طلال سلمان

لكي تكون قمة بيروت تاريخية

قد يكتب التاريخ غداً أن بيروت 2002 هي »القمة الفلسطينية الثانية« بعد الرباط 1974،
فالانتفاضة المجيدة قد أعادت »العرب« إلى ساحة فلسطين، ولو مرغمين أو كارهين، كما أعادت فرض قضيتها على المجتمع الدولي، وعلى »قيادته« العظمى، الولايات المتحدة الأميركية، يستوي في ذلك أن يكون السبب الرغبة في إنقاذ إسرائيل الشارونية من نفسها، أو حماية أنظمة الصلح العربية من جماهيرها الغاضبة، أو تأمين المصالح الأميركية في المنطقة بترضية تمسح أو تخفف من آثار الإهانات الجارحة التي وجهتها إدارة بوش إلى العرب (والمسلمين) في أعقاب تفجيرات 11 أيلول…
ومع أن لبنان ما زال معتلاً في طور النقاهة يبحث عمن يساعده للخروج من أزماته الداخلية المتلاحقة، ومعظمها »صناعة وطنية« بالمطلق، وأخطرها الدين العام وفوائده المنهكة لاقتصاده ومواطنيه، فقد تكون قمة بيروت، الأسبوع المقبل، مرشحة لإعادة هذا الوطن الصغير الذي قدم نموذجاً رائعاً في المقاومة، بما أجبر الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب بغير قيد أو شرط، إلى دائرة الضوء على المستويين العربي والدولي.
ومما يعزز هذا الاحتمال أن سوريا وفرت دعماً ممتازاً للبنان، ليس فقط عبر زيارة رئيسها الدكتور بشار الأسد التي أسقطت الكثير من الحساسيات، بل كذلك عبر التقدم خطوات على طريق »العلاقة النموذج« بين »دولتين« تجمع بين »شعبهما الواحد« صلات القربى كما المصالح المشتركة التي يمكن تحقيقها بالتعاون الاقتصادي كما بالموقف السياسي المشترك من مختلف المسائل المطروحة وأخطرها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مع الإصرار على استقلالية القرار وتجنب السقوط في شرك المساومات التي تتخذ من »السلام« الموضوع الأثير للغواية… ومن ضمنه طبعاً احتمال »بيع« الفلسطينيين… بالعملة الصعبة!
إذن، فإن القمة العربية التي سوف تنعقد في بيروت بعد أيام، بوصفها دورية وعادية، مرشحة لأن تغدو استثنائية بنتائجها، وربما صُنفت »تاريخية« مستقبلاً، إذا صدقت التقديرات بأنها قد تشهد تحولات مؤثرة في المواقف العربية، بفضل بسالة الفلسطينيين وتضحياتهم الغالية، وهي تضحيات هزت صورة إسرائيل كجبار لا يقهر، وفضحت عنصريتها وطبيعتها الاستعمارية ووحشيتها البلاحدود، مما اضطر واشنطن إلى العودة إلى المسرح ومن باب »الوسيط« هذه المرة، ولو من أجل وقف النار، بعدما كانت انسحبت مع رئاسة جورج بوش تاركة لأرييل شارون أن يحسم الأمور على طريقته وبأسلوبه الفذ، تأديباً لأهل »الإرهاب« من العرب (والمسلمين).
والقمة استثنائية، قطعاً.. بدليل أنها محاصرة ومحصورة بين المهمة ذات الوجهين المتكاملين لنائب الرئيس الإميركي، ديك تشيني، (وهي حشد الأصدقاء العرب للحرب ضد العراق)، والموفد الأميركي الخاص بوقف إطلاق النار (الفلسطينية) الجنرال زيني… والمقايضة فيها مكشوفة ورخيصة: فوضوا إلينا مصير العراق، وسهّلوا مهمتنا على الأرض وفي البحر والجو، فنساعد على منع شارون من تدمير ما تبقى من السلطة والعمران وأسباب الحياة في الأراضي الفلسطينية!
وبين أسباب النجاح للمهمة الأميركية ذات الوجهين المتكاملين أن يحصل الجنرال زيني على تأشيرة »خروج وعودة« لياسر عرفات تمكنه من إنجاح قمة بيروت بتيسير أمر انعقادها في جو »احتفالي« وقد تخفف المشاركون فيها من الضغط الشعبي الثقيل،
واذا كانت السياسة الاميركية قد حاولت توظيف »أفكار« الامير عبد الله بن عبد العزيز في قرارها المجتزأ والغامض الذي استصدرته من مجلس الامن الدولي (القرار 1397) مانعة كل محاولة لتوضيحه، فإن ولي العهد السعودي قد أكمل نصه الخاص، امس، بإعلانه ان شارون هو نيرون العصر.
على أن »أفكار« ولي العهد السعودي لن تتحول إلى »مبادرة« إلا في بيروت، التي أسهمت القمة اللبنانية السورية في إكمال النقص فيها بإضافة التحديد القاطع والشمولية إلى مفاهيم »الحل العادل« و»السلام الشامل« وأرض »الدولة الفلسطينية« العتيدة، وحقوق شعبها جميعاً فيها، بمن في ذلك اللاجئون في ديار الشتات وحقهم في العودة إليها، فضلاً عن حقوق سوريا (ولبنان) في الأرض المحتلة يوم 5 حزيران 1967.
كذلك لا يمكن لهذه »المبادرة« أن تنجح إذا كان ثمن وقف النار في »أراضي السلطة« في فلسطين، تدمير العراق برمته، بذريعة تحريره من حاكمه الظالم والخارج على القرارات الدولية،
ولا بد من التأمل في واقع أنه كان لديك تشيني في كل محطة زارها خلال جولته التي شملت سبعاً من الدول العربية لقاءان: واحد مع الرئيس الملك السلطان الأمير الشيخ الحاكم العربي وثان مع المارينز ومختلف الجنود والطيارين الأميركيين على حاملات الطائرات والمدمرات وفي القواعد الخلفية للقوات التي تدربت على »التحرير« في أفغانستان وهي باقية على الأرض العربية من أجل استكمال الحرب على »محور الشر« الذي ثبت بالنتيجة أنه عربي إسلامي بامتياز حتى مع وجود كوريا الشمالية فيه!
ومع أننا تعودنا أن نقرأ البيانات الختامية للقمم العربية مكتوبة بالإنكليزية، ومعلنة من واشنطن، قبل انعقادها، فإن قمة بيروت المرشحة لأن تكون »تاريخية« مطالبة بفك الحصار الذي ضرب من حولها بعصا المهمة الأميركية المزدوجة وقرار مجلس الأمن الذي يبقى »عنواناً مبهماً« لنص مضمر يتحكم في صياغته الأقوى… وليس العرب في موقع من يستطيع الادعاء بأنه هذا الأقوى.
وأهم من فك الحصار عن أراضي السلطة الفلسطينية، ومعها »الرئيس الأسير« أن تمنع القمة تدمير العراق، وان تُخرج العرب جميعاً من قفص المتهمين بالإرهاب بينما هم ضحاياه في كل أرضهم.
ان فلسطين هي عنوان القمة، لكن مهمتها حماية »الوجود العربي«، وتأكيد القدرة على أداء هذا الواجب، مهما كانت درجة الصعوبة في رد الضغوط الأميركية.
ومن حق العرب أن يعرفوا الحدود بين »الصديق الأميركي الكبير« وبين عدوهم الإسرائيلي، الذي لم تنفعهم معه معاهدات الصلح ومباشرة »التطبيع« ومكاتب التمثيل السياسي والتجاري والزيارات الودية للتهنئة أو للتعزية أو للتحريض ضد »الأخوة الأعداء«.
وإذا ما تم ترسيم هذه »الحدود« فإن قمة بيروت تكون تاريخية حقاً!

Exit mobile version