طلال سلمان

لا عرب في نيويورك لا عرب في دبي

كأنما اختفى »العرب« من الدنيا أو انقرضوا!
كأنما تلاشت قيمتهم السياسية وفقدوا بدولهم العديدة!! قدرتهم على التأثير، وامتنع عليهم مجتمعين!! حق الرأي حتى في القرارات الدولية المتصلة بحياتهم فوق أرضهم، كياناتهم السياسية، اقتصادياتهم، ثقافتهم ومناهج التعليم ولغتهم ضمناً، وصولاً إلى دينهم، لا فرق هنا بين إسلامهم أو كنيستهم الشرقية.
لا »عرب« في نيويورك الأمم المتحدة، حيث تعوّد العرب أن يكون لهم المنبر!. فليس بين الأربعين رئيس دولة الذين احتشدوا لهذه الدورة »عربي« واحد يأتي بالطلب لمقابلة الإمبراطور، أو بالرغبة أو التمني أو تسوّل الصورة لتؤكد »شرعيته«!…
ثم ان الخلافات والاختلافات والتعارضات والمناكفات والخصومات والمنافسات تلغي أي تأثير (محتمل) للكتلة العظمى التي تتشكل نظرياً من 22 وفداً »عربياً« يرأس معظمها وزراء الخارجية، ومعها وفد الجامعة العربية التي يبدو أمينها العام الفصيح أهم من »المؤسسة« التي يُخرسها الشقاق فيها.
.. مع ذلك يتعذر عليه ومعه لجنة المتابعة للمبادرة العربية طيبة الذكر (التي عرض فيها المهزوم ما كان يطلب العدو المنتصر بغير شروط فلم يتكرّم بقبولها) الحصول على موعد اللقاء مع الإدارة الأميركية، ولو من أجل تفسير ما غَمُضَ من المواقف وشرح ما التبس من المطالب، وعرض ما تيسّر من التنازلات الجديدة بدءاً بالعراق المشلّع بالاحتلال العسكري الأميركي، بعد نظام الطغيان، وبفلسطين التي يكاد يشطبها التخلي العربي عنها لمحتلها الإسرائيلي من ذاكرة الدنيا.
… ولا عرب في دبي حيث تداخلت الاجتماعات ذات الوهج للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووزراء المالية وحكّام المصارف المركزية وشركات التمويل والصناديق متعددة المهام والأغراض، ورجال المال والأعمال، وقنّاصي الاستثمارات والسماسرة، وحيث ارتفع العلم الإسرائيلي من دون اعتراف، وحيث تمت مصافحة الوزير الإسرائيلي من باب اللياقة وسماحة المضيف العربي الأصيل الذي إن »دخل« عليه عدوه عفا عنه وغفر! (حتى وإن لم يصالحه رسمياً!!).
لا قيمة للعدد. لا قيمة لدول ألغت نفسها بنفسها. وماذا ينفع العدد وقد عجز الوزراء في قلب جامعة دولهم في القاهرة عن الوصول إلى اتفاق، وانصرفت مناقشاتهم حول العراق من مواجهة الاحتلال الأميركي إلى النقاش حول نسب التمثيل الطوائفي في »مجلس الحكم الانتقالي« وفي »الحكومة المؤقتة«، مع تناسي أن هاتين المؤسستين الشكليتين مجرد قناع للحاكم الأميركي، الذي »أناب« عنه »وزير المال« ليعرض العراق للبيع في دبي، و»أناب« عنه »الرئيس الشهري« لكي يتولى »تعريق« الاحتلال الأميركي في الأمم المتحدة!
كيف تكون قيمة لدول »صالحت« عدوها بشروطه، أو هادنته وهي لم تحاربه، أو اعترفت به تبرعاً وبغير طلب؟!
وكيف تكون قيمة لدول استكانت للهيمنة الأجنبية راضية مرضية، أو اعتبرت الاحتلال الأميركي إنجازاً وطنياً؟!
يتحوّل العدد إلى عبء، إلى جرس يعمّم الفضيحة!
22 دولة عربية، حوالى 300 مليون إنسان أكثريتهم في سن الفتوة، مواقع استراتيجية على محيطين، مشاطأة لأربعة بحور فضلاً عن الخليج العربي، ومواقع سيطرة على مضيقين حاكمين (بل هي ثلاثة إذا ما استذكرنا شرم الشيخ وخليج العقبة)، ملايين من الأيدي العاملة التي يغرق كل عام المئات وربما الآلاف منهم وهم يحاولون الهرب من أوطانهم المفقرة والمخضعة بالقهر، إلى دول »المنافي« ليبيعوا عرق جباههم فترفضهم وهي بأمسّ الحاجة إليهم بشرط أن يجيئوها »شرعاً«، فتكون حكوماتهم مسؤولة عنهم في حين أنهم من هذه الحكومات هاربون!
وفضلاً عن هذا كله ثروات طبيعية بمليارات المليارات من الدولارات، يعجز الحكّام حتى بالتواطؤ مع الأجنبي عن نهبها جميعاً..
كل ذلك لا يترك أثراً على قرار، لا في السياسة ولا في الاقتصاد، من تلك القرارات التي تتعلق بحياة هؤلاء الملايين من »العرب«، والتي يتخذها أو يستصدرها »الآخرون«، وبالتحديد المهيمن الأميركي الذي صار الآن محتلاً بعسكره، إضافة إلى المحتل الإسرائيلي الذي لا يكف عن التمدد حتى يكاد يلغي فلسطين (جغرافياً) بينما تعاونه الإدارة الأميركية على محاولة إلغائها سياسياً، بالاتكاء على بؤس سلطتها والعزلة العربية المفروضة على شعبها الذي يشتري أيامه بدمه.
… وفي المساء يجلس »العرب« إلى فضائياتهم يتفرجون على الدبابات الإسرائيلية وهي تطوّق جهاراً نهاراً »بيوت المطلوبين« وتأخذ في دكها دكاً، فتتهدم جوانبها ثم تتهاوى جدرانها ويسقط سطحها على الأحلام والذكريات وكراريس الأطفال وهدايا الزواج والكتب التي تحمل بين دفاتها رسائل الحب الأول على شكل فراشات ملونة.
لعلهم عند ذلك فقط يستعيدون وحدتهم وهم يبكون حاضرهم ومستقبلهم!

Exit mobile version