طلال سلمان

لبنان بين قبلتين

لولا بعض الهِنات الهيِّنات التي ارتكبها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في تصريحاته في القاهرة، أمس، لتوجب على اللبنانيين ان يتوجهوا إليه بالشكر العميم: فهو يحمل لبنان معه في حله وترحاله، ويحشره في اجازاته الحميمة بين عشيقاته الجميلات اللواتي يثرن غيرة خصومه وأصدقائه على حد سواء.
بل إن الرئيس الملتهب العواطف قد اقتطع، ويقتطع دائماً، من وقته الخاص، بل الحميم، وفي الفاصل بين ضمتين أو قبلتين أو آهتين، ما يؤكد ان قلبه الكبير يتسع للبنان وللبنانيين، مهما بلغ عدد عشيقاته والصديقات.
أمس، وفي فاصل قصير تخلل تنهدات إجازة الحب التي يمضيها في ظلال الفراعنة، من معابد أسوان جنوباً إلى وادي الملوك في الأقصر مروراً باستراحة شرم الشيخ، أكد الرئيس العاشق انه يستطيع ان يجمع بين الحب والواجب، فيعانق عند قدمي أبي الهول، ويحتضن حبه فوق ذرى الهرم الأكبر، ثم يقصد قصر الاتحادية لينتقل من يوم الخمر إلى غد الأمر!
و الأمر ان الرئيس الفرنسي سيعلق اتصالاته مع سوريا حول لبنان، ما لم تتوافر أدلة على رغبتها في ان يتم انتخاب رئيس لبناني توافقي .
وهذا أمر طيب.
لكن حركة الرئيس الفرنسي جعلته يندفع إلى البعيد البعيد، فإذا هو يوجه تهديداً صريحاً إلى سوريا بالمحكمة الدولية… مؤكداً ان بلاده ستقدم جميع الأموال اللازمة لتشكيلها!
طبيعي والحال هذه ان يردد اللبنانيون ما قاله شاعر عتيق: ليتك لم تزني ولم تتصدقي !.. وبترجمة معاصرة: ليت ان الرئيس الفرنسي لم يتوسط لينتهي بإطلاق تهديدات قد يدفع اللبنانيون ثمنها مزيداً من التعقيد في أزمتهم السياسية الخطيرة، التي لا يشكل موضوع رئاسة الجمهورية إلا واحداً من عناوينها الفرعية!
لقد ثبت شرعاً ان العاشق نيكولا ساركوزي أنجح بما لا يقاس من الوسيط الدولي رئيس الجمهورية الفرنسية…
وثبت شرعاً ان ساركوزي، لا يختلف كثيراً عن أولئك المسؤولين الأميركيين الذين لم يمارسوا مع لبنان من أنواع الحب… إلا ما قتل!
.. وهي كانت فرصة نادرة ليثبت الرئيس المصري حسني مبارك كم هو حكيم، وكم هو محب للبنان حقيقة، حين توجه إلى سوريا مناشداً: انني أنادي سوريا ان تعمل من أجل ايجاد حل لهذا الموضوع، لأن لها التأثير الأقوى على الاطراف المتصارعة .
لقد اشتط الرئيس الفرنسي حتى تجاوز في تهوره صديقه الرئيس الأميركي جورج بوش… وهكذا فقد سبقه إلى التلويح بالنفخ في نار الحرب الأهلية في لبنان!
لو يخفف الأصدقاء الكبار من حبهم للبنان.. إذ لَكنّا على الأرجح قد وجدنا طريقنا للخروج من مأزقنا الخطير إلى السلام الوطني المنشود!
ثم: لماذا يوجه الرئيس الفرنسي هذه الإهانة الجارحة لمشروع المحكمة الدولية إذ يباشر باستخدامها كسلاح للابتزاز، ملوّحاً بسبابته وكأن أحكامها قد صدرت وأنه المولج بالتنفيذ!.
… ولعلنا، في لبنان، ندين باعتذار حار إلى الوزير الصديق برنار كوشنير: لقد ثبت انه أرصن بما لا يقاس من رئيسه الذي أعماه الحب، فلم يميز بين موقعه كوسيط وبين رغبته في أن يكون جلاداً… منبهاً وهو يهز سبابته بالتهديد إلى انه ليس كسلفه جاك شيراك الذي أحب هو الآخر لبنان واللبنانيين، أكثر مما يطيقون.

Exit mobile version