طلال سلمان

لبنان في نبوة ملكية خلاف سياسي ليس حربا اهلية

إذا ما نحن أخذنا من ملك الأردن أسرار الكبار الذين سيلتقون عنده بعد ثلاثة أيام، تحت قيادة الرئيس الأميركي جورج بوش، فإن منطقتنا ستشهد ثلاث حروب أهلية في كل من لبنان والعراق وفلسطين المحتلة.
ملك الأردن أطلق هذه البشرى كمن يقرر قدراً لا مجال لرده أو تغييره، وبلهجة الخبير الأجنبي الباردة، ثم انتقل إلى غيرها من الموضوعات التي تثير اهتمامه وتشغل تفكيره.
وإذا صدقنا، في بيروت، ما يقوله الساسة اللبنانيون عن وفي بعضهم البعض لخلصنا إلى استنتاج يكاد يعزز نبوءة الملك الهاشمي: فكل طرف يتهم الطرف الآخر بالخيانة، أي إن الجميع خونة ، بعضهم عملاء للشرق ، والبعض الآخر عملاء للغرب . وليس بين من يعتبر نفسه صاحب القضية وبين الخائن إلا السيف… والسيف في هذه الحالة هو: الحرب الأهلية.
ينطبق الأمر، أو كان ينطبق إلى ما قبل بضعة أيام، على الأخوة الفلسطينيين الذين وجهوا إلى بعضهم البعض اتهامات قاسية تكاد تتجاوز تهمة الخيانة سياسياً إلى التآمر المباشر على حياة الشعب الفلسطيني والمساعدة على تدمير حاضره ومستقبله في أرضه فضلاً عن حلمه بقيام دولته ولو على بعض البعض من ترابه الوطني..
ينطبق الأمر أيضاً وأيضاً على القيادات السياسية العراقية التي يكاد يجرفها نهر الدم الذي يكاد يغمر أرض الرافدين، والتي لا يمكن تبرئتها من المسؤولية عن المذابح اليومية التي تكاد تذهب بالنسب الواحد ووشائج القربى والمصاهرة والجيرة والود القديم والمقيم.. بل وتكاد تذهب بالعقل والتفكير بأن تفكك العراق واندثار دولته ليس مكسباً إلا لأعدائه، سواء أتمثلوا بقوة الاحتلال الأميركية، أم بالطائفيين والمذهبيين والعنصريين، وإن سقوط الدولة المركزية يعني حرباً أهلية مفتوحة حتى يشيب الغراب، لأن لا إرادة ولا قوة لدول الجوار في منعها، بل إن جلّ همّها سيكون العمل على حصرها داخل أرض السواد حتى لا تمتد النار إلى الكيانات الهشة المحيطة.
لا ينطق ملك الأردن عن الهوى! أليس هو أول من بشّر بالهلال الشيعي وأطلقه ليس للتنبيه إلى خطر الانقسام والاقتتال الأهلي بل ليغطي وجه الاحتلال الأميركي بستار من دخان الحرائق التي ستتكفل بها الفتنة المذهبية والتي قد تتقاطع عندها وفيها مصالح متعددة، للأقربين والأبعدين، وإن ظل الاحتلال هو المستفيد الأعظم.
أما ما يستحق التوقف أمامه والتفكير ملياً في دلالاته فهو أن الأطراف المعنية في الأقطار العربية المستهدفة بالحرب الأهلية جميعها شركاء في السلطة القائمة في هذه الدول: من لبنان إلى فلسطين إلى العراق.
لكأن الشراكة في السلطة قد انتقلت بالخلاف من إطاره السياسي الطبيعي إلى الفتنة، إما لعجز أطرافها عن ضبطه في سياقه التقليدي، وإما لأن بعضها يريد الانفراد بالسلطة ولو على البلد الخراب … هذا إذا ما استبعدنا الاتهام المتعجل بالارتباط بالأجنبي أو بالتآمر لمصلحة طرف خارجي، إلخ.
… مع أن التدقيق في أسباب الخلاف أو الاختلاف، كما يفهمها المواطن العادي سواء في لبنان أو فلسطين أو حتى في العراق المثقل بدماء ضحايا الطغيان وافتقاد الأمان منذ دهور، لا تؤدي إلى مثل الاحتدام الذي نشهده في هذه الأقطار، ولا تبرّر الاندفاع المحموم إلى التصفية الدموية أو التهجير الجماعي كما يحدث في العراق تحت الاحتلال الأميركي.
في أي حال، فالحمد لله إن القيادات السياسية في لبنان ما تزال تحصر التعبير عن خلافاتها في إطار المعارضة السياسية، وتحاول أن تعطيها طابع الممارسة الديموقراطية، وتنفي عن نفسها شبهة الغفلة ناهيك بالتورط في تحويل الاعتراض إلى صدام في جو محتقن بأسباب الغضب، وأخطرها تلك المتصلة بما رافق ونتج عن الحرب الإسرائيلية على لبنان.
فإسرائيل كعدو ما زالت حاضرة في ذهن اللبنانيين، وما زالت نتائج حربها متوهجة بالدم القاني وبركام أسباب العمران التي هدمتها غارات الطيران الحربي الإسرائيلي… أما أرضهم التي زرعتها إسرائيل بالقنابل العنقودية فما تزال تحتضن المزيد من ضحايا هذه الهدية الأميركية السخية.
وها هو القرار حول المحكمة الدولية يمر بلا إشكالات جدية، بما يقطع الشك باليقين حول أن هذه المحكمة لم تكن بين أسباب الخلاف السياسي المحتدم.. وحتى الطعن في شرعية الجلسة الحكومية التي أقرت فيها و دستوريتها ، قد بقي في خانة تسجيل التحفظ، مراعاة للأصول، بينما تمّ فصله تماماً عن الأسباب الفعلية للاختلاف والمتصلة بضرورة المشاركة في القرار، كل بحسب قوة تمثيله للناس وليس بقوة سلاحه أو بمدى انغماسه في اللعبة الطائفية..
كذلك يبدو أن القادة الفلسطينيين يغادرون، ولو ببطء، مواقع الأخوة الأعداء ليتقاربوا على قاعدة مشروع مشترك للمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، أرضه هي الوحدة الوطنية الفلسطينية التي من دونها لا حاضر ولا مستقبل لا لشعب فلسطين ولا لقضيتها ولا لحلم الدولة ولو على بعض أرضها..
يبقى العراق تحت الاحتلال الأميركي، ومعضلته بالترسبات التاريخية أصعب من أن تحل بينما الأطراف الدولية وبعض الجهات العربية تستخدم أرضه دار حرب ، لتحقيق مصالحها، وأحياناً بالمصالحات بين هذه المصالح ولو بدماء العراقيين.
مع ذلك فليس قدراً أن تصدق نبوءة ملك الأردن، حتى لو كانت مقدمة لزيارة الرئيس الأميركي الذي سفكت جيوش احتلاله من دماء العرب، في فترة تحريرها العراق، أكثر مما سفكت إسرائيل منها في فلسطين وسوريا والأردن ومصر ولبنان، ومعها جميع المستعمرين الغربيين على امتداد قرون، دون تمييز بين سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة ويزيديين، إلخ..
… ولم يحدث في التاريخ أن مشت الشعوب إلى الحروب الأهلية تحاشياً لتكذيب نبوءة ملك، أو إنجاحاً لزيارة رئيس إمبراطوري ولو بحجم جورج بوش.

Exit mobile version