طلال سلمان

لا نملك من نحب

قال: «أكره الذهب»، فقالت: «أخشى أن يأتي يوم تكرهني فيه»، قال: «.. وما دخل علاقتنا، أنت وأنا، بالذهب؟»، قالت: «الحب كالذهب يحب أن يمتلكه الناس ويكتنزوه ويحمونه ويدافعون عنه، وأنا وحبي معي صرنا كالذهب ملكا لك»، قال: «بل ظننت أنه يمكنني أن أحبك وأستمر أحبك ولا أملكك؟»، قالت: «ولكنك ملك لي»، قال: «فليكن. هذا أمر يخصك. أما أنا فسوف أجد صعوبة شديدة في تقبل أن أكون مملوكا لشيء أو لأحد»، قالت: «هذا أمر يخصنا معا. وأكرر أنني من جهتي لن أسمح أن تكون ملكا لآخر، سواء كان هذا الآخر جمادا أم حيوانا أم مخلوقا من البشر. لن أجعلك تنسى أن يوم وقعت في حبك، كان اليوم الذي صرت فيه ملكا لي»، قال: «يا حبيبة عمري، أخشى علينا من يوم يهيمن فيه الشعور بالتملك فيغلب على الشعور بالحب»، قالت «هنا نختلف. أحبك وأملكك. شعوران كل منهما يعزز الآخر. أريد منك أن تحب الذهب. أرغب في أن تمارس حب التملك. ولكني أريد أيضا أن تستمر في حبك لي»، قال: «لا أظن أنني بقادر على الجمع بينهما»، قالت: «تخيل فقط أنك عدت طفلا تلهو في مهدك وأنا لعبتك، وتخيل في الوقت نفسه أنك نفس الطفل تلهو في حديقة الأطفال وبين اللعب لعبة أشبه بي، لعبتك المفضلة، أتراك تفضلها على لعبتك التي تملكها. أكاد أراك وأنت تدخل من باب بيتك فتركض في اتجاه غرفتك باحثا عني، عن لعبتك أقصد، لتحتضنها وتمسح بيدك الناعمة فوق رأسها؟».


قال: «تحكي ملفات شركة اللويدز للتأمين حكاية سفينة قادمة في العام 1859 من أستراليا قاصدة ليفربول وعلى متنها نحو أربعمائة راكب. أخطأ الربان طريقه عند اقترابه من شواطئ ويلز فتحطمت أجزاء منها وبدأت تغرق. لم يستغرق الغرق وقتا طويلا إذ كان الركاب يحملون في أحزمة تلتف حول بطونهم كميات هائلة من ذهب استخرجوه من منجم حديث الاكتشاف. رفضوا نصيحة الربان أن يتخلصوا من أحمالهم عسى أن تطفو بهم السفينة. ماتوا بذهبهم عن بكرة أبيهم».

قالت: «عدت تخلط بين الأمور. ما تحكيه أو تنقله عن صفحة أو أخرى من ملف في خزائن شركة اللويدز، دليل لا أرفضه عن الجشع. أعرف جيدا مواقع الشر في الرغبات والدوافع. الجشع شر بشع. لن أرفض كذلك حقيقة تنكر كثيرا من تفاصيلها منظومة الفكر في الغرب. الغرب لا يعترف بأنه بالجشع استطاعت جحافل المغامرين وبينهم مجرمون أن تعود بالذهب وغيره من الثروات التي بدونها ما كانت نهضة الغرب كما عرفناها».

قال: «لم أنقل حكاية غرق الرويال تشارتر، إحدى أكبر سفن الركاب في ذلك الحين إلا لأؤكد أن الإنسان لو سمح للحب أن يغلب أو حتى يهيمن، لما غرق سكان هذه السفينة. شهوة التملك غلبت حتى هيمنت. تعرفين ولا شك ميل البشر وبخاصة النساء للتفاخر أمام الآخرين بما يملكون. دعينا معا، هل تذكرين، إلى حفل عشاء ببيت صديقة في ضاحية من ضواحى القاهرة. ليلتها أكلنا في صحون من صنع فرنسا وبملاعق من الفضة وشربنا من كؤوس مطلية حوافها بالذهب. أذكر أنؤ همست في أذنك أثناء رقصة أديناها معا. سألتك إن كانت صديقتك صاحبة الدعوة مستمتعة بالحب استمتاعها بما تملك. لم يعجبني حضنها لزوجها. شعرت كما لو كان الحضن خصص لنا لنراه ونضمه مع الزوج إلى قائمة ممتلكات صديقتنا».

قالت «عنيف أنت كعهدى بك. ملاحظتك دقيقة ولكنك تهمل دور الحب في تكوين الثروات. لا أتحدث هنا عن جو الوئام اللازم لتراكم الثروة، إنما أتحدث عن قصص حب عديدة ومستمرة كانت وراء ثراء عدد كبير من الأفراد. وعلى كل حال عليكم أيها الرجال أن تعتبروا التفاخر بمظاهر الثروة نوعا من ممارستنا نحن النساء حق تجميل وجوهنا وأجسامنا وكل ما نملك. لسنا وحدنا، النساء، في هذا المضمار. أحب فقط أن أذكرك بالدكتور هنري كيسنجر وأكاديمي مصري معروف، كلاهما لا يدخل مكانا عاما إلا مصطحبا ثلة من النساء أطول منه قامة ومتألقات تجميلا وتصفيفا وتزويقا. هنا لا ملكية ولا حب إنما رغبة في الظهور رغم توافر الشهرة».


قال: «تسمعين عن اهتمامي المبالغ فيه بهذا الموضوع. يكتبون عن المرأة وانشغالها بجمالها ورشاقة جسمها ورجاحة عقلها لتلفت انتباه الرجل، أي الجنس الآخر. لا يكتبون عن الرجل، وبخاصة من تقدم به العمر، الذي يفعل الشيء ذاته، يتجمل ويتأنق ويصطنع الوقار أو يبرزه، هؤلاء الذين يكتبون لا يعرفون مشاق ومصاعب إبراز مواقع الجمال والحكمة والجاذبية في بعض الحالات. كنا نتصور أن الطاووس «ذكر» الطاووس الكسول يبخل علينا، أو يتلكأ في فرد ذيله الأسطوري حتى قرأنا تفسير داروين. أعرف الآن أن الريشة الواحدة عبء ثقيل على الطاووس وتحريكها يتطلب جهدا خارقا. تماما مثل تحريك الثور لرأس تحمل القرن الأطول وتحريك ذكر الإوز لمؤخرة شديدة الامتلاء. كلها «إشارات» يصدرها «الذكر» معلنا عن جهوزيته لغرس أكفأ الجينات إن استجابت الأنثى بعرض آخر مناسب».

قالت: «أليست هذه كلها امتيازات كالممتلكات وهبتها الطبيعة لمخلوقات لتقيم بها أو معها علاقات حب أقوى وأكثر إمتاعا؟ لماذا لا تعترض على مشيئة الطبيعة؟ هل تنكر أن امرأة جميلة وأنيقة متأبطة ذراع رجل تبدو للرائي أشد فتنة وجاذبية. وقفت ذات مرة ألاحظ دخول المدعوين إلى حفل استقبال تقيمه سفارة في فندق كبير. يخرج الزوجان من المصعد متوجهين نحو قاعة الاستقبال، الزوج يسبق زوجته خطوة أو اثنتين، فإذا اقتربا من قاعة الاستقبال قفزت الزوجة لتتأبط ذراع الزوج. كلنا نعرف أن كل العيون تظل معلقة بباب الدخول تتابع وصول المدعوين. قطعا المرأة في يد الزوج أو متأبطة ذراعه إعلان حب متجدد يطارد شك المتشككين».

قال: «عزيزتي، لا تنكري أن لهذا الإعلان وجه آخر. هو بالفعل إعلان حب ولكنه أيضا شهادة ملكية، أنا أملك هذا الرجل. هذه الشهادة كافية في حد ذاتها ليتمرد المملوك على المالك».


قالت: «تمرد كما تشاء ولكن، من فضلك، دعني أحبك على طريقتي».

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version