طلال سلمان

لقاء لحود اسد خطوة على طريق »التصحيح«

يأتي لقاء الرئيسين اميل لحود وبشار الأسد، غدا في دمشق، في موعده تماما، ليواجه جدول أعمال مثقلا بالمهمات الصعبة والدقيقة.
إن التوقيت بذاته يفرض على هذا اللقاء، الأول من نوعه، رسميا، منذ تسمية العماد لحود رئيسا للجمهورية، مناخا من الجدية والشعور بجسامة المسؤولية في لحظة مصيرية لمواجهة ما يدبر علنا لهذين البلدين »الخارجين« على حالة الاستكانة العربية السائدة بل الذعر من العقاب وبالتالي التسليم بالإرادة الأميركية الإسرائيلية قدرا لا يمكن رده، والبحث عن سبل »لشراء« الرضى بأي ثمن وبكل ثمن..
وليس ثمة حاجة للجان تحضيرية تختار فتحدد بالمفاضلة جدول الأعمال وتكتب مسودة البيان المشترك: إن المخاطر واضحة، بل هي صارت أقرب ما تكون إلى »أوامر عمليات« تبث »على الهواء« مباشرة من الكونغرس في واشنطن كما من البنتاغون، ومن حكومة أرييل شارون كما من رئاسة أركان جيش العدو الإسرائيلي.
لقد فرضت واشنطن قبل تل أبيب مناخ الحرب على »الشعب الواحد في دولتين«: الكونغرس الأميركي بقانون محاسبة سوريا في لبنان وعن لبنان وعقوباته التي تكاد تكون شروط منتصر لا يقبل بأقل من استسلام »عدوه« المهزوم بغير شروط… وهو قانون »عراقي« التوقيت خصوصا وقد اتخذ من الموقف السوري من الاحتلال الأميركي ذريعة للإجماع!
أما إسرائيل فقد فرضت هذا المناخ الحربي بالتهديدات العسكرية المباشرة التي تريد بها محاسبة سوريا في فلسطين وعن المقاومة في فلسطين، والتي بين تجلياتها الغارة الجوية على معسكر مهجور لتنظيم فلسطيني قرب دمشق، ثم تلك المناورات الواسعة التي أجراها الجيش الإسرائيلي على طول حدود الأرض المحتلة وأطلق جنرالاته عبرها تهديدات مباشرة بالاجتياح والسحق والتدمير الشامل…
الساذج وحده، أو الخبيث مدعي السذاجة، أو المحدود فهمه والمحدد بموقعه في السلطة في بيروت، أو بموقفه منها، هو الذي يتخيل مثل هذا اللقاء الاستثنائي بين الرئيسين بتوقيته على الأقل مهمة بحت لبنانية تتصل بالصراع المفتوح على قمة السلطة، والذي لا بد من حسمه قبل أن يدمر ما تبقى من اقتصاد ومن مؤسسات بل ومن علاقات إنسانية، وذلك بتبديل الحكومة للتخلص من رئيسها.
فالوقت أثمن من أن يهدر في البحث عن تسوية لهذا الصراع العبثي على خطورته، لأن طرفيه يدركان ولو مكرهين أنهما كالتوأم السياسي: كلاهما محكوم بقبول الآخر بمعزل عن عواطفه وحتى عن مصالحه الشخصية.
… وإلى ما قبل الإعلان عن هذه »الزيارة« التي تجيء من خارج التوقع، فإن الانطباع السائد أقله في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية كان يتراوح بين احتمالين لا ثالث لهما:
الأول إن المسؤولين اللبنانيين عموما لم يسمعوا ولم يقرأوا ولم يتصل بعلمهم ما قرره الكونغرس الأميركي في مشروعه لمحاسبة سوريا في لبنان وعن لبنان، وبالتالي فهم معذورون لجهلهم، والجهل ولو ادعاء يعفي من اتخاذ المواقف المحرجة.
والثاني إن هؤلاء المسؤولين قد قرأوا أو سمعوا ففهموا أبعاد تلك »المحاسبة« فاعتصموا بالسكوت الذي هو من ذهب، وأمسكوا بألسنتهم التي لا تكف عادة عن الثرثرة، التزاما بالحكمة الأبدية »لسانك حصانك إن صنته صانك«، أو التزاما بقاعدة ريفية للسياسات العليا مفادها »عند اختلاف الدول احفظ رأسك«..
في الحالين فإن هؤلاء المسؤولين، وكلهم من حيث المبدأ!! حلفاء للقيادة السورية، لا يفوّتون مناسبة للإشادة بها (ولو نفاقا) إلا واغتنموها فامتدحوا وبالغوا بغير ضرورة، وأقسموا بأغلظ الأيمان أنهم رفاق سلاح وأنهم في خط الدفاع الأول عن وحدة المسار والمصير، كما أنهم لا يغيبون عن مهرجان خطابي أو عن إفطار للتأييد إلى حد المبايعة.
***
للحظة، افترض حسنو النية في المسؤولين الذين يتنعمون بامتيازات السلطة في لبنان، أن هؤلاء سيبادرون إلى إثبات إخلاصهم »للخط« واستعدادهم لتحمل مسؤولياتهم في المواجهة التي لا مفر منها.
كيف؟!
افترض حسنو النية أن رئيس الجمهورية سيوجه دعوة إلى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، وأنه سيعلن في مستهلها أن الخلافات الشخصية التي كانت تعطل عمل مؤسسة الحكم هذه باتت ترفا غير مقبول، وتقصيرا فاضحا في تحمل المسؤولية… وأن الوضع الخطير يفرض تكاتف الجميع ووقوفهم صفا واحدا، من أجل لبنان وسلامته أولا وقبل الحديث عن التضامن مع سوريا… فلبنان هو ساحة المواجهة، كما يدل نص القانون الأميركي المتعسف، وعلى »قيادة لبنان السياسية« أن تتحمل مسؤولياتها في حماية الوطن، فإن هي أدت هذا الواجب الوطني شاركت عمليا في مؤازرة سوريا وأكدت تضامنها معها والتزامها الشعار المتوهج »وحدة المسار والمصير«، وإلا كانت تصريحاتها نفاقا مكشوفا ورخيصا!
وافترض حسنو النية أن الوزراء، وجلّهم يمثل أحزابا وقوى وتيارات سياسية »ملتزمة« سيجيئون إلى هذه الجلسة التاريخية بغير مذكرات إحضار، وبغير استدعاءات »عسكرية« غاضبة تؤدي إلى مواجهات شخصية عاصفة، فهذا هو يوم الجد، ولا مجال للتهرب من »خدمة العلم«… خصوصا ان »شرعية« هذه المؤسسة بكل من فيها تعرضت للطعن من قبل الكونغرس الأميركي الذي أعطى نفسه سلطة تعيين الحكام وعزلهم في أربع رياح الأرض، فمن أطاع فاز والعصا لمن عصى..
وافترض حسنو النية أن المجلس النيابي الذي يغيب كثيرا ويحضر قليلا سوف تدب فيه الحياة، فيتقاطر جمعه اللجب (128 ما شاء الله) إلى »حصن الديموقراطية وكعبة التشريع« ليعقدوا جلسة تاريخية تنتهي بقرار محدد: »إن القانون الذي أقره الكونغرس الأميركي اعتداء صارخ على لبنان ونحن نرفضه باسم شعبنا، ونعلن أننا سنقاومه بإيماننا وبقدرات شعبنا الصغير عديده والذي يتقن فن المقاومة دفاعاً عن حقوقه الوطنية المشروعة«!.
وافترض حسنو النية أن المشاركين في السلطة من الأحزاب والقوى والكتل والتجمعات ستستنفر جماهيرها، وستمشي في مقدمها في تظاهرات مهمتها التعبئة ونشر الوعي وحشد الطاقات للمواجهة..
بل إن بعض حسني النية قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك فافترضوا أن من يراهن على أن هذا »القانون« الأميركي سيحصنه في موقعه، فيرفع عن رأسه سيف التهديد بتغييره، نتيجة الحاجة المستجدة إليه لتهدئة الثور الأميركي الهائج، سيوقف رهانه البائس، فما يجوز في حال السلم لا يجوز في حال الحرب.
… وأن من يراهن من المعارضات على التغيير من الخارج، وبالقوة، سينتبه إلى أنه سيضبط متلبساً بتهمة توازي »الخيانة العظمى«، وأنه سيبادر إلى تبرئة نفسه من مثل هذه الشبهة، مع احتفاظه بموقفه المعارض للحكم في بيروت، أو حتى للدور السوري وممارساته في لبنان، تحت شعار »الوطن في خطر، فلنحم الوطن«!
لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وواصل المسؤولون جميعاً، في الحكم كما في المعارضة، ممارساتهم »النبيلة« إياها، في هدم المؤسسات وزيادة حجم الدين العام وتدمير الاقتصاد وتحويل الخلافات السياسية إلى مقدمات نارية لصراعات طائفية ومذهبية لا تبقي ولا تذر.
* * *
إن اللقاء الرئاسي غداً في دمشق ضروري، قطعاً، وهو مهم بتوقيته كما بالنتائج المتوقعة منه.
لكنه خطوة أولى، ولا بد من تعزيزها بخطوات أخرى تؤكد الاستعداد لمواجهة سوف تكون شاقة ومكلفة وطويلة مع هذا الحلف الجهنمي الأميركي الإسرائيلي والذي لم يعد طرفاه يداريان أو يتكتمان حول أهدافه الشريرة والتي تكاد تشمل فضلاً عن العراق وفلسطين بالاحتلال العسكري فيهما سائر أرجاء الأرض العربية لا فرق بين »صديق« فيها أو »حليف« سابق وبين »عدو« مستجد كما هي الحال مع سوريا ولبنان.
ان الاحتلال الاميركي في العراق في أزمة تعبر عن نفسها »بالأحمر« كل يوم.
والاحتلال الاسرائيلي في فلسطين في أزمة جدية تعبر عن نفسها بالانقسام الحاد والمرشح للتفاقم بين حكومة شارون ومعارضيها كما بين هذه الحكومة والعديد من القيادات العسكرية البارزة.
طبعاً هذا لا يعني ان هذه الازمة او تلك ستتسبب في سقوط جورج و. بوش او ارييل شارون.
لكن مواجهة الضغوط الخارجية ممكنة بقدر ما تكون الاوضاع الداخلية متينة، وبقدر ما يكون الحكم متماسكاً وموحد المنهج والمسلك ومحصناً بشعبه.
وليست هذه حالنا في لبنان، الذي تعلن واشنطن بصريح العبارة انه سيكون بالنسبة للهجوم على سوريا »الممر والمقر«، خلافاً للقاعدة الاستقلالية الشهيرة التي نحتفل هذه الايام بستينيتها عبر استعادة الذكريات اكثر مما بإنجاز المهمات التي ما تزال مطروحة على اللبنانيين بوصفها »امر اليوم«، وأمر كل يوم.
على سيرة الذكريات: أين المجلس الاعلى اللبناني السوري يثبت حضوره وفعالية دوره في لحظة تشتد فيها الحاجة الى المؤسسات حتى لا تظل السياسات (والمواقف) رهينة الامزجة والصراع على الصلاحيات في بلد مهدد من داخله، ومن السلطة فيه، بأكثر مما هو مهدد من خارجه!
المهم ان يكون لقاء الرئيسين خطوة اولى على طريق »التصحيح« الضروري لأوضاع الحكم في لبنان، خصوصاً انه يتزامن مع ذكرى »الحركة التصحيحية« التي قادها قبل ثلاث وثلاثين سنة الرئيس الراحل حافظ الاسد في دمشق والتي حولت سوريا من دولة ممزقة بالخلافات ومغيبة الدور وشبه معدومة الاهمية الى دولة اساسية في هذا الشرق تُسأل رأيها في كل اموره ويحسب لها حساب في أي قرار يخصه.

Exit mobile version