طلال سلمان

لبنان حرب اميركية

الحزن مرجأ، ومعه الحداد، ولبنان ما يزال ينزف أهله واقتصاده، وعرض »الهدنة« فخ مكشوف تحاول عبره إسرائيل أن »تقنص« مجانù ما لم تنله باجتياحها الممتد والمتمادي منذ اثني عشر يومù من المذابح والتدمير والتشريد المنهجي لأبناء الجنوب والضاحية وبعض البقاع.
ومع أن وقوف الرئيس اللبناني على منبر الأمم المتحدة لمخاطبة »الرأي العام العالمي« و»المجتمع الدولي« فيه من الرمزية أكثر مما فيه من الفعل السياسي، فهي خطوة ضرورية في سياق هذه الحرب المفروضة علينا والمرشحة لأن تطول وتبهظ أثمانها خصوصù وأن بطلها الإسرائيلي يقول إنها »ذات أسباب ولكن ليس لها أهداف محددة«…
والحقيقة أن الأهداف الفعلية تتجاوز لبنان وتكاد تشطبه تمامù فلا يتبقى منه إلا إحدى صورتين: الضحية أو المطية لابتزاز غيره.
لكأنما شمعون بيريز اختار لبنان ساحة استعراض ومنطلقù لإنجاز مهماته جميعù قبل الانتخابات، ومن خلال تسخير الجميع فيها،
إنه يحاول فرض »أمر واقع« جديد، يحكم الأطراف جميعù غدù، بعد فوزه العتيد، الذي يبيعه لهم كجميل يستحق العرفان وآيات الشكر!
الانتخابات أهم من السلام، أقله الآن، لذا لا بأس من تأمين مقوّمات النجاح ولو بلحم مشروع السلام، بحيث تجيء »المفاوضات« من بعد، إن بقي لها ما يبرّرها، شكلية وأشبه بحفل تتويج يقوم فيه »أتباعه المخلصون« بتسليمه مفاتيح المنطقة كلها!
والمنطق الأميركي الذي روّج لحرب بيريز ثم دأب وما زال يعمل على تبريرها يقول بصراحة: لا سلام من دون بيريز، لا سلام إلا مع بيريز، فإذا سقط بيريز سقط السلام، ولذا فبيريز أهم من السلام، ولا بأس من التضحية بالسلام لاستنقاذ بيريز. إن بيريز هو إسرائيل، وإسرائيل هي الولايات المتحدة الأميركية، والسلام »صناعة أميركية«، ومن لا يعمل لإنجاح بيريز، وبأي ثمن، يصنّف على الفور كعدو للولايات المتحدة ويُضرب (في لبنان) ويُحرم من »نعمة« السلام!
… وهي حرب أميركية مئة في المئة هذه الحرب التي يقودها بيريز وجنرالاته.
لم يذهب لبنان إلى الحرب مع إسرائيل، وحتى مقاومته لا تقاتل إلا جيش الاحتلال، وداخل أرضه.
ومع ذلك فقد تصرف الاميركيون، ومنذ اللحظة الاولى، كأنهم القيادة فيها: هم من اطلقوا الرصاصة الاولى، وهم من يغطي الحرب سياسيù، وهم من حاول ان يحشد في حومتها »الحلفاء« و»الاصدقاء« جميعù ولا سيما العرب منهم.
واذا كانت الحرب تحرق بنارها لبنان مباشرة، فهي تطال سوريا في صميم موقفها، وتلقي بظلالها على ايران… وقد سعت واشنطن الى حماية هذه الحرب بجبهة عريضة ينتظم فيها كل اولئك الذين استنفرتهم فاستقدمتهم الى شرم الشيخ، وأيضù من أجل حماية بيريز، بوصفه اسرائيل، أي الاستثمار الاميركي الاهم في المنطقة.
لكن »الحلفاء« الذين لم يقبلوا اسباب هذه الحرب، ولم يفهموا استهدافاتها، كان لهم رأي مختلف وصل الى ذروته بالاعتراض الفرنسي العلني وبالمبادرة الفرنسية التي وجدت مسوغاتها الفعلية في مذبحتي قانا والنبطية،
فالحرب ظهرت على حقيقتها، ولم يفد الغطاء الاميركي الا في فضح الدور القيادي للادارة الاميركية فيها، ومن ثم احراج »الحلفاء« و»الاصدقاء« حتى كاد يخرجهم، كما تبدى من خلال بعض مواقف التململ العربية.
ان انجاح بيريز هو امر العمليات الاميركي.
والمنطقة مغلقة على الاميركي ووكيله المحلي: الاسرائيلي، ولا مكان ولا دور لاي طرف ثالث، سواء أكان من داخل المنطقة ام من خارجها، وحتى لو اعلن سلفù انه انما يأتي للتصويت لشمعون بيريز وانتخابه »ملكù« على الشرق الاوسط الجديد!
و»تدويل« الحرب مرفوض، فهو اميركي بقدر ما هي الحرب اميركية.
ولا بديل من الصمود، بوصفه اداة تغيير السياسة الحربية المعتمدة.
وبين شروط الصمود توسيع جبهة المواجهة، والافادة من مواقع »الاصدقاء التاريخيين«، الشركاء في الجغرافيا وفي المصالح، كالفرنسيين وسائر الاوروبيين المتضررين الآن والمهانين والمهددين بالطرد النهائي من المنطقة.
وفي ذهاب الياس الهراوي الى الامم المتحدة ما يؤكد صمود الداخل، وما يعززه غدù بتضامن »الخارج« الذي جعلهم الاميركيون »طرفù« فتعاطف من خلال تضرره معنا كضحية، والذي دفعه الصلف الاسرائيلي الى الاعتراف بمن كان يصنفهم في خانة »الارهابيين«.
والصمود اليوم شرط حياة للبنان اليوم والغد.

Exit mobile version