طلال سلمان

لبنان وحروب تدخلين

هي مصادفة خير من ميعاد: أن يتزامن صدور الرسالة الجهادية اللبنانية للرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، مع مانيفستو التحرير الدولي العربي الذي أصدره أصدقاء لبنان في ختام أو على هامش لقائهم الدوري لتنظيم شؤون الاحتلال الأميركي للعراق، والذي يضم دول الجوار و الدول المتطوعة لهذه الغاية النبيلة، بعدما اختتم أعماله في الكويت، يوم أمس الأول.
وهي مصادفة لافتة حتى ليكاد سيئ الظن يعتبرها مقصودة، خصوصاً إذا ما دقّق في مضمون البيانين التاريخيين بكل تداعياتهما المحتملة على الأزمة المتفاقمة خطورة في لبنان، الذي يعيش أهله حالة غير مسبوقة من اليأس والقلق المخيف على المصير.
ذلك أن أيمن الظواهري يفتي بفتح الجبهة اللبنانية في الجنوب أمام طوابير المجاهدين الآتين لتطهير الأرض المقدسة في فلسطين من الرجس الإسرائيلي بعدما أنجزوا تطهير دار الكفر جميعاً، وحرّروا فسطاط الإيمان جميعاً ولم يتبق من مهام مقدسة غير دحر قوات الطوارئ الدولية التي صيّرتها البصيرة النافذة صليبية المنشأ والهدف فوجب استئصالها حتى لا تكون حاجزاً يمنع وصول سيف الحق إلى إسرائيل ليقطعها إرباً إرباً فيخلّص الإنسانية من شرورها ويستعيد الأقصى الذي باركنا حوله ليربطه بالبيت الحرام، معيداً للإسلام زمن انتصاراته وإتمام الرسالة.
بالمقابل فإن أصدقاء لبنان ، وما أكثرهم!!، وما أقواهم!!، لم يجدوا للأزمة السياسية الخانقة، بكل أبعادها الاجتماعية الخطيرة، وبكل تداعياتها الاقتصادية المدمرة، إلا حلاً واحداً يتمثل بانتخاب فوري لرئيس الجمهورية، يليه التوافق على حكومة وحدة وطنية، ومن ثم على قانون الانتخاب… تمهيداً لرمي الحجة على سوريا، واتهامها بتعطيل الفعل الديموقراطي المقرّر دولياً، ومن ثم الذهاب إلى محاربتها توكيداً لسيادة لبنان واستقلاله!
وهكذا توحّد أصدقاء لبنان بجناحيهما الغربي (الكافر) والشرقي (المؤمن) على هدف واحد جليل هو اتخاذه جبهة لإطلاق الحروب جنوباً وشمالاً وشرقاً، مع احتمال توسعها غرباً، بغير أن ننسى موجبات مثل هذا التحوّل المصيري وأبسطها أن تتحوّل كل بناية، وبالطبع كل شارع وكل حيّ، وكل مدينة وكل بلدة وقرية إلى جبهة يقتتل فيها اللبنانيون لاختلاف وجهة جهاد بعضهم عن وجهة الحرب المقدسة للآخرين!
لا يكفي أن نقول بحرقة: إن من الحب ما قتل..
ولا يجوز بأي حال أن نسخِّف التلاقي بين فسطاطي الكفر والإيمان على اتخاذ لبنان جبهة أو خط نار أو أرض صراع دموي بين قوى دولية نافذة وتملك قدرات هائلة على التدمير..
علينا أن نتبصّر، ولو قليلاً، بالمصير المرعب الذي يتهددنا جميعاً، بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية، وعن خلافاتنا التي تفاقمت خطورة حتى طاولت البديهيات وركائز الوجود الإنساني.
إن هذه الخلافات التي كان البعض يتوهّم أن الخارج سيساعده على حسمها لصالحه، قد اتسعت فغدت ساحة لصراعات دولية مفتوحة، لا يمكن للأطراف المحلية أن تتحكّم لا بأسلحتها ولا خاصة بأهدافها، القليل المعلن والمخادع منها، والكثير المموّه بإتقان والذي يأتي بالخارج إلى ما كان داخلاً، فإذا الوطن بلا داخل، وإذا إرادته محتلة أو مشلولة بالانقسام وبمصالح الدول والقوى الكبرى وإذا مصيره معلّق في انتظار التفاهم بينها على استيلاده من جديد وبصورة سوف ينكرها أهله، ولكن بعد فوات الأوان.
إن مَن يستعين بالخارج إنما يدمّر حصانة المواطن والدولة، ولا يحق له من بعد أن يتدخل في إعادة صياغة الوضع السياسي لبلده الصغير.
ولقد عرف لبنان، عبر تاريخه، الكثير من القادة السياسيين الذين اشتهروا بالشطارة، وتباهوا أحياناً بأنهم قد لعبوا بالدول و سخّروها لأغراضهم ، ثم تبيّن وبعد فوات الأوان أن الدول هي التي قرّرت وهي التي حقّقت ما تريده، ثم تركتهم لمصيرهم البائس فعاشوا مطعوناً في وطنيتهم، ومنبوذين في مجتمعهم، وملعونين في سيرتهم الشخصية.
إن هذه الدول التي احتشد ممثلوها في الكويت فسمحوا لأنفسهم بأن يقرّروا لنا ما يريدون منا في الداخل وفي علاقتنا بجارنا الشقيق الوحيد، ما كانوا ليجرؤوا على مثل هذا التدخل الفاضح في شؤوننا الحميمة ، لولا أن بعضنا قد استدعاهم ليستقوي بهم على إخوته وشركائه في المصير.
ومَن يفتح الباب لمثل هذا التدخل الغربي فسيصعب عليه أن يغلقه في وجه متدخل شرقي مثل أيمن الظواهري وقاعدته، التي تزعم لنفسها هدفاً مقدساً هو مقاتلة دار الكفر ، أي الغرب، والتي تنبّهت مؤخراً فقط إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فقرّرت أن تقاتله.. من لبنان، وليس من فلسطين المحاصرة والمذَلّة بالجوع والقتل اليومي والمستعمرات الإسرائيلية التي تطرد أهلها من أراضي أجدادهم لتجعلهم لاجئين!
إن اللبنانيين هم المسؤولون عن هذا التدويل المزدوج لمسألتهم التي لا يمكن التصديق أنها تختزل بالخلاف حول شخص مرشح للرئاسة يحوز ما يشبه الإجماع، أو على حكومة تقرّ الدول (بعد العرب!!) أن تكون مجسّدة للوحدة الوطنية أو حول قانون للانتخاب يكاد يستحيل التوافق حول تقسيماته بين أطراف الصف الواحد أو الفريق الواحد!
هل تكفي هذه المخاطر، قديمها والمستجد، لإقناع القيادات اللبنانية أنه كلما طال أمد الخلاف دخل إلى ساحته أطراف أخرى، بعضها غير متوقع، فبات الحل (الذي كان يبدو يسيراً) صعباً إلى حد الاستحالة؟!
أم سيظل الاستقواء بالخارج على الداخل هو القاعدة السياسية لبعض الأطراف حتى يضمحل الداخل تماماً، ويسود الخارج على الخراب الذي كان اسمه، ذات يوم، الجمهورية اللبنانية ؟!
والسؤال مطروح على الأطراف جميعاً، خصوصاً وقد ثبت بالوجه الشرعي أن الخارج وحده هو الأكثرية !!

Exit mobile version