طلال سلمان

لبنان قمة نظرة خليجية

مع مساء الأمس، وعلى وقع الدوي الذي أحدثته التصريحات المفاجئة، توقيتاً ومضموناً، للأمير عبد الله بن عبد العزيز، سُحبت من التداول أقله في منطقة الخليج العربي التساؤلات عن القمة العربية في بيروت وهل ستعقد في موعدها المقرر، بعد خمسة أسابيع فحسب، وماذا ستكون نتائجها، إذا ما انعقدت…
لقد جاء رد الفعل، هنا في أقطار الخليج عامة، سريعاً ومحدداً: لمرة، يسبق مسؤول عربي الأميركيين في اذاعة البيان الختامي لقمة عربية من قبل ان تنعقد!..
لم تشكل التصريحات الجديدة، على خطورة مضمونها، صدمة بل لعلها أحدثت شيئاً من الارتياح الضمني: لقد أعفانا ولي العهد السعودي من الحرج، ويكفينا التأييد لما اعلنه موقفاً! ولولا ان الأمير قد ضمن سلفاً حسن الاستقبال لمبادرته لما أعلنها بهذا التحديد الدقيق وبهذا التوقيت المدروس!. ولا بد انه شاور من يفترض انهم قد يعارضون، حتى لو كانوا أقلية، أما الأكثرية فلسوف تستقبل كلامه بالتهليل!
الى ما قبل تصريحات الأمير عبد الله كان عليك ان تتلقى سيلاً من التساؤلات الموجعة عن لبنان وأوضاع الحكم فيه، وكان يُفرض عليك ان تكون في موقع دفاعي ضعيف اذ ان من يسألونك أدرى منك بعلم الارقام، ومصادرهم تتجاوز الدوائر الرسمية اللبنانية، فضلاً عن ان تجاربهم الشخصية قاسية في دلالاتها..
} في دبي تساءل أمامك الكثيرون، بشيء من المرارة: لماذا تهشمون الصورة الجميلة لبلادكم التي يحتاجها العرب جميعاً؟ لماذا هذا التردي في الاداء على المستوى الرسمي الذي يكاد يحجب أو يضيع الرصيد الممتاز الذي بناه »اللبنانيون« على امتداد سنوات طويلة بحيويتهم وذكائهم التجاري وعصرية تفكيرهم وابتكاراتهم التي لا تنتهي؟!
وثمة مسؤول كبير ذهب أبعد من ذلك فقال: كنا، في البداية، نتعلم من لبنان. وبقدر ما نزدهي بأن يجيئنا لبنان الرسمي ليأخذ من تجربتنا فاننا نحزن لكونه قد تراجع عن مرتبته الممتازة وبات يبحث عمن يقرضه المزيد من الديون فلا يجد!. والديون ليست حلاً، بل ان مشكلة لبنان الكبرى حاضرا ومستقبلاً هي كتلة الدين التي تلتهم دخلكم وستلتهم أسباب الحياة ان لم تجدوا لها حلاً سريعاً لا يبدو له أثر في الافق!
}} في الكويت، وبعد الفرح بعودة امير البلاد سالماً من رحلة الاستشفاء الطويلة، فان هواجس المستقبل تثقل على الكويتيين وتطلق النقاش في المحظور من عقاله، فتتناول الأسئلة والتساؤلات دواخل الاسرة الحاكمة ومراكز »الصراع على النفوذ« ودور مجلس الامة ومواقع القوى السياسية لا سيما »الاسلامية« منها، وهي ليست موحدة، ولكنها تكاد تكون في الموقع نفسه، وتفيد من اختلاف الآخرين حولها لتنتزع لنفسها المزيد من الوزن أو التأثير.. أو ربما الحماية بعدما باتت »الاسلامية« تهمة يطاردها العالم كله بوصفها »ارهاباً« ان لم يكن اليوم فغداً، وان لم يكن لها خطر على الداخل فخطرها قد يصيب الخارج ولا بد من مكافحته بالتدخل الدولي!
والتهديدات الاميركية بضرب العراق لا تفرح الكويتيين، اليوم، بل هي تدفعهم الى مزيد من الحذر في التعامل مع هذا »الحليف« الاكبر من ان يشاركوه والاقوى من ان يعارضوه، والذي فوض نفسه في شؤون العالم كله، فأنى لدولة صغيرة مثل الكويت ان »تردعه« او تجبره على تعديل خططه؟!
لقد دفعت الكويت ثمناً غالياً في غزوة صدام حسين، ودفعت في »التحرير« ثمناً أغلى، وهي حتى اليوم لم تستعد شعورها بالامان ولا ثقتها باستعادة دورها الذي كان يتجاوز »حجمها« نتيجة لرصيدها المعنوي، عربياً.
قبل الامير عبد الله، كان شقيقه الامير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، قد اعلن كأنما بلسان »الخليجيين« جميعاً الرفض الصريح للتهديدات الاميركية بضرب العراق، وبالتالي الممانعة في استخدام اراضي المملكة منطلقاً للهجوم الذي يلوح به الاميركيون وكأنه واقع غداً لا محالة.
لقد استقرت النفوس بما بات يسمح بالتمييز بين صدام حسين وبين شعب العراق، وصار مقبولا الرأي القائل بان العراقيين كانوا وما زالوا ضحية النظام القائم في بغداد، بينما الكويتيون قد وجدوا من »يخلصهم« منه.
لكن الحذر يمنع المسؤولين من تقبل اية مبادرة تصدر عن صدام وكأنها »جدية« او »صادقة« او تعبر عن حسن نيته، ولهذا كان رد الفعل على »المبادرة« التي نقلها الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى اعنف مما ينبغي واقسى مما يجوز (وان كان وضع على لسان رئيس مجلس الامة وليس على لسان الحكومة…).
***
ونعود الى صورة لبنان في الخليج فنلخص بعض الاراء ذات الوزن حول حاضر لبنان ومستقبله، في تقدير من يهتمون »بهذا البلد العربي الجميل«.
1 يستغرب اهل الخليج توغل المسؤولين في لبنان، سواء في مواقع السلطة او التمثيل الشعبي، في هذه الركاكة في الاداء، والمباذل السمجة التي تصدر عن »مسؤولين«، والتي تسيء اساءة بالغة الى صورة لبنان ودوره.
2 يستهول اهل الخليج هذا العجز المتفاقم للحكم في لبنان في التعاطي مع مسألة شديدة الخطورة كالدين العام، وغياب اي تخطيط جدي وعملي لحصره تحت سقف معين ومباشرة العمل على تأمين سداده ولو عبر خطة طويلة الاجل قد تستغرق عشرين سنة،
3 يأخذ اهل الخليج على الحكم التخبط في قراراته الاقتصادية، خاصة، وعلى اللبنانيين عموماً هذا الجشع الذي يجعل لبنان بلداً غالياً جداً، بالمقارنة مع اقطارهم ومع اوروبا، والذي قد يمنعهم او يمنع كثرة منهم من التحول اليه للاستثمار فيه، بل حتى من اختياره كما في الماضي مصيفاً ومشفى وجامعة ومرصداً لقراءة التحولات في المنطقة وربما في العالم.
4 حتى القمة لم تقنع اللبنانيين بتعديل في اساليب عملهم فتعاطوا او هم يتعاطون معها كاستثمار امني وسياحي، بدل ان تكون فرصة لتأكيد جهوزية لبنان لاستعادة دوره المفتقد عربياً، والذي لا يعوضه اي قطر عربي آخر.
في اي حال، لقد حل اليقين محل الشك في انعقاد القمة في موعدها وفي مكانها المقررين، وها هو البيان الختامي جاهز، وحتى التعديلات التي قد تُدخل عليه محدودة وشكلية، في تقدير اهل الخليج
وبقي ان تكشف واشنطن عن نواياها، بل عن خططها تجاه القضية الفلسطينية، والى اي حد تفترق عن خطط ارييل شارون لتلاقي »خطة« الامير عبد الله، وفي اي نقطة من الطريق الطويل سيكون هذا التلاقي، واين موقع »الاسير الفلسطيني« فيه.
والخليج العربي، كما كل الاقطار في المشرق والمغرب، يعيش في حالة ترقب، يغلب الخوف فيها على الطمأنينة، من الحاضر كما من المستقبل.

Exit mobile version