قيادة القوات تحاول أن تلعب دور رأس الحربة وفي ذهنها معركة رئاسة الجمهورية فتندفع إلى أبعد ما يمكن أن يطيق سعد الحريري وجنبلاط (اعتبار عين الرمانة معركة لتحرير لبنان تماماً مثل معارك المقاومة في بنت جبيل ومارون الرأس وعيترون… مثالاً!).
الانقسام على الأرض إلى اتساع… خصوصاً أن الشحن اليومي، بالشائعات، بالأخبار المضخمة أو الملفقة، بأحاديث مختلقة عن استيراد السلاح لمن باتوا يصنفون خصوماً ل حزب الله ، فضلاً عن النشرة اليومية لمرصد وليد جنبلاط حول شحنات السلاح الهائلة التي تتقاطر على مدار الساعة من سوريا إلى حزب الله في لبنان، بتسهيلات خاصة من جهاز الأمن العام، الذي دمغوه بطائفة مديره العام، مع أنه من أركان المؤسسات الأمنية..
? ? ?
يمكن الاستطراد في توصيف الجو المشحون بما يملأ صفحات كتاب..
والسؤال المركزي: لماذا تتحاور قيادات هذه التيارات عن بُعد؟! لماذا تتبادل التحديات والاتهامات وهي تعرف خطورة الوضع النفسي لجماهيرها؟! لماذا يحاصر كل طرف حليفه الذي يُراد له أن يصير خصماً؟!
ما الذي يمنع سعد الحريري من الذهاب للقاء السيد حسن نصر الله ومناقشته في كل ما يشكو منه، أو يستريب فيه، خصوصاً أن حبل الود بينهما ظل متيناً تعززه ذكريات التعامل الصادق والمفتوح بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري و السيد .. ولماذا لم يكن سعد شريكاً في النصر مع السيد الذي تعامله الأمة جمعاء على أنه بطلها ثم يجد نفسه في مدينته في قلب وطنه محاصراً ليس بالتهديد الإسرائيلي، وقد عاش كل عمره في مواجهته، وإنما بالتشكيك في أهدافه، أو في حسن تقديره، (وعلى ألسنة بعض قيادات 14 آذار في وطنيته وفي عروبته، وربما في إسلامه!!)… لماذا لا يلتقيان فيتصارحا ويتعاتبا ويوضح كل منهما للآخر حقيقة ما جرى وحقيقة موقفه مما جرى.. أليسا شريكين في المسؤولية، سلماً وحرباً؟!
وما الذي يمنع أن يعود حلفاء الأمس إلى التحاور في ما بينهم، متجاوزين ألغام الشكوك والريب والاتهامات، سواء تلك التي زرعها الأجنبي أو التي ولدها الانقطاع وتوهم كل طرف أن الآخر ينوي إلغاءه؟!
… علماً بأن التجارب قد أثبتت، في لبنان تحديداً، أن من يحاول إلغاء خصمه لا سيما إذا كان كبيراً هو كمن يحاول أن يلغي نفسه، فقانون التوازن بين القوى يحكم العلاقات جميعاً، ولا مجال لتغييره إلى أن يأذن الله باستيلاد لبنان جديد بنظام مختلف، وربما بشعب غير هذا الشعب المقدّر عليه أن يعيش دائماً في قلق على المصير… لعله هو بالتحديد سبب إبداعاته الباهرة جميعاً، بما في ذلك إبداعاته في فن التحالف الاختلافي والحب المتبادل حتى حافة… الحرب الأهلية.
مع ذلك يمكن الجزم، مجدداً: لا خطر من حرب أهلية… فلبنان الذي تتبدى هشاشته مهددة بالانكسار أقوى من أن يأخذه أحد إلى الاقتتال!
حتى لو تولت كوندليسا رايس قيادة العمليات؟!

Exit mobile version