طلال سلمان

لا »عربية« لمذبحة لندن

صدمت المذبحة الجديدة للأبرياء في لندن العرب، في مختلف ديارهم، وزادت من مخاوفهم على مستقبلهم، بل وعلى صورتهم كبشر يحبون الأطفال والفراشات والورد ويعشقون الحرية ويتطلعون إلى الحياة بكرامة وإلى التقدم للخروج من وهدة التخلف التي تصورهم »ديناصورات« لا يستحقون أن يكونوا في الغد.
ليس أكثر تعاطفاً مع الابرياء المقتولين غيلة وظلماً من الابرياء المقتولين ظلماً وغيلة. الضحايا إخوة بغض النظر عن اختلاف اللغة والدين والهوية.
والعرب الذين يأخذون على الغرب أنه يمنعهم من حقهم في الحياة بجريرة حكامهم (وهم بغالبيتهم الساحقة من عملائه)، يترجمون نقمتهم في موقفهم السياسي، أي في إصرارهم على نيل حقوقهم في أوطانهم، وعلى بناء مجتمعاتهم على قاعدة من الديموقراطية والعدالة الحافظة لكرامة الإنسان.
وفي أي حال فإن بين العرب حزباً كبيراً من المعجبين بلندن، مدينة ونظام حياة، وعاصمة عريقة للديموقراطية، وإن كانوا لم يعرفوا من سياسات حكامها إلا الوجه الاستعماري في الغالب الأعم.
انهم يحبون مدينة الهدوء الغامض والأناقة الملكية بصدرها النهر الذي ترك له التنظيم هامشاً للعبث.
وبالتأكيد فإن المواطنين الطبيعيين، أي الأكثرية الساحقة الماحقة من العرب قد هزهم الحزن، أمس، وهم يتابعون أخبار التفجيرات الإرهابية التي استهدفت مواقع لا يمكن ان يكون فيها مسؤول خطير، أو »متآمر« جبار…
إنهم أكثر من يعرف معنى الفقد، وأكثر من يتوجع لقتل الأبرياء، ولاغتيال الرجال والنساء، المهندسين والعمال، الموظفين والسياح، وكل من كان يسعى في الطريق إلى رزقه… فإلى أي جهة، من أوطانهم، التفت هؤلاء العرب سيجدون مواكب القتلى بغير ذنب، والمقطعة أوصالهم بذريعة الانتقام للدين، لا فرق بين الأئمة والدعاة، الديبلوماسيين والسائقين، كما هو مشهد العراق تحت الاحتلال.
انهم ضحايا محتملون في أوطانهم، التي يطاولها الاغتيال كما في فلسطين بشعبها وبياراتها وزيتونها المقدس.
ثم إنهم مهددون في حقهم في المستقبل لأنهم »المتهم الفوري« بأية عملية إرهابية تقع في أي مكان في الدنيا.
إنهم المتهم الفوري، أمس واليوم وغداً، برغم ان ثمة بين مناطق التفجير في لندن أحياءً تزدحم بسكان مسلمين.
وهم المتهم الفوري مع أنهم يقدرون للشعب البريطاني موقفه الرافض لحرب احتلال العراق، حين اجتاحت ملايينه الغاضبة شوارع لندن وساحاتها معلنة رفضها هذه الحرب الاستعمارية الجديدة التي حاول جورج بوش أن يصنفها »صليبية«.
وهم المتهم الفوري مع أنهم يحفظون لعمدة لندن كين ليفنستون بالذات، مواقفه المتعاطفة مع فلسطين وشعبها، وهو كان قد صمد للاتهامات المتجنية على العرب والمسلمين بأنهم منبت الإرهاب وأداته.
إن اللبنانيين كما سائر العرب يشعرون في هذه اللحظة بتعاطف صادق، مع أهل لندن عموماً، ومع عمدتها خصوصاً، وهم شركاء للبريطانيين في حزنهم على الضحايا البريئة، بمعزل عن موقفهم السياسي من بلير وحكومته.
إن الإرهاب لا دين له.
وهؤلاء الذين ضربوا في قلب لندن هم إرهابيون، كائنة ما كانت هويتهم ودينهم.
لكن هذا لا يلغي أبداً حقيقة ان الاحتلال إرهاب للشعوب، سواء أكان أميركياً (بريطانياً) كما في العراق، أم إسرائيلياً كما في فلسطين… وأن مقاومة الاحتلال هي أيضاً مقاومة للإرهاب، كما أثبتت تجربة لبنان.

Exit mobile version