طلال سلمان

لبنان: الدور العربي والتحدي الإسرائيلي

أهلاً بكم معنا في بيروت، أيها الاخوة، تعطون المعنى لعيد »السفير« وهي تنهي عامها السادس والعشرين لتواصل رحلتها الشاقة والممتعة نحو الممكن استيعابه وتوصيله من أسباب المعرفة والممكن الوصول إليه من الحقائق التي غالباً ما تخفيها شبكات المصالح او أسوار الأغراض والهوى.
أهلاً بكم معنا في عاصمتكم الأميرة، التي تكتسب أهميتها من عروبتها،
فهذه المدينة، تحديداً، هي المرآة العاكسة لحال العرب: اذا انتصروا وعرفوا طريقهم الى غدهم ازدهرت وصارت منارة، واذا ما انكسروا وتاهوا عن أنفسهم واشتبكوا مع تاريخهم تفجرت وتاهت واجتاحها الطاعون الإسرائيلي… ولكنها، وكما يشهد اجتياح 1982، تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء، ثم تنهض من قلب النار والدخان والموت لترفع رايات المقاومة وتَحْدِي لمجاهديها الأبطال وهم يقتحمون سور القهر ليستنقذوا الصباح العربي الجديد.
أيها الأخوة
لا وقت للأعياد في زمن الانكسار العربي. الوقت للتفكير وللتدبير وللنقاش، للحوار المفتوح والصريح حول الواقع المرفوض او المفروض، وحول ما ينبغي ان نكونه.
ولقد أردنا هذا اللقاء فسحة للحوار حول مشكلات يومنا والتحديات التي تواجهنا في الطريق الى غدنا المأمول.
إننا نعيش على حافة الخطر، فاحتمالات التسوية ستنقلنا ان اكتمل مشروعها الى ميدان الحرب الأعظم شراسة، والتي لا بد ان يحل العقل فيها محل العاطفة، والرقم الأكيد محل حسن الظن او الثقة بالحاكم، والرأي الشجاع محل صمت الضرورة او التقية، والعلم بكل تجلياته المعاصرة في الاقتصاد والاتصالات والمواصلات وثورة المعلومات محل التخمين والتنجيم والاعتماد على الصداقات الدولية المتوهمة والتحالف المفترض مع الغول الأنيس.
وإذا لم نتنبّه ونستعد لما هو متوقع ومحتمل، فلن يكون واحدنا هو ذاته غداً… فالتشوّه سيضربنا في الأساسيات من ركائز حياتنا. المقدمات فضّاحة: ها هي هويتنا تتهاوى، فيكاد يختفي »الوطن العربي« او »العالم العربي« لنصير رعايا شرق أوسطيين بقيادة إسرائيل التي تستوعب المغاربية والخليجية والمشرقية إضافة الى الكيانيات المتعددة الجذور والمؤكدة لغربة واحدنا عن الآخر.
ربما بتأثير من هذا المناخ المسموم انتثر العرب في متاهات عدة: بعضهم يريد المستقبل بريئاً من شبهة الانتساب الى الماضي، بذريعة الاندفاع أسرع في طريق التقدم بعد التخفف من الموروث، وبعض آخر يتوهّم انه يقدر ان يسحب الماضي على المستقبل بذريعة الحفاظ على الاصالة،
وفي لبنان، كما في قطر عربي آخر، يحتدم النقاش حول الدور او الوظيفة، مستقبلاً، في ضوء التحدي الإسرائيلي الذي لم يعد افتراضاً بل اقتحم علينا دنيانا وبدأ يؤثر في سلوكنا اليومي ومحاولات التخطيط لمستقبلنا.
ولأننا نرى لبنان، في صورته الفضلى، إبداعاً عربياً، فنحن حريصون على تلازم الدور والهوية، فلبنان عربي بنجاحاته وعربي بإخفاقاته، عربي بسلامه وعربي بحروبه. ولأنه المرآة العاكسة لحال الأمّة فهو في زمن النهوض المنتدى الفكري والنجاح الاقتصادي والمصيف والمقهى والمصرف والمطبعة والكتاب وصحيفة الصباح، ويمكن ان نضيف الآن: وتلفزيون المساء والرائد العربي الأول على الطريق المتوهّج لثورة الاتصالات والمواصلات، من الهاتف الخلوي الى الاستخدام الكثيف وفي مختلف المجالات للحاسوب والإفادة المتزايدة من عوالم الانترنت المسحورة.
ودور لبنان شرعي ومشروع وليس ادعاء او تنطحاً لما فوق الطاقة.
لقد سمح الهامش الديموقراطي في لبنان بفسحة مشتهاة للتعبير عن الأفكار والآراء، ولتبادل المعلومات، وإغناء الحوار حول مختلف المشكلات والإشكالات التي تواجه مجتمعاً مفتوحاً بغنى التنوع الثقافي وحيوية الفرد والنجاح في توطيد العيش المشترك الذي يشكل شهادة للأمّة كلها بحرصها على أبنائها جميعاً، وعناصرها المكوّنة جميعاً.
الهامش الديموقراطي، معززاً بالحرية الاقتصادية، والتنوّع الثقافي، معززاً بالحرص على الهوية التي أكّدها الصمود بالدم في الأرض التي حاول الاحتلال الاسرائيلي وما زال يحاول ان يحرقها، كل ذلك يجعلنا أقوى في مواجهة التحدي المقبل، متخطين مظاهر ضعفنا البنيوي، نحو ان نكون قلعة التصدي العربي للتحدي اقتصادياً وثقافياً وبالإجمال حضارياً.
الشرط: أن يكون العرب معنا في لبنان، وألا يدخل كل منّا في تنافس انتحاري مع الآخر. فإذا جاءنا العرب تحوّل لبنان من منفذ للهيمنة الاسرائيلية الى مصد للريح الشريرة.
على هذا اخترنا لهذه الندوة عنوانها الواضح:
»لبنان… الدور العربي والتحدي الإسرائيلي«،
ولقد لبّت دعوتنا مشكورة نخبة من أصحاب الفكر والخبرة والكفاءة في مجالات عدة، بينها العمل الاقتصادي الناجح، وبينها العمل الإعلامي بل الثقافي الناجح،
ونحن على ثقة من أن الأوراق المقدمة، وكذلك النقاش المفتوح للآراء والتجارب الواردة فيها، ستشكّل إضافة معرفية متميزة، وستسهم في توفير الإجابات المطلوبة على الأسئلة الكثيرة، ومنها في المحور الأول:
} هل بإمكان لبنان استعادة دوره العربي أو الاحتفاظ بذلك الدور الذي ميّزه خلال الخمسينيات والستينيات وحتى انفجار الحرب فيه في منتصف السبعينيات، لا سيما في مجال الخدمات؟
} هل العرب ما زالوا يحتاجون هذا الدور من لبنان؟ أين تحديداً؟ وهل هو المؤهّل ليغنيهم عن الالتفات الى إسرائيل؟ كيف وأين؟ في أية مجالات وبأية إمكانات:
ثم:
} ما هي المسؤوليات التي عليه ان يتحملها (في التشريع، إعداد البنية التحتية الخ) وما هي المسؤوليات التي تترتب على العرب إزاءه في هذا المجال؟ (التمويل، المشاركة، الرعاية الخ).
} هل يمكن أن يكون لبنان مركزاً أو نواة أو نموذج نواة للتعاون العربي، للسوق العربية المشتركة يؤكد فيه وعبره العرب قدرتهم على الإنتاج ومن ثم على المنافسة مع إسرائيل بداية ثم مع الخارج إجمالاً؟
** أما في المحور الثاني فسيكون التركيز على دور الإعلام مكتوباً ومرئياً:
} هل النمط الإعلامي السائد يساعد في إعداد الوطن لمجابهة التحدي؟
هل يهيّئه لمعركة مستمرة، كصراع حضاري بعد التسوية أم يخدّره بوهم ان التسوية ستحل بذاتها كل مشاكله، السياسية والثقافية والاقتصادية؟!
} هل إعلامنا عربي ام انه مشتت بين إعلام السلطة والتقليد الهجين سياسياً للإعلام الغربي الذي تهيمن عليه شبكة المصالح المتصلة عضوياً بإسرائيل؟
} في ظل الأوضاع السياسية القائمة هل ثمة مجال لإعلام مستنير؟
} هل الحرية الإعلامية سلعة للتصدير أم هي نتاج التطور الديموقراطي في الداخل؟
} هل من علاقة طبيعية وصحية بين إعلامنا وبين وتيرة الإنتاج ومعدلات النمو ومستوى التعليم في بلادنا؟!
ان لدينا كما لديكم أسئلة بلا حصر،
ولعلنا لا نملك مجتمعين كل الأجوبة، لكننا نفترض اننا معكم سنقدم محاولة، وانكم ستساعدون بأفكاركم وتجاربكم في إضاءة الطريق الى الأجوبة الصحيحة،
نرحب بكم، مجدداً، في عاصمتكم الأميرة بيروت، وأنتم تصنعون لجريدتكم »السفير« عيدها السادس والعشرين.
وستبقى »السفير« ما كانته دائماً: »صوت الذين لا صوت لهم«
»جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان«
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Exit mobile version