طلال سلمان

لبنان وسوريا في زمن حزب الله

متى يأتي وقت الاعتراف بحزب الله، كمقاومة لبنانية؟ حتى يتواضع “السياديون” ويتنازلون عن ادعاءاتهم؟ الحزب الذي يحرر الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، هو حزب السيادة الفعلي. لولاه، لكان لبنان منتهك السيادة، الا إذا كانت السيادة اختصاصاً لمناطق لبنانية مختارة طائفياً ومذهبياً. الحزب الذي يسمو بدماء ابنائه، هو حزب لبنان، وليس حزباً ايرانيا، برغم التحالف الوطيد بين الاثنين. حزب يقوم بما لا تستطيعه الدولة، لانصراف قواه السياسية وقياداته الطائفية إلى العبث بالسيادة والاستقلال والقوانين والدستور والمؤسسات والاموال العامة.

لبنان، بحراسة “حزب الله” ـ هو منيع جداً. آمن جداً، صامد جداً. يُخيف ولا يَخاف، ولا يكلف الدولة اعباء مالية، غلاة معارضي حزب الله، يأخذون عليه التفرد بالقرار. صح، حزب الله يتفرد بالقرار، لعجز الطبقة السياسية، قديماً وحديثاً، عن توحيد وجهة لبنان الخارجية. لبنان نصفان، نصف مع هذا المحور ونصف مع ذاك. وكل نصف هو تمام طائفي. الطوائفية لم تلتق على العدوان الثلاثي على السويس في 1956. لم تجتمع على موقف موحد من فلسطين والفلسطينيين. ظلت سياسات لبنان في أزمنة السلم العربي تتأرجح بين “لاءي” الميثاق الوطني، فيما خرقت الميثاقية في زمن ازدحام المحاور: محور المقاومة، محور اسرائيل، محور دمشق، محور السعودية، محور القاهرة، محور ايران… لم يتوحد لبنان ابداً. فريق اخذه إلى عبد الناصر، وفريق سلمه لأميركا. فريق سلمه للفلسطينيين وفريق استدعى اسرائيل. فريق تمحور حول السعودية وفريق التصق بإيران.

لبنان اللبناني مستحيل. لبنان بهويات متعددة هو الاصل والفرع، هو البدايات والنهايات.

لبنان من دون مقاومته، تقوى عليه اسرائيل. تستقوي عليه المحاور العربية. يصير “قبلة” التكفيريين.

لو أن “دولة لبنان”، هو دولة جدية، لا مزرعة موزعة، لصح القول، أن حزب الله يتفرد بالقرار. مقاومة وتدخلا في الازمة السورية.

أما وان لبنان على ما هو عليه من التفكك، وعلى ما هو عليه من عجز، وعلى ما يفتك به زعماؤه، فإن التفرد في القرار، هو “رأس الحكمة”.

لا داعي لتبيان مخازي دولة الطوائف السائبة. انما، من هو المتذاكي الغبي جداً، الذي يتنطح للسؤال عن السيادة وانتهاكها، وعن مركز القرار والتفرد به؟ ـ الدولة اللبنانية، برغم ما يحيط بها من مخاطر، بالكاد تستطيع تأمين العدة القتالية لجيش خاضع حتماً للتوازنات الداخلية، التي تشله احياناً عن التدخل او الحسم. وفي هذه الاثناء يسقط الكثير ويهان الجميع.

لن يتوحد لبنان حول قضية عربية أو اقليمية، كما لن يتوحَّد حول موازنة او خطة كهربائية وألف “حول” كذلك. هو هكذا منذ البدايات الأولى للكيان. وعليه، فسياسة الأمر الواقع هي السياسة الوحيدة الممكنة. تتغاضى الدولة عن الفساد لأنه أمر واقع. تغض الطرف عن الانتهاكات، لأن الانتهاك امر واقع. تغض الطرف عن سياسات خارجية عشوائية، لأن ذلك امراً واقعاً. وكل ذلك يصب في إنهاك الدولة واليأس منها.

أما تفرد “حزب الله”، فقد جلب على الدولة نعمة الانتصار على عدو خرت امام قدماه دول اقليمية عظمى. حزب الله، أنقذ لبنان من احتلال كان سيدوم، بقدر ما يدوم في الضفة وفي الجولان وفي فلسطين. “حزب الله”، من دون تكليف لبناني، رسمي او شعبي، قام بواجب التحرير بتكليف وطني وتكليف ماورائي. “حزب الله” منع اسرائيل من رسم الشرق الاوسط الجديد تأسيساً على ما تنتجه حرب تموز 2006. لو لم ينتصر “حزب الله” اللبناني، لأصبح لبنان محمية من محميات الخليج، مع كل القهر الطوائفي المتبادل.

“حزب الله” تدخل في الحرب السورية. ما كان ممكناً غير ذلك. وبرغم الاختلاف المشروع حول هذه المشاركة، فإنه من الغباء السياسي والاستراتيجي أن يظل “حزب الله” على الحياد. فهو كان من قبل جزءاً من محور المقاومة. وسوريا كانت فيه وكذلك إيران. اضافة إلى أن لسوريا جاذبية هائلة، فجذبت اليها كل الحروب وبكل الاشكال وبكل الاهداف.

“حزب الله” في عرسال ودورها، بعد تردد لبناني. الاصوات الناشزة آثرت الصحف. بات مقبولاً اشتراك “حزب الله” في الحرب السورية داخل الاراضي اللبنانية، إلى جانب الجيش اللبناني من جهة والى جانب الجيش السوري من جهة.

اكتمل قوس التناقض. وهو قوس سوري جمع الاضداد. الروس مع الأميركان. السعودية مع إيران. تركيا مع اوروبا. الاكراد والعرب. تطريد التكفيريين إلى اخر هذا “الباب” المفتوح على المزيد.

من الضروري الاستفادة. هذه تجربة سياسية ـ عسكرية ـ استراتيجية نموذجية. من مصلحة لبنان، اعتبار “حزب الله”، قوة داخلية مانعة للفتنة، وقوة اقليمية حامية للبنان.

ما عدا ذلك، فليبق داخل السياسة اللبنانية المنصرفة. فليبق اللبناني سعوديا أن شاء، قطرياً أن أمكن، غربياً إذا لزم الامر، ايرانيا إذا فرضه المعتقد… “لبنان الحكيم” يستطيع أن ينتج معادلة جديدة، غير معادلة قوة لبنان في ضعفه، وهي أن قوة لبنان، بتوظيف انتماءات طوائفه الاقليمية لمصلحة الامن اللبناني.

وليتوقف الكلام المبدئي حول الدولة والسيادة والمؤسسات ووحدة القرار ومركزيته.. لبنان الفوضى القائمة لمصلحته اقليمياً بشرط خفض منسوب التصريحات الاتهامية.

هذا هو لبنان، بطريقة أخرى. هذا هو لبنان في زمن “حزب الله”.

Exit mobile version