طلال سلمان

لبنان اضطرابات في سوريا هيمنة اميركية «ترعى» ديموقراطية عربيا

أضافت أيام الاضطرابات السورية المزيد من أسباب القلق لدى الرعايا اللبنانيين الذين يدركون، أكثر من سائر إخوانهم العرب، خطورة موقع سوريا والدور البارز الذي تلعبه في محيطها والذي كان يستند ـ أولاً وأساساً ـ إلى نعمة الاستقرار فيها والتي كانت تجعلها أشبه بجزيرة آمنة في منطقة تعصف بها أعاصير متعددة المصادر والاستهدافات.
ذلك أن الرعايا اللبنانيين قد تعايشوا مع أوضاعهم القلقة والمقلقة حتى أدمنوها، وصارت فترات «الهدوء» التي تهبط عليهم، بين الحين والآخر، مصدراً إضافياً للخوف من مصائب جديدة، بسبب ما يعرفونه عن أحوالهم العامة، وبالتحديد عن «طبقتهم السياسية» وطبيعة الصراع في ما بين أطرافها فضلاً عن التواصل بين أقطابها وبين الخارج بعواصمه العديدة، كبراها وأقواها وأخطرها، فضلاً عن صغراها وأغناها وأكثرها طواعية «لأصحاب القرار» الكوني… لحماية الاستقرار!
وها إن هؤلاء الرعايا اللبنانيين لا يستغربون، مثلاً، أن يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة أكثر من شهرين، وأن يمضوا أيامهم في ظل «حكومة تصريف أعمال» معطلة القرار، في انتظار عودة الروح إلى بدعة «س. س« الطريفة، والتي غيّبتها ظروف غير مفهومة تماماً، إذ يختلط فيها المرض الملكي بعدم رغبة الطرف السوري في أن يبدو متفرداً بالقرار اللبناني في ظل عدم تفاهم معلن مع الإدارة الأميركية.
أما أن تنشغل دمشق بنفسها فهذا أمر لم يكن في حساب الرعايا اللبنانيين لأنهم تعوّدوا حتى أدمنوا إحالة «مسألتهم» إليها، سواء من باب التسليم بحنكة قيادتها السياسية وقدرتها على نسج المعادلات الدقيقة التي تجعلها «مرجعية» مسلّماً بها في «الداخل» على تعدد مشارب (ومصالح) قواه السياسية، وفي «الخارج» وباعتبار تدخلها «أبغض الحلال» المبرر بالحاجة إليه.
ومع انفجار حركات الاعتراض على الأنظمة الأبدية في مشارق الأرض العربية ومغاربها، كان الاعتقاد السائد في لبنان أن النظام السوري سيبادر إلى سلسلة إصلاحات جدية لطالما سمعوا من بعض أركانه أنها جاهزة ولا تحتاج إلا إلى التوقيت المناسب.
في محطات لها تاريخ نقل بعض «أصدقاء القيادة السورية» أن «الرئيس» قد ضاق ذرعاً بالحزب الذي بات عجوزاً ومشلولاً ومتخلفاً وعاجزاً عن إدراك ما يجري في العالم، وأنه أسير الشعارات التي ابتعد عنها وغرق في السلطة ونسي قاعدته…
ونقل آخرون أن «الرئيس» قد حاول الاستعانة بفرنسا لتحديث إدارته التي رآها معاقة وتعيش في الماضي، وأنها متعفنة ومعادية لأي إصلاح، ولا بد من ثورة إدارية…
في المقابل، كان كثيرون يفترضون أن النجاح السياسي الذي حققه الرئيس السوري ببناء علاقة استراتيجية مع تركيا بما يوازن علاقته الاستراتيجية مع إيران، وعودته بدور حيوي في لبنان، فضلاً عن الاحتياج إلى دور مقبول له في العراق، ونجاحه في استعادة الاعتراف به كطرف مؤثر في المنطقة من جانب بعض أوروبا والانفتاح عليه، وتخطيه بعض حواجز الضغط الأميركي… أن كل هذه النجاحات التي وفرها له استناده إلى وحدة شعبه وتضحياته بالديموقراطية والنهوض الاقتصادي والتقدم الذي يستحقه، سيمكنه من الانتقال من حكم الحزب الواحد الذي لم يعد ـ منذ زمن بعيد ـ حزباً قائداً ومعبراً عن إرادة شعبه ومصالحه، إلى نظام ديموقراطي طبيعي،
لكن القرارات المطلوبة تأخرت بأكثر مما يجوز، وساد مناخ من خيبة الأمل، في ظل تفاقم التجاوزات الأمنية بحيث طالت هيئات وجمعيات أهلية وناشطين ليس في حركتهم أي خطر على النظام، بل إن «الرئيس» نفسه كان ـ إلى ما قبل سنوات ثلاث ـ يدعو بعضهم إلى مقره ويجلس إليهم ساعات طويلة يناقشهم ويسمع منهم، مؤكداً لهم أنه يحمل في صدره الطموحات نفسها، وأنه سيغيّر في هيكلية النظام جذرياً… بل هو لم يتورع في بعض الحالات عن توجيه نقد قاس إلى طبيعة النظام وغلبة الأمن فيه على الفكر السياسي مما يعكس خوفاً من الناس الذين يعترف أنهم قد أعطوه الكثير الكثير.
ولقد صدرت وعود وتعهدات جديدة باسم «الرئيس» في الأيام القليلة الماضية حول تحرير الشعب السوري من قيود «قانون الطوارئ» الذي صار في مختلف دول الأرض من ذكريات الأيام السوداء، وحول إطلاق الحريات السياسية والإعلامية وإنشاء الأحزاب إلخ.
ومؤكد أن بعض الطبقة السياسية ـ ومن الطرفين المتقابلين والمتناقضين ـ في لبنان يتمنون ألا ينفذ الرئيس السوري هذه التعهدات: بعضهم بأمل أن يتزايد الاضطراب في سوريا بحيث تنشغل بنفسها فلا تعود قادرة على التأثير في لبنان، وبعضهم الآخر يرى في انفتاح النظام وإطلاق الحريات ما يكشفه هنا ويظهر مدى «تضرره» من الديموقراطية التي قد تذهب بالعديد من الزعامات التي شاب عليها ومنها الدهر ولم تشب.
[ [ [
في نظرة تتجاوز لبنان ـ البلا داخل والداخل السوري وما يتسبب في اضطرابه حالياً، لا بد من الإشارة إلى بعض الوقائع اللافتة التي تتهدد
الانتفاضات العربية التي بشّرت بسقوط بعض أنظمة القمع كما في تونس ومصر، والتي تؤكد قرب تحقيق الانتصار في اليمن، ومنها:
÷ إن بعض أهل النظام العربي، وفي ليبيا على وجه التحديد، يعطون الغرب الاستعماري بالقيادة الأميركية الجديدة، ليس فقط الحق في التدخل في الشؤون الداخلية، بل ومعه فرصة الظهور بمظهر المصلح الاجتماعي!
إن هؤلاء يكشحون عن الهيمنة الأميركية وجهها البشع ويوفرون الفرصة لواشنطن كي تبدو وكأنها «نصيرة الشعوب» وحاملة مشعل الحريات ورفع القهر عن الأمم المغلوبة على أمرها بحكامها الطغاة!
÷ إن بعض أهل النظام العربي يعيدون الاعتبار إلى الاستعمار القديم فضلاً عن تزكيتهم الاستعمار الجديد، إذ يتركون لواشنطن وباريس ولندن ومدريد ولشبونة وبرلين أن يظهروا أحرص على شعوب هذه الأمة وحقوقها من قادتها الميامين…
بديهي إذن أن نسمع وزيرة الخارجية الأميركية تقول مستعرضة أوضاع الأنظمة العربية المهددة بالسقوط تحت ضغط الانتفاضات الشعبية: لنا طريقتنا للتدخل مع كل حالة من هذه الحالات!
… وأن نسمع من وزير الحرب الأميركي: إن سقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مشكلة لأميركا!
أما الشعب اليمني فليهدأ ريثما تجد وزارة الحرب الأميركية الحل لهذه المشكلة!
وأما سائر الشعوب العربية المنتفضة فليس عليها إلا انتظار أن تفرغ السيدة كلينتون من اجتراح طريقة للتــدخل تنـاسبها.
وأما نحن في لبنان فعلينا أن يفرغ هؤلاء جميعاً من مشاكلهم كافة حتى يستطيعوا مساعدتنا على تشكيل حكومة لملء الفراغ في الوقت الضائع!

Exit mobile version