طلال سلمان

لبنان شريكا بدماء ضحاياة

أما وإننا ما زلنا نعيش تحت وقع الصدمة نتيجة التفجير الإرهابي الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت، فقد يكون من حقنا في لبنان أن نعتبر أن هذا التفجير الذي أودى بحياة جمهرة من أبنائنا قد عجّل في الوصول إلى الاتفاق بين الدول 5+1، بالقيادة الأميركية، والجمهورية الإسلامية في إيران حول حقها بالتخصيب النووي، كائنة ما كانت نسبته المئوية.
ومع أن مثل هذا التطور السياسي المهم لن يخفف من وقع جريمة التفجير، ولن يقدم التعزية للأبرياء من ضحاياها الذين أودى بهم عمى التعصب الذي يحصد الآن نتائج عكسية لما أراده من مقتلة الأبرياء، سواء أكانوا من عابري السبيل أو من جيران مقر السفارة الإيرانية في بئر حسن، إلا أنه يؤكد أن الإرهاب قد يؤذي من ارتكب الجريمة ويعجل في طي صفحة مغامراته القاتلة.
في أي حال، تستحق القيادة الإيرانية التهنئة على إنجازها الذي أعدّت له من يحققه من دون تنازلات جوهرية.. وهكذا استطاع الرئيس الشيخ حسن روحاني أن يقدم إلى العالم، عبر منبر الأمم المتحدة، صورة «الدولة» في إيران بحكومة مؤهلة للوفاء بالتزاماتها الدولية من دون الخروج على مبادئ «الثورة الإسلامية»، وهو ما اجتهد فنجح في تحقيقه وزير الخارجية محمد جواد ظريف عبر مفاوضاته الصعبة مع مجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مضافاً إليها ألمانيا (5+1)… وهي المفاوضات التي استغرقت أربعة أيام بلياليها، وشهدت ـ في جملة ما شهدت ـ «ترضية» مدفوعة «للغضب» الفرنسي تحت أنظار «الشاهد» الروسي الذي يلعب دور الحليف مع إيران والوسيط مع الخصم الذي يقترب من أن يصير شريكاً: الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كان الاتفاق الدولي الجديد مع إيران يبعد شبح الحرب عن هذه المنطقة بعدما خيّم طويلاً فوقها، فإنه لن يوقف فوراً حرب الإرهاب التي يخوضها المتعصبون هواة القتل الجماعي، بل إن هؤلاء الذين يرفعون الشعارات الإسلامية زوراً وبهتاناً قد يندفعون ـ تحت ضغط اليأس من تحقيق أهدافهم ـ إلى المزيد من المجازر والتدمير المنهجي في أكثر من موقع… وربما أغرتهم الخلافات السياسية في لبنان، تحديداً، التي تضعف قدرات الدولة المشلولة بالتعطيل الحكومي والنيابي، بالاندفاع إلى ارتكاب المزيد من العمليات الإرهابية المخطط لها، بحيث تفاقم أسباب التوتر الطائفي عموماً والمذهبي على وجه التحديد.
ولقد أكد هذا الاتفاق الدولي «التحالف» الموضوعي بين إسرائيل وقوى الإرهاب حاملة الشعار الإسلامي، والذي قامت عليه شواهد عدة في الماضي، وها هي التفجيرات الجديدة في بيروت تقدم دليلاً جديداً على هذا التحالف بدماء الناس الطبيعيين، نساءً وأطفالاً وشيوخاً وعابري السبيل الساعين إلى رزقهم، كذلك فإن انفراد إسرائيل بالاعتراض على هذا الاتفاق يكشف طبيعتها العدوانية وغربتها عن هذه المنطقة التي لم تعرف الأمان منذ أن زُرعت بالغصب فيها.
وليس سراً أن إسرائيل هي المستفيد الأول والأكبر من مجموع العمليات الإرهابية التي تقتل البشر بغير تمييز، وتدمّر المنشآت ومصادر الرزق في العديد من الأقطار العربية، بينها العراق وسوريا واليمن وليبيا إضافة إلى لبنان.. وقد صارت مصر بانتفاضتها الشعبية المجيدة هدفاً جديداً لها ليس فقط في سيناء ـ قاعدة العمليات الإرهابية ومنطلقها ـ بل في مدن القناة أيضاً وصولاً إلى القاهرة وبعض الصعيد حيث تتركز هذه العمليات على الكنائس والمواطنين الأقباط لزرع الفتنة بين الإخوة وإفساد المناخ الثوري الذي وحّد المصريين كما لم يكونوا موحّدين عبر تاريخهم الطويل.
إن «الاتفاق التاريخي» بين إيران والدول 5+1 في جنيف يؤكد أن الإيرانيين قد حققوا هذا الإنجاز بصلابة وحدتهم الوطنية وحسن قراءتهم لخريطة التحالفات والمخاصمات وتناقض المصالح بين القوى الدولية… ولا شك بأن هذا النصر السياسي لجمهورية إيران الإسلامية سيعكس تداعياته على مجمل التطورات في المنطقة العربية، خاصة، وهي الأقرب بالدين والمصالح إلى إيران وإن أبعدتها الأغراض والأحقاد ودسائس كارهي المسلمين عموماً ـ عرباً وعجماً ـ ولقد مدّت يدها إيران، بعد توقيع الاتفاق، إلى جيرانها في الجزيرة العربية والسعودية على وجه التحديد، تدعوها مجدداً إلى التعاون واستعادة الصداقة مؤكدة من جديد ثباتها على موقع الجار الودود.
بالمقابل، يخسر العرب، ومن ضمنهم اللبنانيون، يومياً، من رصيدهم المعنوي ومن مصالحهم الوطنية، نتيجة انقساماتهم وخلافاتهم والتيه بعيداً عن الطريق إلى مستقبلهم. لقد ضاع منهم الحاضر في محاولة محو الأمس أو التبرؤ منه، من دون أن يقتربوا خطوة واحدة من أهدافهم في غدهم.
ومؤكد أن الشعب المنقسم على ذاته، المختلف على بديهيات الوحدة الوطنية وقواعد حياته في الحاضر والمستقبل، المتطلع إلى الغير خارج حدوده لكي ينصر بعضه على بعضه الآخر، سوف يضيع عن الطريق إلى غده الأفضل… بل إنه سوف يخسر دولته بقتلها جميعاً خلال الصراع على مواقع السيطرة والنفوذ والمصالح فيها.
وفي كل حال فإن المقارنة بين الدول العربية التي يتهددها المستقبل في وجودها ذاته وإيران الثورة الإسلامية هي كمثل المقارنة بين الذاهبين إلى غدهم الأفضل سريعاً ومدمّري غدهم باغتيال حاضرهم دولاً وهوية.

Exit mobile version