طلال سلمان

لبنان في قمة حروب اهلية عربية

تداخل الحديث عن الحل المنشود للأزمة السياسية المتفجرة في لبنان مع الاستعدادات لانعقاد القمة العربية، حتى بات من الصعب التعامل مع أي من الأمرين بمعزل عن الثاني… بل لقد عمد بعض المحللين ، وهم غالباً رسميون متنكرون، إلى اعتبار الحل في لبنان شرطاً لانعقاد القمة في دمشق.
في الواقع هناك دائماً شرط بل شروط مسبقة تعلن كمدخل إلى القمة، كل قمة، أو كمخرج من الالتزام بنتائجها والإعلانات التي تتوّج باسم العاصمة التي انعقدت فيها، ولو أنها تبقى معنوية وهي أقرب إلى إعلان النوايا، حيث لا مجال للنوايا في السياسات العملية.
الشروط تتصل دائماً أو هي تنبع فعلاً من الأزمات المتلاحقة التي تعيشها المنطقة العربية، مشرقاً ومغرباً، والتي تفاقمت خطورتها بعد الاحتلال الأميركي للعراق، خصوصاً وقد تباينت المواقف منه إلى حد التصادم، وبعد تهاوي السلطة الفلسطينية التي كانت تحمل بذور انشقاقها في داخلها نتيجة العجز عن مواجهة الشروط الإسرائيلية التي تتوالد باستمرار فتكاد تلغي ما يستوجب التفاهمات .
وللإنصاف فإن الانشقاق المفجع في الموقف العربي يتحمل المسؤولية الأولى عن التنازلات التي فُرض على الفلسطينيين تقديمها، والتي فاقم منها انفجار الخلاف بين الرئيس و الحكومة ، بما أحدث قطيعة بين الأخوة تضعهم على باب حرب أهلية مفتوحة تنذر بتدمير ما تبقى من قداسة القضية… في حين تتابع إسرائيل تهويد القدس الشرقية بالكامل، ومد جدار الفصل العنصري ليفتت الضفة، واعتقال المناضلين لتأجيج الفتنة بين فتح وحماس…
ليس جديداً على القمة أن تنعقد في جو من المنازعات والمشاحنات والافتراق في الموقف، فالوقائع الدموية لنتائج الاحتلال الأميركي للعراق، وتورط بعض العرب في تمويه طبيعتها والمسؤول عنها، تساعد الاحتلال على دفعها نحو الحرب الأهلية المتعددة الوجوه، طائفية مذهبية عنصرية، وتفتح الباب أمام حديث الدويلات، على مثل هذه القواعد ، وبما يجعل النار قابلة للتمدد في الهشيم العربي.
الذرائع جاهزة دائماً لدى أنظمة العجز والخوف، والتي يرى بعضها بل معظمها الآن أن ضمانة وجوده واستمراره هو في مداراة بل الاحتماء بالقوة الأميركية المهيمنة على مصائر دول الكون جميعاً!
ثم إن هؤلاء الحكام ليسوا مجانين لكي يصادموها، خصوصاً وأنها قد تغاضت عن أنظمتهم المجافية للديموقراطية وحقوق الإنسان، وأعطتهم الأمان ضد التغيير، والحماية إذا لزم الأمر وتهددهم ب الخطر الإيراني …
ليس جديداً، إذن، على القمة أن تنعقد حيثما انعقدت في ظلال مشاريع حروب أهلية معلنة أو مضمرة، فتحاول، بغير نجاح كبير، أن تحاصر ما اشتعل منها بالفعل، وتأجيل اشتعال ما هو قيد التحضير…
بل إن هذه الحروب الأهلية، مشتعلة بالفعل أو على وشك التفجر، لا تنفك تتزايد وتتفاقم خطورة في الفترة الفاصلة بين قمتي الرياض ودمشق…
ويمكن القول، براحة ضمير، إن فشل القمة في حسم الخلافات التي سرعان ما تتحول إلى اشتباكات، بل إلى حروب معلنة أو مستترة بينها، مباشرة أو بالواسطة، عبر السعي لمنع الحلول بفرض شروط لا يمكن قبولها، أو بانحيازات تشجع أطراف الخلاف على الاندفاع به إلى مهاوي الخطر، مستندة إلى قوة دعم تزين لها قرب الانتصار… على الذات.
ولقد تهاوت آمال الجمهور العربي بقدرة القمة، أي قمة، على اجتراح المستحيل، والتغلب على العقبات العديدة التي تجعل من انعقادها مجرد انعقادها إنجازاً فريداً يستحق التضحية بالموقف، لمن لديه موقف يرى فيه مصلحة بلاده، مع الالتباس المقصود بين البلاد و النظام ، خصوصاً وأن مصالح الأنظمة التي كانت تبدو ذات يوم موحدة، تعاني الآن من الانشطار والتناقض إلى حد التصادم المقصود.
بالطبع لا يمكن إغفال المصالح الأجنبية في تسعير الخلافات، فكل طرف خارجي يستفيد من الخلافات العربية العربية بقدر نفوذه أو وجوده، سواء اتخذ هذا الوجود الطابع السياسي المعزز بالأساطيل، أو الطابع الديني المعزز بتراث الانشقاقات المذهبية التي كانت مموهة دائماً بالشعار السياسي.
إن الأزمة اللبنانية تشكل الآن نقطة تقاطع أو تصادم بين قوى عربية وأخرى أجنبية، كل منها لها نفوذها وقدراتها والقوى السياسية المناصرة لها في الداخل اللبناني.
وتشاء المصادفات القدرية غير السعيدة أن يقع موعد القمة العربية بينما هذه الأزمة تتحول إلى عنوان عريض للخلافات العربية العربية التي تتجمع في ثناياها كل القوى المتصارعة في المنطقة، بدءاً بمشروع الهيمنة الأميركية ومن ضمنه وليس خارجه، إسرائيل، إلى إيران المهددة بما يتجاوز الحصار القاسي إلى الضربة العسكرية، بما تتطلبه هذه الضربة من حشد المناصرين، وتوظيف صراعات الماضي كما مخاوف الأضعف من الأقوى، والحساسيات المذهبية، في سياق الحرب التي إذا ما تفجرت ستحوّل هذه المنطقة جميعاً إلى جحيم تحترق فيها شعوبها بينما لا يستفيد منها إلا الأعداء…
وبالتأكيد فإن الإدارة الأميركية ومعها إسرائيل لن تعدم وسيلة لجعل الحرب التي تريدها وتحضّر لها تبدو وكأنها حرب عربية إيرانية، في حين أن هذين الطرفين هما بين الضحايا.
تتبقى آمال قليلة معلقة على الجهد المصري للتهدئة، والذي ربما يكون قد بلغ ذروته بالزيارة التي قام بها بالأمس الرئيس المصري حسني مبارك إلى السعودية ولقائه (الطارئ) والملك عبد الله بن عبد العزيز.
ومع أن احتدام المواجهة، مجدداً، بين الموالاة والمعارضة، في لبنان لا يبشر بكثير من الخير، فإن احتمال العثور على حل مقبول لأزمة العلاقات السورية السعودية قد يهدئ هذه المواجهة ويرجعها إلى المستوى السياسي، في انتظار تسوية أشمل تخفف من حدة الحروب الأهلية العربية التي تنذر بأن تكون مداد التاريخ في كتابة الحقبة الجديدة من الانهيارات العربية.

Exit mobile version