طلال سلمان

لبنان في جامعة عربية

بديهي القول ان لبنان لم يذهب إلى جامعة الدول العربية في القاهرة كي يشكو ظلم مجلس الأمن في قراره الرقم 1559… بل هو يتحاشى حتى هذه اللحظة، وعليه ان يتحاشى، غداً، أي تصادم مع المجلس حتى لو رأى في قراره افتئاتاً على »سيادته« وتدخلاً غير مسبوق في شؤونه الداخلية، خصوصاً ان طلب »التدخل« جاء من دول أجنبية بعيدة عنه وليست معنية بدستوره إلى هذا الحد!
ثم ان الجامعة العربية ليست هي المرجع الصالح لمثل هذه الشكوى، بافتراض ان لبنان يريد فعلاً أن يرد عنه ظلم الدول التي كانت صديقة، مثل فرنسا خاصة ودول أوروبا عموماً ومعها بعض دول أميركا اللاتينية والقارة الأفريقية.
فالكل يعرف ان أسباباً أخرى، تتجاوز موجبات السيادة والحرص على القرار الوطني اللبناني المستقل، هي التي دفعت بهذه الدول إلى استصدار قرار قد يلبي رغبة فرنسية »بالانتقام« من سوريا، ولكنه يقدم عملياً ذخيرة فعالة تحتاج اليها الولايات المتحدة الأميركية لتحييد كل المعترضين، ولو من حيث المبدأ، على حرب احتلالها العراق وإلزامهم بموقف دفاعي ضعيف بدلا من ان يكونوا في موقع هجومي أو حتى في موقف نقدي قد يستقطب جملة الرافضين والمحتجين والمستنكرين فظائع جيوش الاحتلال (ومن معها) ضد الشعب العراقي والتي تحصد يومياً مئات الضحايا بين قتيل وجريح وبيوت مهدمة وتخريب متعمد لمصادر الرزق والأمل في مستقبل يليق بمنطلق الحضارة الإنسانية.
ومثل هذا الموقف الدفاعي الإضافي يحسم من زخم الموضوع الفلسطيني، بغض النظر عن النوايا، فيتراجع الاهتمام بالمأساة الدائمة لمعالجة المآسي المستحدثة…
ان معظم الدول العربية الآن في موقع دفاعي ضعيف تجاه العالم: من السودان والمشكلة الطارئة أو المكتشفة حديثاً في دارفور، والتي مع الاستنكار الشديد للجرائم المرتكبة فيها فإنها تستخدم الآن كسلاح قذر لدمغ »عرب الدول« بتهمة الإرهاب والوحشية إضافة إلى »عرب التنظيمات« ذات الشعار الإسلامي.
… إلى السعودية التي تصوَّر وكأنها »المصدر الأول« للإرهابيين، فضلاً عن اتهام أهل الخير فيها وفي اقطار النفط عموماً أفراداً وجمعيات خيرية وبنوكاً إسلامية بتشجيع »الإرهاب« بالاعانات التي كانت ترسلها إلى شعب فلسطين لمساعدة اليتامى والأيامى وأرامل الشهداء والمدارس والمستوصفات وجمعية الهلال الأحمر، ولادامة العمل في بعض الجامعات الخاصة، حتى لا يحرم الجيل الفلسطيني الجديد من نعمة العلم، أي من الحضور في الغد..
.. بالمقابل فإن الحكم الواجهة المحلية في العراق تحت الاحتلال يرفض الاعتراف بأن بلاده في موقع الضحية، بل يكاد يتورط بتحميل نفسه أثقال الدم المراق، ظلماً وعدواناً، في أرض الرافدين، سواء على يد المحتل الأميركي أم على يد قوى الاعتراض في الداخل العاجزة عن التحول إلى مقاومة وطنية شاملة، والتي تورط بعض فصائلها في جرائم بشعة قد تزكي الاحتلال، أو انها قد تخفف عنه، وربما اشتطت في ممارساتها المستفزة للمشاعر الإنسانية إلى حد إظهاره كضرورة لمنع الفوضى الدموية المدمرة للبلاد وكيانها، فضلاً عن المتعاطفين مع شعبها، والذين جاؤوا لاعانته في نكبته، سواء أكانوا عاملين في المجال الاجتماعي أم في المجال الصحافي.
وفي حين ان قرارات مجلس الأمن الخاصة بفلسطين، ومعها مرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد »ذهبت مع الريح« الإسرائيلية، فإن القرار الخاص بالعراق والذي يغطي الاحتلال الأميركي ويضفي عليه »شرعية« غير شرعية، قد حظى بالقبول العربي لألف سبب أبرزها ان أحداً لم يستطع منع صدوره، وان أحداً لا يملك حلاً حقيقياً لمأساة العراق تحت الاحتلال.
بين البديهيات، أيضاً، القول ان الوزراء المتلاقين في افياء جامعة الدول العربية هم بين آخر المعنيين بالدساتير، لا سيما في ما يتصل بمدة الولاية،.. فأكثريتهم الساحقة يمثلون بلاداً ليس لولاية الحاكم فيها، سواء أكان أميراً للمؤمنين أم ملكاً أم رئيساً للجمهورية أم أميراً ملكي النظام، مدة محددة، بل ان حكمه قد يمتد بامتداد عمره، ولو أعجزه المرض أو التقدم في السن إلى حد أداء الصلاة جالساً.
أما آخر البديهيات فتتصل بالسؤال عن جدوى البحث الفقهي الذي انهمكت فيه الجامعة العربية حول الاصلاح والديموقراطية والمؤسسات المجسدة لوحدة القرار العربي، بينما أصحاب القرار في مجمل الدول المعنية ليسوا مسكونين بمثل هذه الهموم التي تشغل الأمين العام الذي يرفض ان يتقاعد رغم أنفه ويصر على تجفيف بحر الخطايا العربية بسلة بلا قعر.

Exit mobile version