طلال سلمان

لبنان في مناقشات نيويورك تسوية من اجل موتمر دولي

يغرق اللبنانيون في بحيرة همومهم الحياتية ثقيلة الوطأة، لا سيما وقد أضافت إليها مخاطر انقسامهم السياسي الحاد أبعاداً مصيرية، بحيث أنهم يغفلون أو يحاولون تجاهل ما يجري وما يدبّر لمنطقتهم برمتها، بذريعة أن ما فينا يكفينا .
لكن نظرة واحدة، ولو متعجلة، إلى ما شهدته الكواليس أو حتى القاعات المفتوحة في بيت الأمم المتحدة في نيويورك، الذي من زجاج، تكفي لندرك أن المسألة اللبنانية ، على خطورتها، ليست منفصلة عن سائر المشكلات المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط ، بل هي منها في الصميم.
واستطراداً فإن مشاريع الحلول التي طُرحت أو ستُطرح ستكون من الطبيعة ذاتها: أي حلقة في سلسلة أولها في واشنطن، وآخرها في طهران، وبين محطاتها فلسطين والعراق وما جاورها من أقطار الجزيرة والخليج، وسوريا بطبيعة الحال، وإن ظل للبنان وضعه الخاص المؤثر والمتأثر بمسار المقترحات التي لما تصبح مشاريع تسويات، في انتظار مفاوضات اللحظة الأخيرة ، على الحد الفاصل بين الهدنة والحرب.
كذلك فإن المناقشات المحتدمة التي شهدها الكونغرس الأميركي حول مستقبل العراق، والتي أوصت بتقسيم هذه الدولة تحت الاحتلال إلى ثلاثة كيانات سياسية على أساس عرقي ومذهبي، قد ألقت بظلها الأسود على تصور التسويات المقترحة.
فضلاً عن أن النقاش الجدي لمشروع الرئيس الأميركي جورج بوش حول مستقبل فلسطين، وحقوق شعبها في دولته المستقلة على بعض البعض من أرضها، قد كشف أن المطروح مجرد خطوط عريضة لا يمكن اعتبارها إطاراً لتسوية قابلة للحياة… وخصوصاً أن الجانب الإسرائيلي قد تسلح بالمقترح الأميركي ليطالب رئيس السلطة محمود عباس بأن يكون واقعياً، فلا يكثر من الحديث عن الاحتلال لأن إسرائيل لا تعتبر نفسها دولة محتلة … وربما لهذا ضمّن خطابه بضعة سطور عن التمرد في غزة ، في حين ذهبت إسرائيل إلى حد الحديث عن تدمير الكيان المعادي .
على هذا فقد وجد المعتدلون العرب ، أي أكثريتهم، أنهم لا يستطيعون أن يقبلوا العرض الأميركي حول المؤتمر الدولي، لأنهم لا يريدون أن يتحمّلوا مسؤولية فشل كامب ديفيد جديد، تذكيراً بالتجربة المرّة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.
ومع وعي الجميع بأن هذا المقترح الأميركي ليس أكثر من جائزة ترضية، لضمان استمرار الصمت العربي حول المذبحة الأميركية المفتوحة في العراق تحت الاحتلال، والتي تجيء توصية الكونغرس لتعطيها أبعادها السياسية عبر اغتيال مستقبل الدولة المركزية في أرض الرافدين، فقد التف عليها العرب بالموافقة على المؤتمر العتيد، الذي قد ينتهي بتسوية قد تكون مهينة ولكنها ربما تفيد في إغلاق الأبواب المفتوحة الآن أمام حروب أهلية لا تنتهي ستمتد ألسنة نيرانها إلى كل دول الجوار العراقي ، بمعزل عن النوايا ومحاولة التخفيف من وقع التوصية الجهنمية.
بالمقابل فإن الأوروبيين، لا العرب، قد وجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهة الإدارة الأميركية ومطالبتها باستبعاد لغة الحرب مع إيران، وترك الأبواب مفتوحة للتفاوض، وإرجاء القرار الدولي بمزيد من العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية… حتى لا تتسبّب اللغة الحربية في نسف المؤتمر الدولي وربما في ما هو أسوأ وأخطر…
لا حلول آتية من نيويورك، غداً…
الحلول تحتاج حضوراً عربياً فاعلاً يعطيهم حق المشاركة في القرار.
وحق المشاركة يحتاج موقفاً موحداً من المؤتمر الدولي، أي من ضمان أن يقدم لفلسطين الحد الأدنى من مطالب أهلها في أرضهم، إضافة إلى تمهيد يؤكد الجدية كوقف البناء في جدار الفصل العنصري وتوسعة المستوطنات ومصادرة القدس والخليل إلخ…
كذلك فإن العراق بحاجة إلى موقف عربي موحد، إن لم يكن بدافع الحرص على هذه الدولة التي كانت ذات يوم موضع اعتزاز العرب، فبدافع الحرص على استقرار الأوضاع في دول الجوار ، المهددة بأن تمتد إليها ألسنة النيران التي أشعلها الاحتلال الأميركي في العراق، ثم دار يطالب الآخرين بمساعدته على إخمادها!
… وسوريا، التي لم تدع إلا في اللحظة الأخيرة، تريد جدول أعمال محدداً يلحظ حقوقها في أرضها المحتلة.
والكل يريد آلية واضحة لعمل المؤتمر ومهلة زمنية لإنجاز مهماته المفترضة، حتى لا تتكرر تجربة العرب البائسة مع مؤتمر مدريد الذي لم تكن مقرراته مرتبطة بمهل زمنية محددة، وآلية محددة لتنفيذ ما قد يتخذه من قرارات… وهكذا انتهى بمفاوضات ما تزال مفتوحة نظرياً حتى الآن، بينما استفادت إسرائيل من هذا الزمن لتثبيت احتلالها والإفادة من الضعف العربي لرفض ما كانت قد وافقت نظرياً على قبوله…
أما لبنان فقد انتبهوا إليه في اللحظة الأخيرة، مع سوريا، من باب استكمال الشكل، مفترضين أن القرارات المتتالية من مجلس الأمن تكفيه وتضمن حقوقه، ما تقدم منها وما تأخر!
وعلى هامش ذلك كله، تم التشاور حول الانتخابات الرئاسية، فإذا الاطمئنان غالباً إلى أنها ستتم، على الأرجح، وبشكل توافقي… وإلا يمكن التهديد بالنصف زائداً واحداً…
[ [ [
يمكن الاستنتاج، براحة ضمير، أن الاحتياج الأميركي إلى تهدئة مخاوف العرب من الثمن الباهظ للتحالف مع إدارة جورج بوش، هو الذي حكم المناقشات وانتهى بها إلى ما يمكن الدفاع عنه، إذا ما تأكدت الجدية في الإعداد لهذا المؤتمر البديل من الحرب التي تعيش المنطقة جميعاً تحت وطأة مناخها الحارق…
ويمكن، بعد الاستنتاج، تذكير اللبنانيين بأن التسوية الداخلية، ومهما رافقها من تنازلات ، تظل أكرم من أن تفرض عليهم، وأرحم بما لا يقاس من تأجيج الخلافات بحيث تأخذ البلاد، بشعبه ودولته إلى المجهول المعلوم، الذي سبق لنا أن عرفناه بالغالي من دماء ومن حقوق أبنائنا في مستقبل، أي مستقبل فوق أرضهم…
وحكم لبنان، على أهميته، لا يستحق أن يشترى بدماء بنيه… هذا إذا بقي بعد الدم دولة وحكم ورئاسة ومؤسسات!

Exit mobile version