طلال سلمان

لبنان في <مكة> فلسطينية

برغم أن لبنان ليس حاضراً، مباشرة، في لقاءات مكة المكرمة بين طرفي السلطة الفلسطينية المختلفين داخلها وعليها وعلى علاقاتهما ب الخارج إلى حد الاشتباك بالسلاح، فإن اللبنانيين يتابعون بكثير من الاهتمام بل اللهفة النقاش المباشر والذي لا بد أن يكون ساخناً وشاملاً وفاصلاً في حسم الموضوع الأساس: الوحدة الوطنية.. وفي ضوئها تكون السلطة ، وليس من خارجها.
ذلك أن اللبنانيين يعيشون، بدورهم، أزمة خلاف على السلطة ، قد تأخذهم إلى أبعد ممّا يريدون وأخطر ممّا يتصورون، خصوصاً أن الخارج بات في داخل الداخل ، ولم يعد بالإمكان الحد من خطر تدخله إلا بالوحدة الوطنية.
إن الخلاف داخل السلطة الفلسطينية قد تفاقم بضغط العجز عن مواجهة المسؤولية الوطنية إلى حد أنه هدد بتدمير القضية وليس السلطة وحلم الدولة على بعض أرض الوطن فحسب.
وقد تفجّر الخلاف اقتتالاً بين الإخوة الذين صاروا أعداء ، وفي لحظة تبدى وكأن السلطة قد أعمت الجميع فتاهوا عن أهدافهم (الواحدة؟) وأصموا آذانهم دون أصوات أهلهم المحاصرين بأسر العدو وبجوع العجز عن تأمين الخبز والدواء والعلاج، والذين تساقطوا في هوة اليأس من قياداتهم (ومن الذات)… وطبعاً من النجدة المأمولة من قبل إخوانهم العرب المشغولين عنهم، كل شعب بمأساته الوطنية الخاصة.
صارت السلطة سلطتين: واحدة تحظى بمباركة الغرب كله، ومساعداته، وبالدعم الإسرائيلي، ضمنياً في البداية ثم علناً، والثانية تتسلح بأنها منتخبة ديموقراطياً من أهل الداخل ، ولكن الخارج والعربي منه قبل الأجنبي، يرفض الاعتراف بها والتعامل معها بذريعة أنها لا تقبل اتفاقات أوسلو، وهي المرتكز الدولي للسلطة، والتي لم تستطع إسرائيل أن ترفضها، وإن هي عملت على امتداد السنوات المنصرمة على ذلك الاتفاق (أيلول 1994) لإفراغه من أي مضمون… مع محاولات دائبة لجعل أجهزة السلطة الأمنية حرس حدود إضافياً للأمن الإسرائيلي.
وفي ظل انشطار السلطة على ذاتها، رئيساً وحكومة، لكل منهما برنامجه المختلف عن الآخر، كان بديهياً أن تنشق الأجهزة ، فينحاز الأمن (وهو بمعظمه متحدر من فتح ) إلى الرئيس ، وتبادر الحكومة إلى تحويل آلاف من مجاهديها إلى قوة أمنية لا تأتمر إلا بأمرها… والباقي بديهي: انتقلت المواجهة من الخلاف السياسي إلى الصدام بالسلاح، بينما واصلت إسرائيل المطمئنة إلى انشغال الجميع عنها اصطياد القادة والناشطين من أولئك الفتية الغر الذين كانوا قد نذروا أنفسهم لمهمة التحرير.
… وكان بديهياً أيضاً أن ينفجر الشعب الفلسطيني بالغضب، وأن يتظاهر ضد السلطة برأسيها، وضد العجز العربي الذي زاد من حدة الأزمة حين شارك في حصار الشعب الفلسطيني بذريعة الضغط على الحكومة العاصية التي تجرؤ على رفع شعارات ما قبل أوسلو و السلطة و خريطة الطريق و الوعد الأميركي و اللجنة الدولية الرباعية إلخ..
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، فلسطينياً، كانت إسرائيل توالي قضمها للأرض، علانية وأمام عيون العالم كله، بالمستعمرات الاستيطانية وجدار الفصل العنصري الذي كاد يلتهم معظم ما تبقى من القدس العربية… وها هي الآن تعاود تنفيذ خطتها لمحاصرة المسجد الأقصى بقضم ما تيسّر لها قضمه من محيطه… المقدس، مطمئنة إلى أن رد الفعل العربي الإسلامي لن يتجاوز بيانات التنديد والاستنكار والشجب والاستهجان، واللوم الملكي الرقيق!
وكان العراق تحت الاحتلال الأميركي يتشظى إرباً بالفتنة التي تكاد تذهب بشعبه وكيانه جميعاً..
وكان لبنان المنقسم على ذاته، والمفتوح على كل رياح التدخل الخارجي، يعيش أزمة سياسية خانقة تدفع به على طريق الفتنة المذهبية..
من هنا فإن نجاح لقاءات مكة التي تعقد برعاية مباشرة من خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز، بإعادة توحيد السلطة من حول برنامج يلبي احتياجات شعب فلسطين (التي ما تزال تحت الاحتلال)، ستكون له آثاره الطيبة على مجمل الأوضاع العربية (المتردية) وليس فقط على فلسطينيي الداخل .
إنه سيعيد الاعتبار إلى معنى الوطن فيجعله فوق السلطة ، كما يجب أن يكون.
وسيعيد الاعتبار إلى معنى الوحدة الوطنية التي يفترض ب السلطة أن تكون تعبيراً عنها لا بديلاً منها، ومدخلاً إلى تصليبها وتعزيزها بوحدة الشعب خلف أهدافه الأصلية، ومنارة هادية إلى الصح تكشف العدو ومن معه، والمصالح الأجنبية التي غالباً ما تكون الفتنة والاقتتال الداخلي لصالح الخارج ، على رأس جدول أعمالها.
… وهذا أكثر ما يحتاجه لبنان واللبنانيون في هذه اللحظة، وهم يقفون على حافة الخطر من انفجار الصراع على السلطة وأهدافها، وهو يمكن أن يتخذ لنفسه عناوين كثيرة بعضها فلسطيني المنشأ وبعضها عراقي ، وكلها يصب خارج مصلحة لبنان الدولة ومواطنيها الذين ينامون في أحضان الخوف من أنفسهم ومن سلطتهم ومن تفجّر المحيط العربي بالفتن المدمرة!

Exit mobile version