طلال سلمان

لا يكفي »يا سيدي غلطنا « لانقاذ »موتمر« سعد حريري

ليس أسهل على القيادات ذات الثقل التمثيلي (النوعي) من »نسف« مؤتمر الحوار الوطني… فلهم، مثل الأعضاء الدائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي حق النقض (الفيتو).
إن المؤتمر بناء من زجاج، ولقد تلاقى فيه الآتون إلى بعضهم البعض بعد قطيعة أو انقطاع، وبالتالي فلم يكن متوقعاً أن يتعارفوا فيتفاهموا ويتوافقوا ويعلنوا »قيامة لبنان الجديد« من تحت ركام الخلافات والاختلافات الجدية التي كانت تحول دون تلاقيهم، والأخطر أنها كانت تهدّد البلاد بمخاطر كثيرة…
وما من شك في أن النجاح في عقد المؤتمر وتوالي جلساته حتى يوم الاثنين الماضي قد أبعد أشباح الفتنة وأضعف احتمالات تصدع الدولة بانفراط عقد الوحدة الوطنية، وتوزع الأنحاء كانتونات طائفية ومذهبية انتظاراً لقيام فيدرالية الطوائف كمخرج أو كحل سلمي بديل من الحرب الأهلية.
كذلك ما من شك في أن هذا المؤتمر قد تصدع بعد إقدام وليد جنبلاط على »قصفه« من واشنطن (التي كان يمكن إرجاء زيارتها، أصلاً، كما كان يمكن الاستماع من بيروت إلى »النصائح« التي توالى على إطلاقها المسؤولون الأميركيون، وآخرها ما سمعه اللبنانيون من الرئيس الأميركي مباشرة في المقابلة التي خص بها تلفزيون »المستقبل« بقصد مقصود).
وبقدر ما انتبه اللبنانيون إلى محاولات أطراف الحلف السياسي الذي يضم وليد جنبلاط، بل ويعطيه موقع الصدارة، التهوين من شأن هذا »القصف« والحرص على الإعلان عن عدم موافقتهم عليه، ومن ثم التهوين من أثره على أعمال المؤتمر، فإن ذلك كله لم يطمئن »الجمهور« إلى سلامة المناخ السائد، وبالتالي فقد هز يقينهم بنجاحه ولو في فتح الأبواب أمام الحلول المرتجاة للمسائل المطروحة عليه.
لم يعد يكفي أن »يتراجع« وليد جنبلاط عن تصريحاته التي خلخلت الأسس التي يقوم عليها المؤتمر، خصوصاً وهو معروف بتعديل ما يصدر عنه أو بإلغائه أو بطلب نسيانه بذريعة »يا سيدي غلطنا!..«.
لقد اهتزت الثقة بالحلف الثلاثي الذي يعطي الناس قيادته لسعد الحريري ثم يفاجأون بأن وليد جنبلاط كثيراً ما تجاوز مواقف القيادي الشاب فرفع السقف إلى حيث لا يريد أو لا يرغب أو لا يقصد، سعد الحريري، أو أنه لا يفيد من ذلك بل لعله يتضرر.
فلم تكلل بالنجاح تجربة يوم الثلاثاء مع »التعهّد« الذي كان سعد الحريري قد أعطاه كضمانة لتصحيح الخطأ بالتراجع عن التصريحات المفجّرة للمؤتمر، وكان لا بد من طلب مهلة إضافية، فكان إرجاء الجلسات البديل المتاح لمن يحرص على إنجاح مغامرة الإنقاذ.
وحتى لو صدر عن وليد جنبلاط ما يفيد بأنه عدّل، مرة أخرى، في مواقفه، فلسوف يظل جو الشك يحوم على المؤتمر ومعه القلق على احتمالات النجاح.
ويتمنى اللبنانيون أن ينجح سعد الحريري في مهمة إنقاذ »مؤتمره« بمسح الآثار السلبية لتصريحات حليفه الذي لا أحد ينكر خطورة دوره في الحياة العامة، وفي إعادة بناء الثقة بالحرص على المؤتمر ومهماته الجليلة.
مع الإشارة إلى أن اللبنانيين يعرفون أن المؤتمر لن يجترح معجزات بتوفير حلول حاسمة للمسائل الخلافية العالقة، ولكنه يفتح باب التوافق حول أسلوب معالجتها في انتظار أن يساعده القادرون من الإخوة والصادقون في الحرص على استقرار لبنان من »الدول الراعية«، على التقدم في اتجاه الخروج من النفق.
وذلك حديث آخر، وإن ظل لسعد الحريري، بذاته، الدور الأول فيه، إذا رغب في لعبه.

Exit mobile version