طلال سلمان

لقاء يتيم مع البكر.. وشرح للانتخابات في اسكتلندا

في بدايات شهر تموز 1970 دعت قيادة “ثورة 14 ـ 17 تموز” وفوداً صحافية من انحاء مختلفة من العالم للمشاركة في احتفالاتها.

تلاقينا في بغداد، صحافيين عرباً وأجانب، في جو ملتهب، درجة الحرارة لا تنزل عن الخمسين الا بعد منتصف الليل… وكان برنامجنا يتضمن جولة واسعة في الاقاليم، بينها لقاء مع القائد الكردي الراحل كاكا مصطفى البرازاني في بلدة جلالا في الشمال العراقي.

بين ما اتذكره جيداً، عن تلك الرحلة، امران طريفان:

ـ الاول انني لاحظت أن مصوراً استراليا كان برفقتنا يُدعى “بوب” لا يتوقف عن التقاط الصور بكاميرته “الفوتو درايف” (وكانت جديدة علينا)، حتى لو بلغت صوره المائة.. ولما سألته عن السبب رداً ضاحكاً: الم تلاحظ أن وجهه كجلمود صخر حطّه السيل من علٍ، كما تقولون في بلادكم.. لذلك أظل اصور حتى تعتاد اذناه على التكتكة فينسى انه امام عدسة التصوير وتنفرج اساريره، ولو نسبيا، فتكون “لقطتي” وأرمي الباقي..

كان اللقاء في جلالا الخضراء، حيث ثمة نهر يشق غابة من الشجر الذي يصنع من رشح الماء الشتوي عنه حلوى تسمى “من السما”..

ـ اما الامر الثاني فقد حُمل الوفد الصحافي في ثلاث سيارات إلى “القصر” لمقابلة مع الرئيس احمد حسن البكر. كان الوقت قبيل الظهر، ودرجة الحرارة تلهب سطوح السيارات. وكان علينا أن نتوقف لربع ساعة امام الحاجز الاول، ثم لربع ساعة أخرى، عند الحاجز الثاني… ثم أدخلنا إلى بهو القصر وسط اشتباك بين مندوبي وزارة الاعلام، ومدير البروتكول في القصر الجمهوري حول “الموعد”. وبعد انتظار طويل، سمح لنا بدخول القاعة التي سنلتقي فيها “السيد الرئيس”.

جلسنا متحفزين ووجوهنا إلى المدخل الرئيسي للقاعة، لكن البكر فاجأنا بالدخول من باب جانبي شاء سوء حظي انني كنت اجلس عنده مباشرة.. وهكذا فقد كنت اول من واجه السيد الرئيس الممتلئ غيظاً، وقد بادرني بلهجة غاضبة وكأنني المسؤول عن الخلل، فقال: ترى انا مو زمال (يعني مكاري) ..آني ما حد يفرض عليّ موعد. نسيتم انني رئيس دولة؟

كنت اتصبب عرقاً، نتيجة الخجل والارتباك معاً.. واقتربت هامساً: سيادة الرئيس، ينتظرك هنا حوالي خمسة عشر صحافياً، فيهم اجانب وعرب.. ارجوك أن تهدأ، وتستقبلهم كما يليق بك وبموقعك كرئيس للعراق..

استمر يهدر، وقد اضطررت إلى الامساك بيده، والتقدم به نحو مقعده في صدر القاعة..

صفق “الجمهور الصحافي” تحية، لكن الرئيس المغضب لم يغادر صمته، ولم يرد التحية بأحسن منها، بل قال بحزم: استقبلتكم من باب اللياقة، لكن ماكو اسئلة..

حاولت، وانا من يعرفه من قبل، أن امازحه فسألته: واذا سألنا سيادتك عن صحتك؟

قال بلهجة الامر: زينة ـ كلش زينة!

وسأل زميل آخر: وإذا حولنا الحديث من السياسة إلى الثقافة والموسيقى وسائر الفنون؟

رد البكر وهو يهز رأسه مستنكراً: ماكو وقت عيني لهذه السفاسف، الآن!

فوجئت بزميل من اسكتلندا يتوجه إلى المترجم قائلاً: يعرف ـ سيادة الرئيس بالطبع ان بريطانيا شهدت في الفترة الاخيرة انتخابات نيابية، فاز فيها “المحافظون” وخسر حزب “العمال” الذي انتمي اليه.. فان أحَب سيادة الرئيس أن اشرح له لماذا هُزمنا فإنني اكون له من الشاكرين!

ووسط دهشة الجميع، قال البكر بفضول ظاهر: هاه..صحيح لماذا؟

وانطلق زميلنا الاسكتلندي يشرح ويشرح، والبكر منسجم ومرتاح مع المترجم..

ثم أخذ الزميل “يتسلل” بأسئلته عن العراق والمنطقة، والبكر يتحدث بلا توقف.. بينما نحن في ذهول!

Exit mobile version