طلال سلمان

لبنان في محنة لكن لبنانيين بخير

أعظم سلاح يملكه لبنان، إضافة إلى إرادة أبنائه، أن إسرائيل لم تعرف حقيقته البسيطة أبدù، على رغم التاريخ الطويل والدامي للصراع الذي طالما كانت فيه، على الدوام، الجاني والجلاد، الحارق الأطفال، القاتل الشجر والزرع، المدمر المنازل والملاجئ، وكان فيه لبنان المقاوِم من موقع الضحية.
إن هذا البلد الصغير يختزن طاقة هائلة، يمكن التعبير بها مجازù عن روح الأمة.
إن حيويته تفوق أي تقدير، وقدرته على التحمّل والتكيّف مع الصعب تتجاوز أي توقع، وتماسكه الذي قد يتبدى هشù في حالات الانقسام الداخلي يتخذ أرقى أشكاله صلابة في مواجهة »الغزو« الخارجي، ومحاولات القهر التي طالما لجأت إليها إسرائيل (ومَن معها)..
وليس مبالغة أن يقال إن اللبنانيين اليوم موحدو الموقف كما لم يكونوا منذ زمن بعيد، يتجاوز دهر الحرب/ الحروب التي احترق في أتونها بلدهم الصغير، وما زالوا يحملون آثارها على وجوههم وفي اقتصادهم ودورهم المفتقد.
وصوَر الصمود اللبناني مشرقة ومشرِّفة، ويشارك في صنعها كما في تظهيرها في أروع تجلياتها كل اللبنانيين: بدءù بهؤلاء الأبطال المجهولين والثابتين المرابطين في مدنهم وقراهم تحت جائحة النار الإسرائيلية في الجنوب بجبله وعاصمته صيدا، والبقاع الغربي، مرورù بالحكم ومؤسساته والجيش منها في الصدارة، وانتهاءً بآخر مواطن في الشرق والشمال والجبل الذي فتح قلبه للآتين إليه بأطفالهم، ثم العاصمة الأميرة وضاحيتها النوارة.
لقد تغلغل الجنوب بوصفه معقل الصمود في أنحاء لبنان جميعù، وسرى مع الدم ومع حليب الأطفال في شرايين اللبنانيين جميعù، فتشرّفوا به واتخذوا منه الرمز والراية والقضية. وهذا اللقاء الوطني الذي ينعقد صباح اليوم في فندق الكسندر ليس أكثر من إعلان نوايا، قيمته في رمزيته وفي كونه مقدمة لما سيكون بعده.
لم يترك الجنوب، من أهله وإلى أهله، إلا النساء والأطفال والمرضى والعجزة، أما القادرون فما زالوا منغرسين في أرضهم كما الصخور، هم ملح الأرض، هم ترابها والشجر، هم الزرع والزرّاع، هم الزيتونة المباركة وشتلات التبغ جلاّبة الخير.
بدمه يعلن لبنان وحدته المجدَّدة اليوم، ويطلق ميثاقù جديدù لوحدة اللبنانيين على قاعدة أصلب من كل ما عرفوه في تاريخه. لقد سقطت »السلبيتان« وقال الكل »نعم« لوحدة الأرض وهم فيها ومنها وعليها ولها.
لقد غادر الناس خلافاتهم وانقساماتهم وحساسياتهم الطائفية والمذهبية، إلى »القضية« التي جمعتهم من حول »وطنهم« وفيه. هي الأرض، قدس الأقداس ومصدر الكرامة والهوية.
لم تقع غلطة سياسية واحدة، لم يحاول أي طرف انتهاز الظرف لتسجيل »نصر« رخيص بالمكايدة، وغلَّب اللبنانيون ارتباطهم بأرضهم على الاختلافات في وجهات النظر والمنازعات حول الحصص في كعكة الحكم ومنافعه، وجمّد »المعارضون« و»المعترضون« هجماتهم، وخرج المعتكفون والمستنكفون من سلبيتهم المفهومة الأسباب ليستظلوا راية الوطن الجنوبية الآن،
ومرة أخرى، لم يعد أحد ينظر إلى »حزب ا”« وكأنه تنظيم »أصولي« و»متطرف« وله أيديولوجيته المتباينة مع المناخات السياسية السائدة، بل احتضنه الجميع كطليعة للمقاومة واندفعوا إليه يشاركونه مجد الصمود ومواجهة الاحتلال.
كذلك التفت اللبنانيون بتقدير إلى موقف رئيسهم الياس الهراوي، وإلى التحرك الشجاع لرئيس المجلس النيابي في اتجاه الجنوب، وإلى الحركة النشطة والطيبة النتائج لرئيس حكومتهم بين الأشقاء العرب وبين الأصدقاء في الخارج ومحاولته تليين موقف المبالغين في العدائية كالبريطانيين.
إن لبنان في محنة، لكن اللبنانيين بخير،
.. فقط لو أن إخوتهم كانوا معهم،
.. فقط لو أنهم قدّموا لهم شيئù أنفع لصمودهم وأبقى من البطانيات وفرش الاسفنج والطحين والمعلبات وسائر تجهيزات اللجوء داخل الوطن المنفي!

Exit mobile version