طلال سلمان

لبنان يخسر صورة ضحية

خسر لبنان ما تصور، للحظة، انها »قضيته«.
في البدء تعامل الجميع، عرباً وعجماً، غرباً وشرقاً، مع لبنان بوصفه »الضحية«، خصوصاً بعدما غطت دماء رفيق الحريري شهيداً الأرض والفضاء وفجرت العواطف والغرائز واثارت الحساسيات المترسبة على امتداد ثلاثين عاماً أو يزيد، وأهاجت خيبة الأمل في الأخ الشقيق مرارات كادت تترجم في السياسة خروجاً على الثوابت وبديهيات الهوية والانتماء.
بعد حين، تحرك الحريصون على لبنان، من الأشقاء العرب تحديداً، وباشروا بذل مساعيهم الحميدة لاستنقاذ »الأخ الأصغر« من شرنقة الشعور باليتم، وكذلك من شبكة الاستثمار الدولي لمأساته، سياسياً، في تدمير علاقاته بجاره الشقيق، سوريا، واسترهانه وتحويله إلى رأس حربة في مشروع لا يجيئه منه غير الضرر.
و»الدول« أقوى من »العرب«، وهي بالقيادة الأميركية تطلب فتطاع، ويفترض من تسانده انه قد بات محصناً، وقد تغريه النفس الامارة بالسوء بأن يتحول من الدفاع إلى الهجوم، متصوراً انه قد يستطيع اسقاط النظام الذي بات يرى فيه »العدو«، وبات يرى في انسحاب قواته من لبنان عيداً حقيقياً للجلاء والاستقلال يمكن مقارنته بعيد تحرير الأرض التي كان يحتلها العدو الإسرائيلي، فإذا جرت المساومة ألغي »العيدان« توكيداً للمساواة!
هكذا تم رفض أي مسعى عربي سواء تمثل بزيارة استطلاعية للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، أو ارتقى إلى مستوى المبادرة كالتي أعلنها وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل.
كان الاغراء الدولي لا يقبل الرد: أمامكم مجلس الأمن، سينصفكم، وسيعيد إليكم حقوقكم، وسيؤكد استقلالكم وانتصار »ثورة الأرز«، وسيحمي ديموقراطيتكم!
وإلى جانب اغراء مجلس الأمن كان التلويح بالمليارات لانعاش الاقتصاد، والمساعدة في تسديد مليارات الديون التي تتوالد من ذاتها مهددة بالتهام ما تبقى من أخضر لبنان.
استصدرت القرارات واحداً اثر الآخر حتى باتت سداً يعزل لبنان عن محيطه جميعاً… واعتبرت »الدول« انها أدت قسطها للعلى، فانصرفت إلى شؤونها الأخرى تاركة هذا الوطن الصغير لمصيره.
وها نحن بلا حكم، بلا حكومة، بلا خطة، بلا وجهة سير محددة.
لقد خسرنا صورة »الضحية« ولم نقهر المستحيل فنغدو في صورة »المنتقم الجبار«.
لقد خسرنا »القضية« التي تحتاج إلى من يتقدم بها باعتباره »صاحبها«، ليس طارئاً عليها، ولا هو طامع في استثمارها لمصلحة الغير.
اننا الآن متروكون للريح، نقصد العواصم البعيدة فنستعديها وتستعدينا على عاصمة الحل. نقول بالحوار ثم لا نحاور بل نفتش عن اشكالات جديدة أو نبتدع »سواتر« كي نسد طريق الحوار، ونقطع الطريق على من يحاول فتح الأبواب المغلقة.
مرة أخرى تتأكد بديهية منسية: الدول هي المشكلة وليست الحل.
مرة أخرى تتأكد بديهية أخرى منسية: نحن أهل الضحية، ونحن أهل القضية، ونحن من له حق القرار بالحل.

Exit mobile version