طلال سلمان

لغة العقربين

ممتعة مثل الصعوبة هي الكتابة بين عقربي الساعة.
تُسقط كلمتك في الزمن مباشرة فيلغيها او تلغيه.
تتبادل الكلمات مع الوقت المعنى: فالاكتمال معلق على عناق العقربين. تحبس الكلمات في الرنين، فيتقدم العقرب الكبير، ويثقل الحبر المعنى فيتقدم العقرب الصغير متهادياً ليحز رأس موعد العناق المشتهى، ولا يتبقى لك الا حطام الزمن الهارب منك.
لو أنك تملك من الوقت ما يكفي!
ما يكفي ماذا؟!
لو انك تعرف بالدقة عمّ تبحث لكنت وجدت له الوقت.
لكنك تضيّع الوقت في محاولة تحديد ما تريد.
لا يتسع الوقت للحيرة.
لا يتسع الوقت للتفكير وللإنجاز معاً.
تريد زمنين، اذاً، انت الذي ترعبك حركة العقرب الواحد.
البعض يشتري زمان الآخرين فيفكرون له، وينجزون له، ثم يتباهى بأنه قد حقق الرقم القياسي في الانتاج.
ما اكثر دماء الازمنة المراقة على الارصفة والكراسي وهواتف ثرثرة الصمت.
* * *
… وأنتِ تعتصمين في برجك القائم زمانا بذاته.
تطلين من حالق فترَيننا خارج الزمان، فإذا ما تدانيت منا فقدتِ مدارك، وفقدنا لغتنا الموصلة، وغرقنا في لجة الغربة تهدهدنا تكتكة العقربين اللذين لا يتوقفان حتى داخل بحيرة من دماء احلامنا.
عقارب الساعة جلاد الاحلام،
والاحلام جلاد العاجزين،
والزمن لا تصنعه الكلمات.

 

حوار الحيطان الناطقة

قال الجدار للجدار: هل الناس منافقون؟! لو انهم قالوا في صناديق الاقتراع ما قالوه في الذين يركبون على ظهري هنا، لما نجح احد من هؤلاء.
رد الجدار على الجدار: ستظل غبياً… وهل النجاح مرتبط بأصوات الناس؟! وهل اصوات الناس في الصندوقة تعبر فعليا عن رأيهم؟!
* * *
قال الجدار للجدار: تقطعت الصور فتداخلت، وصار نصف اسم هذا موصولاً بنصف اسم الثاني، كذلك صارت العيون لواحد، والذقن وربطة العنق لواحد آخر.
رد الجدار على الجدار: لعلها الآن اصدق في التعبير عنهم. ان كلاً منهم »مركب«، البعض منه والاغلبية من »آخرين«!
* * *
قال الجدار للجدار: لو انهم فقط يرفعون هذه الصورة الكبيرة، ان خشبها ثقيل، واسلاك الكهرباء تنخر عظمي.
رد الجدار على الجدار: الناجح لن يرفعها »نكاية« بالذين خسروا، والخاسر سيبقيها ليؤكد انه الممثل الشرعي والوحيد… لولا ان الناجح قد زوّر عليه!
* * *
قال الجدار للجدار: سمعت ان واحدا من الوزراء قد سقط في الانتخابات.. أليس هذا دليلا على الديموقراطية!
رد الجدار على الجدار: تحتاج الديموقراطية الى اكثر من رأس وزير واحد لتعيش!..
* * *
قال الجدار للجدار: لقد جعلونا مسرحا يقدَّم عليه »ستربتيز« الديموقراطية.
رد الجدار على الجدار: بل لعلهم جعلونا البديل عن الديموقراطية!
* * *
قال الجدار للجدار: سمعت ان بعضهم قد رأى صورته فوقع مغشياً عليه!
رد الجدار على الجدار: بعد اليوم لن تسمع ولن ترى إلا اصواتهم وصورهم، وهم يوقعون الآخرين جميعا ولا يقعون!
* * *
قال الجدار للجدار: في الانتخابات المقبلة لن ارضى بأن يسخّروني كشاهد زور.
رد الجدار على الجدار: اطمئن، لن تكون هناك انتخابات مقبلة، واذا ما جرت فلن يكون للديموقراطية »حيط عمار« في بلد الإنماء والإعمار!

 

أحمد طالب الإبراهيمي: الأزمة والحل

تنزف الجزائر أمجادها ورجالها، دورها واقتصادها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
تنزف الجزائر تاريخها.
مع ذلك يبقى قلة من رجالات الجزائر يعملون بصمت، يتحركون، يحاولون وقف المذبحة، يرفعون صوت العقل فوق دوي الرصاص وتفجر السيارات المفخخة، لتقتل الأطفال والنساء والأمل بالغد.
واذا كان احمد بن بلة احد رايات النضال العربي في الجزائر، فإن احمد طالب الابراهيمي هو بالنسبة الى كثير من الجزائريين »الوعد« بالإنقاذ.
»رجل الحوار« كما يسميه كثيرون، هو ابن الشيخ محمد البشير الابراهيمي، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي لعبت دورا في التأسيس للثورة.
والشيخ محمد البشير الابراهيمي هو صديق للزعيم الاصلاحي الكبير عبد الحميد بن باديس الذي يُعتبر الاب الروحي او الفكري للثوار الجزائريين.
ربما لأنه ولد ونشأ في بيئة دينية، يُعتبر احمد طالب الابراهيمي ممثلا للتيار المحافظ، لكنه في السياسة لعب دورا مميزا باعتداله، مما جعله نقطة لقاء بين القيادات المصطرعة، عسكرية ودينية وسياسية، وربما لهذا ظل دائما المرشح الأوفر حظا لرئاسة الجمهورية، او »رجل الحل«.
من كتاب »المعضلة الجزائرية الأزمة والحل«، الصادر عن شركة دار الأمة في الجزائر، والذي يضم مجموعة مقابلات ومقالات وبيانات برامج، اخترنا مقاطع محورية تؤثر في وجهة نظر احمد طالب الابراهيمي وتصوره للحل، خصوصا انه لا يؤمن »بالرجل المعجزة«.
»نحن في جبهة التحرير نعتقد بان البيت الجزائري قائم على اربعة اعمدة هي: الاسلام والعروبة والامازيغية (البربرية) والعدالة الاجتماعية:
1 الاسلام ملك للجميع، ولا يحق لاحد ان يحتكره، ولا يحق لاحد ان يمس بقيمه وتعاليمه.
2 العروبة ملك للجميع، لأن العربية لغة القرآن الكريم، ولغة الرسول الاعظم، واداة لتوحيد الشعب على النهج المحمدي.
3 الامازيغية ملك للجميع، لأن الجميع بربر عرّبهم الاسلام. والتراث الامازيغي واجبة على الجميع حمايته وتطويره، ومع الأسف وقعنا في فخ الاستعمار الفرنسي الذي فرق بين العرب والبربر.
4 العدالة الاجتماعية ملك للجميع، ولا يحق لاحد ان يستغلها لإحداث صراع طبقي«.
الكتاب شرح تفصيلي بمنطق سياسي متكامل لهذه المبادئ المنطلق لإرساء الحل ووقف المأساة التي افقدت العرب جزائرهم العظيمة او تكاد.

 

بلند واسترجاع الزمن الوطن

ألا يا أيها الوطن المهاجر
عن أراضيه
ومن تيه الى تيه
ومن منفي يلملم صمت دنياه
وأحزان لياليه
الى منفى يعزيه
بقتلاه وينفيه
الى حكم لما ابقته رجلاه
هنالك في صحاريه
….
ألا يا أيها الوطن
متى يسترجع الزمن
مرافيك
موانيه
متى يا أيها الوطن
سترجع من منافيك
سنرجع من منافيه
لندرك موتنا فيه
متى يا أيها الوطن…؟«
لا يحتاج المرء الى خيال مجنح ليعرف ان نازف هذا الحزن المقفى والموزون هو عربي من العراق.
اما من يعرف شاعرنا الراحل بلند الحيدري فلسوف تقوده اللوعة الى تمثل ملامح الفجيعة على ذلك الوجه الداكن الذي لم يعرف الابتسامة الا نادرا، وفي أيام لم تستطع ان تكون تاريخا.
ولقد سبق الموت الشاعر الى الوطن كما سبق الوطن الى بلند الذي لم يستطع ان يسترجع الزمن ليدرك موته فيه.
والقصيدة من ديوانه الاخير »دروب في المنفى« الصادر عن دار سعاد الصباح.

 

ياسين رفاعية وقصيدته الواحدة

ليس ياسين رفاعية »مهيار« وإن كان الدمشقي، ولا هو »قيس بن الملوَّح« وإن كان قد احترف العشق فوحّد بين »دمشقه« و»أمله« وحملهما في قلبه وعلى سن قلمه وهو في كل مكان وفي اللامكان.
ومع ان ياسين رفاعية قد هجر الفرن في الحي العتيق في أعتق مدينة في الأرض، فإنه يحمل إلينا في بيوتنا »الخبز« الساخن، تارة في رواية، وطوراً في عمل صحافي، او في نقد أدبي، ونادراً عبر الشعر كما في نتاجه »أنت الحبيبة، وأنا العاشق«.
التهمت الكلمات سنوات الصبا والشباب، لكن الهوى ما زال يملأ الصدر ويغذي الكلمات بالمعنى، والتجربة تضيف الى العين والخاطر أصداءً جديدة ورؤى أغنى و»أرغفة« أشهى مذاقاً.
ياسين رفاعية يكتب كل ساعة، يكتب كل يوم، ويكتب في كل مجال، لكنه في الشعر يكتب مقاطع جديدة في قصيدته الواحدة التي تكاد تختزل العمر.
هنا بعض الصور من بعض القصيدة الواحدة:
»خلعت عليّ كل الألقاب
إلاّ لقب حبيبي،
تخليت عن كل الألقاب
إلاّ لقب حبيبتي«.
…..
»وتغيبين وراء المدن البعيدة
فأنتظرك وحيداً
آكل شموع عيني
وأحكي لجدران غرفتي
مصيري المجهول«.
…..
»في الظن اليوم
أنك عباءة الفرح
فإذا بك غداً
رداء الحزن
أرتديك اليوم
فأصير طائر الجنون
أخلعك غداً
فأصير حزن الجنون«.
…..
»وأنت تذهبين الى الآخر
يغمرك بالسهر والعطر والورود
لم يعد النهار يفتح لي أبواب النور«.

Exit mobile version