طلال سلمان

لغة حرب في زمن مصالحة

بدا المشهد، أمس الأول، مع إعلان القوائم الانتخابية في بيروت والشوف، »أجمل من أن يكون حقيقياً«: السيدة صولانج، أرملة بشير الجميل على قائمة سعد الدين رفيق الحريري، وجورج عدوان الذي خرج من »التنظيم« إلى »القوات اللبنانية« على قائمة وليد جنبلاط وبرعاية مباشرة من السيدة ستريدا سمير جعجع.
كان المشهد كثيف الدلالة، فاختلف الناس في تفسيره ومن ثم في تقبّله باعتباره مؤشراً إلى طبيعة المرحلة الجديدة من »المصالحة الوطنية« التي طال انتظارها، والتي أرادنا البعض أن نصدق وكأنها كانت في انتظار استشهاد الرئيس رفيق الحريري حتى تنعقد أواصرها وتتم فصولاً في »ثورة الأرز« يوم 14 آذار 2005.
قال المتفائلون: هي من ثمار المصالحة الوطنية، وهي من الضرورات للخلاص من أثقال الانقسام والفرقة، ولإشاعة جو من الوئام والتلاقي بعد افتراق، تحت راية الوطن الواحد… والضرورات تبيح المحظورات، وعلينا أن نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل وقد استعاد لبنان حريته وسيادته واستقلاله، وها أن كل ذلك في طريقه إلى التحقق عبر الديموقراطية المستعادة تحت إشراف دولي صارم يسهر عليه مجلس الأمن الدولي برقابته، في حين يتولى السفيران الأميركي والفرنسي تحذير من يخرج على »الثوابت« بأن لعنة الدنيا والآخرة ستحل عليه، وقد يصل الأمر إلى حد اتهامه بالانتماء إلى جماعة »الإرهاب الدولي«.
أما المتشائمون فخافوا أن يفسدوا »العرس الوطني« بتطيرهم وتحذيرهم من أن مثل هذا التحالف وإن كان انتخابياً فإنه يحتاج إلى أساس سياسي يقوم على وحدة المفاهيم، بحيث لا ينتكس في اليوم التالي، لأن لكل فريق لغته الخاصة التي تفترق عن لغة »حليفه« إلى حد التناقض…
… وجاء اليوم التالي ناسفاً لسذاجة المتفائلين، مؤكداً مع الأسف منطق »المتشائمين« الذين يحاولون التعامل مع المنطق والعقل ويصرون على أن يسبق التوافق تفاهم على الثوابت. والخطوة الأولى الضرورية: الخروج من ماضي الحرب الأهلية، لغة وشعارات وممارسة ومشاعر انتقامية تريد أن تثأر لظلم ترى هذه الفئة أو تلك أنه قد لحق بها بسبب أخطاء سياسية فادحة ارتكبتها وكادت تذهب بالوطن وأهله…
وبمعزل عن حقيقة أن الخطأ يستولد الخطأ، وأن الكثير من أخطاء »الحقبة السورية« قد حاولت أن تبرّر نفسها بما ارتكب قبلها وجعلها قدراً، فإن استعادة لغة ما قبل تلك الحقبة ليس المدخل الصحيح إلى المصالحة الوطنية، فكيف بالوحدة الوطنية.
لقد عادت مفردات من لغة زمن الحرب إلى الخطاب السياسي، واستعيدت شعارات من »الحقبة الإسرائيلية«، بينما اختفى أي ذكر لاتفاق الطائف باعتباره الطريق الإجباري إلى وحدة وطنية صلبة وقابلة للحياة.
وليس ممّا يسرّع هذه الوحدة الوطنية أن يطلق هذه الشعارات من سيوصله إلى النيابة، وبالتالي إلى استعادة الأهلية السياسية وتثبيت دوره في إعادة بناء المستقبل تراث كمال جنبلاط أو إنجازات رفيق الحريري على طريق لبنان الجديد الذي ممره الإجباري مرة أخرى اتفاق الطائف، وليس الاتفاقات التي عقدت مع »الغريب« الذي كان عدواً ويبقى عدواً، مهما تعاظمت أخطاء الحقبة السورية في لبنان.
… وأنها لمن المصادفات السعيدة أن نشهد هذه المصالحة في الذكرى الثالثة والعشرين لاتفاق 17 أيار، الذي كان لرفيق الحريري دور خاص في إلغائه.ش

Exit mobile version