طلال سلمان

لماذا افتعال مشكلة مع لبنان ليس فلسطينيون شعبا بيع

مرة أخرى يجد اللبنانيون أنفسهم في مواجهة تطور حاد للقضية الفلسطينية، لا يملكون رده ولا تدارك آثاره بغير التظلم، ولا مرجع يقبل الظلامة أو يقدر على وقف الخطأ بكل مخاطره الداهمة والتي تفوح منها رائحة الدم.
فبعد عاصفة »التوطين« التي هبّت فجأة خلال الصيف والتي لم تهدأ بعد، بكل ما استدرجته من ردود فعل وما نشرته من مناخ مسموم يهيئ لاشتباك الضحايا مع الضحايا، ها هي مسألة »الوجود الفلسطيني في لبنان«، شروط هذا الوجود وظروفه وآفاقه، تعود إلى السطح منذرة بتفجرات ستؤذي الطرفين المتواجهين بعدما بات لكل منهما »قضية مقدسة« مختلفة عن »قضية« الآخر الى حد التناقض .. المسخ!
وسط العاصفة، وبسببها، ثارت أو أثيرت أسئلة لا جواب لها عند الطرفين المعنيين بها.
يسأل اللبناني: إلى متى هنا؟ بعدما جرى ويجري في الداخل، وهل ينتهي تخلي القيادة الرسمية عن حق العودة، واندفاعها في العلاقة مع إسرائيل (التي ما زالت عدواً) الى حد الشراكة والتحالف بل والتبعية المطلقة، بتحويل »اللاجئين الفلسطينيين« الى »مواطنين« أو »موطنين« في لبنان… مع استمرار »تبعيتهم« سياسيا لتلك القيادة التي يمكن أن توظفهم في ما يؤذيهم ويؤذي لبنان (وسوريا) ولا يفيد في النهاية إلا إسرائيل؟!
ثم ما الذي تدبره تلك القيادة عبر محاولة تأكيد سيطرتها مجددا على المخيمات، والتي تتخذ أشكالاً مثيرة منها إعادة تنظيم الفلسطينيين تحت لواء »منظمة التحرير« المتماهية مع »سلطة عرفات« في »وضعه الإسرائيلي« الجديد، إلى إظهار السلاح والمسلحين على أبواب المخيمات وفي »المكاتب« داخلها، كل ذلك مع إطلاق نمط من »الحوار الحربي« تتشابك فيه موجبات السيادة للدولة المضيفة مع حقوق الأشقاء الضيوف بالرغم عنهم، مع حقوق المضيف بالرغم عنه، والخائف مما يدبر في »الدوائر العليا« لكيانه الضعيف بتوازناته الهشة!
ويسأل الفلسطيني: الى أين من هنا؟! خاصة بعدما انتفى المنطق في طرح السؤال القديم: إلى متى نحن هنا؟!
لا جواب عند قيادة عرفات بالطبع، خصوصاً وهي قد سلمت منذ اتفاق أوسلو بأن موضوع اللاجئين الفلسطينيين او فلسطينيي الشتات يمكن ان ينتظر مفاوضات الوضع النهائي، التي لا يعرف أحد متى تنتهي، وإن كان الموقف الإسرائيلي معلنا وقاطعا في وضوحه بأنها لن تقبل بعودة هؤلاء الى »الكيان الفلسطيني« المقزم في حدود جغرافية لا تتسع في أي حال للموجودين داخلها من أهل الداخل..
.. وثمة مرجعية أخرى (نظريا) هي المفاوضات الجانبية بين لجان متعددة الجنسية وهي المعطلة تقريبا منذ انطلاقتها الرسمية، وإن كان يشاع انها تحضر خططا لتوزيع فلسطينيي الشتات او إعادة توزيعهم بحيث »تفرض« نسبة منهم على دول عربية معينة بينما تهجر نسبة أخرى الى دول فقيرة بالسكان وتحتاج الى يد عاملة (رخيصة) في مساحاتها الشاسعة (كندا أساسا، الولايات المتحدة الأميركية، دول شمال أوروبا السويد والنروج والدانمارك).
الى متى هنا؟ الى أين من هنا؟!
من يملك القرار خارج لبنان وفلسطين بالتأكيد، لكن الأسئلة المتفجرة باقية هنا، ويمكن نزع الصاعق في أي لحظة، وبالتحديد بما يتناسب مع الخطة الإسرائيلية لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، بأبعادها القومية، ولتصفية »الفائض من الفلسطينيين« عن »طاقتها« على الاستيعاب، خصوصا انها لا تكف عن مصادرة المزيد من أراضي الضفة الغربية (والقدس أساسا) لتبني فوقها المزيد من القلاع العظيمة التحصين للمستعمرين الاستيطانيين المدججين بالسلاح والذين يشكلون جيشا ثانيا أكثر شراسة وأقدر على الحركة من الجيش الإسرائيلي!
الى أين من هنا؟!
تتعدد الأجوبة في غياب المعلومات المؤكدة والصادرة عن جهات لها حق القرار. على ان الأجوبة الناقصة تتلاقى عند نقاط محددة منها:
1 لن يعود من فلسطينيي لبنان الى داخل فلسطين إلا بضعة آلاف، وتحت لافتة »جمع الشمل«، وليس من ضمن مبدأ حق العودة الذي قررته الأمم المتحدة في قراراتها المؤكدة على امتداد سنوات ما بعد النكبة، وحتى اوقفت سلطة عرفات التوكيد عليها، بعد اتفاق اوسلو.
2 ستوزع نسب من اللاجئين الفلسطينيين على بعض الدول غير العربية، وثمة خطط محددة وجهات دولية معنية وأموال تجمع او تحدد مصادرها »لنقل« هؤلاء اللاجئين وتوطينهم نهائيا في دول تقبلهم (كمواطنين، ولو من الدرجة الثانية، او كيد عاملة رخيصة)..
3 أما الكتلة الكبرى من اللاجئين الفلسطينيين المستقرة في الأردن فتقطع علاقتهم مع فلسطين نهائياً، ليتحولوا مرة والى الأبد الى »مواطنين أردنيين«، على ان تنظم »علاقة ما« بين المملكة الاردنية »والسلطة الفلسطينية« طرفها الثالث اسرائيل، لتثبيت هذا الوضع بكل مفاعيله القانونية والسياسية.
4 اما اخطر ما في المشروع العتيد فهو ما ينص على »ترحيل« مليونين من اللاجئين الفلسطينيين (فلسطينيي الشتات يدخل ضمنهم بعض اللاجئين في الاردن وفي لبنان وفي سوريا، وربما في اقطار عربية اخرى) الى العراق، وزرعهم هناك، وتحديدا كفاصل بشري بين الجنوب والوسط، بذريعة متفجرة هي الاخرى: إحداث توازن عددي بين الشيعة والسنة في العراق!
من زمان يتردد الكلام حول هذا المشروع الذي ينذر بمسلسل للحروب الأهلية العربية لا ينتهي.
ولعل الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل كان احد اوائل من نبهوا الى وجوده (كمشروع يجري العمل لتحويله الى خطة للتنفيذ)، والى مخاطره غير المحدودة.
على ان ثمة نقطة معلومات اضافية سمعناها الاسبوع الماضي من رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الإمام محمد مهدي شمس الدين، تعزز الشعور بالخطر وتستدعي تنبها رسميا وشعبيا…
يقول الإمام شمس الدين: ان القاصد الرسولي السابق في بيروت، المونسنيور بابلو بوانتي قد ابلغه قبل مغادرته بيروت، بعد انتهاء فترة سفارته فيها مباشرة اثر زيارة البابا يوحنا الثاني في ايار سنة 1997، ان لدى دوائر الفاتيكان معلومات جدية عن »مخطط لنقل مليونين من اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في جهات عدة خارج بلادهم الى العراق«.
»… ولقد كان القاصد الرسولي، يضيف شمس الدين، يتحدث عن مشروع دولي تقف وراءه وتمهد له قوى عظمى، وان ثمة جهودا حثيثة تبذل لتأمين الاموال اللازمة له، بعد تمهيد الجو السياسي، مفيدة من المناخ السائد بعد غزو الكويت وتدمير العراق (مع استمرار صدام حسين حاكما)، مع اشارة واضحة الى انه سيكون للفاتيكان دور خاص في هذا المجال.
»على هذا فلا بد، بغض النظر عن النوايا، من »ربط ما« بين هذا المشروع وبين دور خاص للفاتيكان، خصوصاً في ضوء الاعلان المفاجئ لزيارة قريبة يقوم بها البابا يوحنا الثاني الى العراق…«.
***
لكأنه »شعب للبيع«، هذا الشعب الذي أخرج من أرضه بالقوة، وعجز عن استعادتها بالقوة، وها هي قيادته (وقيادات عربية اخرى) تساعد اسرائيل على تضييع حقه القانوني (الدولي) بالعودة الى فلسطينه…
ولأنه يمنع من حقه الطبيعي، ويهدد بالترحيل والنثر في اربع الأرض، بحيث تسقط عنه هويته، ومعها حقه، فبديهي ان يعيش حالة من القلق والخوف والاستنفار دفاعاً عن الوجود.
لكن المؤسف ان يدفع هؤلاء الاشقاء في الطريق الخطأ فيواجهوا اهلهم بدل ان يواجهوا عدوهم، متصورين ان مشكلتهم مع اشقائهم (مضيفيهم) لا مع قيادتهم أولاً، ومع الوضع العربي عموماً حيث يستوي الجميع في موقع الضحايا.
ان ما يجري في المخيمات لا يساعد أبداً على تأكيد حق اللاجئين في العودة الى فلسطين.
والعودة الى احضان عرفات بزعم انه القيادة الشرعية، لا تحصن فلسطينيي لبنان، ولا تقربهم من حل لمشكلة موقعهم فيه، بل هي تخلق لهم مشكلة جديدة مع لبنان، وتخلق للبنان (وسوريا) مشكلة جديدة شديدة التفجر، بينما هما في ذروة المواجهة مع إسرائيل لاسترجاع الحد الادنى من حقوق البلدين.
وليس اللبنانيون، دولة وشعبا، ولا سوريا، هم اطراف الصفقة في »بيع الفلسطينيين« لهذه الدولة او تلك، في الشتات، ولا هم اصحاب مشروع دفعهم الى العراق لتعميم الحرب الاهلية عربياً بعد إضفاء نار المذهبية عليها…
لمن نكتب هذا الكلام؟!
نكتبه للتنبيه الى الفتنة المقبلة التي ستصيب بآثارها المدمرة الجميع.
نكتبه حتى لا ننشغل بأنفسنا عن عدونا وعما يدبره »المجتمع الدولي« لنا جميعا من اجل حماية اسرائيل وتوطيد »سلامها« فوق منطقتنا!
… وحتى لو كان في لبنان من يفكر بحصته من »الصفقة« المجزية، ويحسب من الآن كم يناله لقاء توطين بعض الفلسطينيين، او تسهل ترحيل بعضهم، فإن هؤلاء ليسوا اكثر من سماسرة يعملون لأنفسهم على حساب لبنان وفلسطين معاً.
ثم إن قيادة عرفات تضج بالسماسرة والوسطاء بحيث لا تحتاج جميلا من أحد!
نعرف ان الفلسطينيين ليسوا شعبا للبيع… ونريدهم ان يعرفوا اننا لسنا في الصفقة لا داخل فلسطين ولا خارجها، وأننا معهم في حقهم الاساسي بالعودة، ونعرف مثلهم ان ما دونه ليس حلا، بل مشكلة لنا جميعا… فلماذا يتورطون في خلق مشكلة جديدة لنا ولهم بينما ما نزال نحاول مسح آثار ما جرى في الماضي القريب؟
وليس بجعل »العقيد« »عميداً«، وبتحويل المخيمات الى »غيتوات« مقفلة، وبطرح المسألة على الجامعة العربية، يمكن حل المشكلة في لبنان، بل هذه كلها اسباب لتحويل المشكلة الى ازمة تهدد بالتفجر بالجميع.
برغم كل ذلك نفترض ان الانفجار لن يقع، ربما لأننا نثق بعد بعمق الأخوة بين الشعبين الضحيتين!.
طلال سلمان

Exit mobile version