طلال سلمان

لبنان في حركة اسد تصحيحية

من حق اللبنانيين، هذه السنة تحديداً وأكثر من أي سنة أخرى، أن يشاركوا حافظ الأسد، والسوريين، في الاحتفال بالذكرى الثامنة والعشرين لحركته التصحيحة في سوريا، خصوصاً وأنهم يأملون الآن بأن ينالوا المزيد من ثمارها الطيبة في لبنان.
فالانتخابات الرئاسية التي حملت إلى سدة الرئاسة في بيروت العماد إميل لحود، والتي كان الصوت السوري هو الصوت المرجِّح فيها، تؤمِّل اللبنانيين بحركة تصحيحية في »جمهورية الطائف«، لا تنقض النظام فتهدمه بل تكمل النواقص فيه وترشده وتعيد إليه بعضاً من الاعتبار الذي فقده بالممارسة الخاطئة أو المرتجلة في ظروف صعبة وصلت أحياناً إلى حدود الاستحالة.
وسيتذكّر اللبنانيون دائماً أن لا »جمهورية الطائف« ولا تصحيح مسيرتها باستكمال النواقص ووقف الممارسات الخاطئة أو المرتجلة، بالحماسة الزائدة أو بالغرض، كان يمكن أن تقوم وتترسخ في أرض الواقع لولا المساعدة التي وصلت إلى حدود التبني وبذل الدم من أجل تثبيتها التي جاءتهم من سوريا حافظ الأسد.
كما سيتذكّر اللبنانيون دائماً القاعدة الذهبية للعلاقة بين لبنان وسوريا التي أرساها حافظ الأسد تحت عنوان »شعب واحد في دولتين« وهي قد تأكدت عبر محنة الحرب الأهلية الطويلة، كما تتأكد الآن في زمن السلم الأهلي الجاري تدعيمه وتعزيز ضمانات السلامة والثبات والازدهار في الدولة قيد التأسيس في لبنان ودائماً تحت الرعاية المباشرة لدولة الشقيق القوي: حافظ الأسد في سوريا.
وليس من المبالغة القول إن نجاح حافظ الأسد في دمشق يتبدّى جلياً في بيروت الصعبة والمتبدّلة والمتعددة والمجرّبة والمفتوحة على كل الرياح، والتي تبدو أحياناً وكأن أبوابها بلا أقفال أو أن حملة مفاتيحها أكثر مما ينبغي أو يجوز.
لقد دخل حافظ الأسد لبنان محارباً ضد قوى وإرادات محلية وعربية ودولية كثيرة جداً وقوية جداً… وهو لم يربح لأنه الأقوى عسكرياً أو لأنه الأقرب جغرافياً، بل لأنه كان الأذكى سياسياً والأقدر على فهم طبيعة العلاقات بين »الشعب الواحد في دولتين« كما على فهم طبيعة التحولات التي بدّلت أو هي ستبدّل في ما بعد في خريطة هذه المنطقة.
وإذا ما نظرنا إلى الحركة التصحيحية من لبنان نراها بوضوح أكثر، فحافظ الأسد يختصر بشخصه معسكراً كاملاً كان قائماً واندثر.
لقد تهاوى العديد من الأنظمة العربية إلى الصلح المنفرد، وتورّطت أنظمة أخرى في حروب خطأ خارج حدودها انتهت بها الى تدمير بلادها وبعث مناخ الحرب الأهلية في الداخل.
وحده حافظ الأسد يختزل الآن، ببلاده، ومعها لبنان، ما كان يُسمى »جبهة الصمود والتصدي«، أو ما كان يُسمى »دول الطوق« ومع أنه بقي وحده في الميدان فالكل يحسب حسابه وكأنه يختصر في شخصه مقاومة اتفاقات الاذعان والممانعة المانعة للتطبيع.
ولقد تختلف آراء العرب في حافظ الأسد،
قد يذهب البعض في حبه إلى آخر المدى،
وقد يقسو عليه البعض، انتقاداً وتحريضاً عليه،
وقد يتعاطف معه الكثير، لا سيما خارج الأنظمة وعلى الصعيد الشعبي،
لكن المؤكد أن حافظ الأسد يكاد يكون الآن »الزعيم العربي« الوحيد،
ذلك أن صمود سوريا وممانعتها بل وقتالها ضد اتفاقات الاذعان، بدءاً بزيارة القدس الشهيرة ومعاهدة كامب ديفيد، مروراً بمشروع اتفاق 17 أيار »اللبناني«، وصولاً إلى اتفاق أوسلو وانتهاء »باتفاق واي لاحتلال كامل فلسطين«.. كل ذلك قد أعطاه »شرعية« قومية تفتقر إليها سياسات العديد من الأنظمة العربية، إضافة الى التسليم بدورها العربي (والدولي) المهم والخطير.
لقد انتقلت سوريا في عهد الأسد من دولة عربية صغيرة وفقيرة ومتواضعة الإمكانات، وان كانت روح شعبها المعنوية عالية وإيمانه بعروبته وموجباتها ثابت لا يتزعزع، إلى دولة مهابة يعترف لها الجميع بمن في ذلك الأعداء بأنها صاحبة قرار في المنطقة، وأنها تستطيع حتى منفردة أن تبقي للصراع العربي الإسرائيلي هويته الأصلية، فلا يقزَّم إلى مجرد نزاع أمني أو خلاف على بعض نقاط الحدود، خصوصاً وأن الطرف الأصلي، أي الفلسطيني، قد أخرج نفسه أو أُخرج فغُيَّب تماماً وشُطب من الصراع ويكاد يُشطَب من الخريطة.
لا سلم بلا سوريا في المنطقة،
ولا حرب في لبنان أو على لبنان أو عبر لبنان على سوريا (والعرب) طالما كانت سوريا قوية ومبادرة وعالية الكفاءة في لعب دورها الإقليمي،
وليس انتخاب إميل لحود رئيساً في لبنان جائزة لسوريا وقائدها حافظ الأسد،
لكن هذا التطور الممتاز في الوضع اللبناني، يوفر لسوريا المزيد من الراحة في ممارسة دورها القومي، والمزيد من الهيبة، مشفوعة هذه المرة بارتفاع في مستوى الأداء السياسي ساهم في استقطاب أكثرية اللبنانيين، بمن في ذلك من كان في موقع »المحبط« أو »المستنكف« أو المستقيل من السياسة.
لقد ربحت دمشق في لبنان الشعب، إضافة الى ربحها المؤكد في نظامه الذي كان على مرّ التاريخ مصدر خطر دائم على نظامها.
لهذا كله، من حق بيروت أن تحتفل اليوم بالذكرى الثامنة والعشرين لحركة حافظ الأسد التصحيحية.
وأقل القليل أن يكون في بيروت جادة باسم هذا الرئيس السوري الكبير الذي لولاه لما كان في لبنان دولة ولو قيد التأسيس.

Exit mobile version