طلال سلمان

لبنان- الدولة يدخل العالم الجديد وماكرون ينظم القصائد حيث سكن ديغول!

لم يستولد “النظام” في لبنان عبر استفتاء شعبي، بل أن “الأجنبي” الذي فرضه كان يهدف إلى حماية مصالحه، داخل البلد وفي الأرض العربية من حوله..

وليست مصادفة أن يسبق استيلاد هذا النظام أن يطلق اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى “وعده” ليهود العالم بأن تُقام دولتهم على أرض فلسطين قبل ثلاث سنوات من حصول البطريرك الحويك على موافقة فرنسا (المنتصرة في تلك الحرب) على ضم “الاقضية الأربعة” أي بيروت والشمال والبقاع والجنوب إلى جبل لبنان، إلى متصرفية الجبل لتصير خريطة لبنان في صورتها الراهنة.

خلال تلك الحرب (1914- 1917) تم استيلاد كيانين جديدين في هذه المنطقة: تحويل متصرفية جبل لبنان إلى “لبنان الكبير”، ثم إلحاق البقاع والجنوب وبيروت والشمال لتقوم “دولة لبنان” تحت الحماية الفرنسية بحيث يحكمه مفوض سامٍ فرنسي مستعيناً ببعض الوجاهات اللبنانية لتشكيل سلطة محلية، ومن ثم السماح بإنشاء حكومة لمساعدة المفوض السامي في إدارة شؤون هذا “الكيان” الطوائفي الذي أعطيت رئاسة الدولة فيه لمسيحي لم يكن الشرط في البداية أن يكون مارونياً، بل أن بين من تولى هذا المقعد في العشرينات والثلاثينات كان (أرثوذكسياً مرة وبروتستانتياً مرة) حتى تم تثبيت العرف بأن يكون مارونياً، ولحقه أن يكون رئيس الحكومة البلا صلاحية سنياً، ثم أن يكون رئيس المجلس النيابي (الصوري) شيعياً..

في تشرين الأول 1943 ضغط “القنصل البريطاني” في بيروت، سبيرز، على النواب الذين كان حشدهم ملتئماً في بيت إميل اده، فخرجوا منه واحداً إثر الآخر لينتخبوا صباح اليوم التالي الشيخ بشاره الخوري رئيساً للجمهورية.

لم تسكت فرنسا على هذه “الضربة البريطانية” تحت الزنار، ففي 11/11/1943 أطلق جيش الإنتداب الفرنسي عسكره الأسود (السنغال) فاعتقل الرؤساء الثلاثة وعدداً من الوزراء وحملهم إلى سرايا راشيا، في أقصى البقاع الغربي عند الحدود مع الجنوب.

يومها أوعز البريطانيون إلى “المعارضة” المستولدة بذريعة الإستقلال فالتقى أقطابها في بيت الوجيه البيروتي المعروف (أبو علي سلام)، وقام أبرعهم في الرسم بتخطيط العلم اللبناني ووقعوا عليه جميعاً، كما طلب إلى الراحلين صبري حماده والأمير مجيد إرسلان أن ينشئوا نواة لمقاومة وطنية لبنانية في بشامون.. فكان ذلك وقد نُصّب على رأسها حبيب أبو شهلا وتكفل صبري حماده بثلة من المقاتلين، من أجل الصورة (المقاومة ضد الإحتلال الفرنسي واعتقال رجال الدولة الوليدة وأعيانها)..

في 22 تشرين الثاني 1943 أطلق الإنتداب الفرنسي، تحت ضغط الدول والشارع القادة المعتقلين في راشيا، بينما كانت جماهير اللبنانيين تملأ شوارع بيروت ابتهاجاً بولادة الإستقلال.

في صيف العام 1945 أسقطت ألمانيا النازية والحكم الفاشي في إيطاليا وانتصر الحلفاء، بعدما أُنزلت القوات الأميركية في النورماندي، في فرنسا، واستخدمت القنبلة الذرية لأول مرة، على اليابان (مدينتي هيروشيما وناكازاكي)..

كان البريطانيون قد أوفدوا بعض قوتهم العسكرية إلى لبنان لمؤازرة الجنرال ديغول الذي حضر خصيصاً إلى بيروت وأقام لبعض الوقت في منزل معروف في الجميزة، حافظت عليه الجمهورية اللبنانية، كمعلم تاريخي (..وقد توقف أمامه الرئيس الفرنسي ماكرون، خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت إثر الإنفجار الهائل في مرفأ بيروت وطاول الدمار وألسنة اللهب فيه الأحياء شرقي ساحة البرج في قلب بيروت حتى الكرنتينا في أقصى الشرق، وعند عتبة برج حمود..).

*****

…ها هي الذكرى السابعة والسبعين لإستقلال “الدولة” في لبنان بينما الرئيس الفرنسي ماكرون يعمل على محاولة تفكيك أزمة الحكم الجديدة-القديمة والتي استقدمته إلى بيروت مرتين مع وعد بمرة ثالثة.

لقد أمضى يومين خلال زيارته الأولى، في جدل بيزنطي مع أهل النظام في لبنان: زار الرؤساء والتقاهم فرادى، وطلب تلبية طلبه فأُتي بوجهاء السياسة جميعاً إلى قصر الصنوبر في بيروت، حيث السفارة الفرنسية، فناقش وجادل واستمع وأسمع السياسيين اللبنانيين عتاباً ولوماً (ولو استطاع لأنذرهم..)

أما لما جاء في المرة الثانية، متقصداً أن ينزل في بيروت وهو في الطريق إلى بغداد، فقد اكتفى بزيارة السيدة فيروز في منزلها في الرابية، وغادر في اليوم التالي مهدداً بالعودة مرة ثالثة.

لكن واشنطن مشغولة الآن بإتمام “المصالحات” الهوائية بين بعض الدول العربية العظمى (الإمارات والبحرين) ودولة العدو الإسرائيلي، وليس لدى الرئيس ترامب (ومسألة الإنتخابات الرئاسية تضغط عليه) وقتاً يضيعه في لبنان..

…وبعد أن تنتخب الولايات المتحدة رئيسها الجديد، او تكتفي بالتجديد لترامب، يكون العالم قد تغير، وأصبح بالإمكان أن ينجح الرئيس الفرنسي في تشكيل حكومة جديدة لهذا البلد الذي تم استيلاده بإشرافها ثم غادرته وغادرها إلى … العالم الجديد!

Exit mobile version