طلال سلمان

لا ذلك هو شعار

»لا..« ذلك هو الموقف، وتلك هي خطة العمل مع دخول »السفير« عامها الثلاثين.
لا، للغلط الذي قد يأخذ إلى الفتنة، في الداخل.. لا للانحراف الذي قد يدمر الدولة أو ما تبقى من مؤسساتها المتهالكة.
قد يقول قائل: إنه موقف خارج السياسة.. ولكن أين هي الحياة السياسية في لبنان (فضلاً عن الوطن العربي جميعاً بما في ذلك القمة البائسة التي ستنعقد بعد ثلاثة أيام في تونس، بمن حضر، وبعد تغييب كل المبررات التي تستوجب عقدها، والاطمئنان إلى إرجاء القرار، أي قرار، وكل قرار!).
لقد راهنت أكثرية اللبنانيين على العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، ولعلنا كنا بينهم.
وبرغم التحفظات الكثيرة على الافتراق بين »خطاب القسم« والقدرة على إنجاز الوعود التي تحتاج إلى ثورة مستحيلة في لبنان الطوائف والمذاهب والتوازنات،
وبرغم الاعتراض على (النبرة العسكرية) فيه والقفز من فوق المؤسسات، وأولاها المجلس النيابي الذي أقره رئيساً، بعد تعديلين للدستور من أجله،
.. فقد افترض حسنو النية أن يكون الخطاب فاتحة لتغيير منشود طال انتظاره، خصوصاً وقد ترك للعماد الذي بات رئيساً أن يخالف الأكثرية النيابية وأن يختار رئيساً للحكومة غير من اختارته، له من الرصيد ما يخفف نسبياً من وقع المخالفة.
.. وها هو صاحب »خطاب القسم« اليوم يعتذر عن عدم تنفيذه بذريعة أنه لم يجد من يخوض معه معركة الإصلاح!! متناسياً الوقائع المشار إليها آنفاً، ومتجاهلاً أن إدارته لحرب الانتخابات النيابية، وهو في ذروة قوته، قد انتهت بأن ألحقت به وبخطابه؟ وبكل وعوده وتعهداته هزيمة نكراء.
ومن قبل، كان كثير من اللبنانيين قد راهنوا على الرئيس رفيق الحريري، متخذين من نجاحاته خارج لبنان سنداً لجدارته، ومن مبادراته تجاه مواطنيه، وشبابهم على وجه الخصوص، وعاصمتهم بالتحديد، ما يبعث على الثقة بأنه سيحقق ما عجز عنه الآخرون.
وها الرئيس الحريري اليوم يعترف بأنه لم ينجح بقدر ما كان يقدّر، متذرعاً بأنه قد حورب وما زال يحارب حتى في ما من شأنه أن يخفف عن كاهل اللبنانيين التكاليف المرهقة للدين العام (باريس 1، باريس 2)، والتي ينذر تفاقمها بتدمير الاقتصاد، بل وبتجويع شعب لبنان العنيد.
ومن قبل افترض كثير من اللبنانيين أن توسيع المجلس النيابي لكي يستوعب فئات كانت في عداد المحرومين، وقوى أخذها الخطأ في النظام السابق على اتفاق الطائف إلى الحرب، سيؤدي إلى قيام مؤسسة دستورية تتولى الرقابة الشعبية على الحكم، فتمنع الانحراف أو تحد منه، وتمنع التجاوز أو توقفه تماماً، وتكون أداة ديموقراطية لتجاوز الطائفية.
فإذا المجلس النيابي يعاني من شلل بنيوي: تأتي به المحادل والبوسطات، وتغريه لعبة السلطة التي تستوعب »أكثرياته« المصطنعة، فيتخلى عن دور الرقابة والمحاسبة، ويغرق في بطالة قاتلة، بينما الحكم يوالي ارتكاباته مطمئناً إلى أن »المحاصصة« قد ألغت دور الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني، فمن يحاسب من ما دام الكل شركاء في المغانم، والتلويح بالمساءلة قد يفرط »التوافق« ويتسبّب بتصديع »دولة الطائف دولة السلم الأهلي«، وقد يربك »الإخوان السوريين« ويسيء إلى دورهم الإقليمي وسمعتهم الدولية؟!
* * *
آن أن تطلق »لا..« عفية، مشحونة بالغضب، تنبه من غفل، وتنذر بأن لبنان يمشي بخطى سريعة نحو كارثة تتخطى الشأن الاقتصادي الاجتماعي »لتبشر« بتجذر الانقسام الطائفي، بما يلغي الدولة المتهالكة الآن في ظل اقتتال حكمها المنقسم على ذاته.
لا، لكل الذين أخذوا السلطة باسم الناس ثم جعلوها في خدمة أغراضهم بدل أن تكون في خدمة الناس.
لا لكل الذين تاجروا بالطوائف فغنموا مع السلطة الثروات الحرام، وتاجروا بمقدرات الدولة وكأنها أملاكهم الشخصية موروثة عن أجدادهم الكرام.
لا، لكل الذين قامروا بالمال العام فزادت أموالهم بقدر ما تزايدت الديون على اللبنانيين، بما سيذهب بجهد جيل بل جيلين وربما أكثر، لسداد ما ضاع من رصيد ثرواتهم الوطنية المحدودة.
لا، لكل الذين عطلوا المحاسبة، فإذا كل أجهزة الرقابة مشلولة بالأمر.
لا، لكل الذين خرقوا حصانة القضاء وسيّسوه فعطلوه.
لا للذين خربوا الجامعة الوطنية فصارت مفرعة متهالكة، مفلسة، تنهشها الطائفيات المغلفة بالشعار السياسي، »طاردة« للكفاءات، مفتوحة للمطعون في أهليتهم الأكاديمية، بينما جامعات الطوائف (فضلاً عن الأجنبية) تخرج شبابنا الاكفاء ممن لا تجد طوابيرهم المميزة باجتهادها عملاً في وطنها فتأخذها إلى الأجنبي جاهزة، مؤهلة أحسن تأهيل.
* * *
ليس في هذه السلطة بريء. الكل شريك متواطئ، أو شريك مضارب.
والمناخ الطائفي المسموم يتكاثف في الأفق، بينما الانقسام الذي استولد الكانتونات الطائفية يتجذر ويكتسب المزيد من المسوّغات الواقعية التي سرعان ما يكرّسها القانون!
لا يستطيع واحد من أهل السلطة ان يدعي البراءة من دم هذا الصدّيق.
أما المعارضات، التي كان أبرز رموزها حكاماً أو متحكمين، فليس لها ان تدّعي ان برنامجها هو الأفضل… هذا إذا ما اعتبرناها موحدة، وإن كان لها، بالفعل، برنامج غير إزاحة القائمين بالأمر ليأتوا هم أو ليعودوا إلى السلطة، مستعجلين الحرب الأهلية.
ومن قبل، كان يقال ان لبنان »دولة قيد التأسيس«.
ها هي الدولة تكاد تندثر… ولولا الأمن لما تبقى منها رمز أو إدارة أو مؤسسة.
وصارت سوريا هي الذريعة، دائماً: هي الحامية أحياناً، وهي المستهدفة غالباً، يفترض الطامعون بالسلطة ان نفاقها يصنع
الحكام، وأن خصومتها تصنع الزعامات… الشعبية!
وصار الفلسطيني شيطاناً رجيماً، لو استطاعوا طرده أو رميه في البحر لما تورعوا.. فهو، في لبنان، سلعة طائفية تبني الزعامات وتؤهل للرئاسات… وتفيد أيضاً في جني الثروات. انه لا يحاسب فقط عن ماضي »سلطته« في لبنان، ولكنه يحاسب على مستقبله في أرضه، أو ما تبقى من أمل له فيها.
* * *
»لا ..« لكل هذا البحر من الغلط في الممارسة، الذي يأخذ إلى الانقسام فالفتنة.
ان نظاماً يعيش بلا حياة سياسية يقود إلى الدكتاتورية فإلى الخراب.
ان حكماً يقوم بلا رقابة شعبية سينتهي بتدمير البلاد.
ان الخلافات بين أهل السلطة تكاد تدمر الوطن.
انها شخصية غالباً، وغير موضوعية، ولا تتصل بمصالح الناس، ثم إنها تفتك بالمال العام وتذر قرون الفتنة بين اللبنانيين… وتعمق للكراهية بينهم وبين أشقائهم السوريين.
* * *
لا لتمديد عمر الأزمة، نعم لتجديد الحياة السياسية في لبنان.
لا لنفاق سوريا، نعم للتحالف المكين مع سوريا في صمودها.
نعم لتعزيز قدراتها على المواجهة المفروضة عليها، نعم للتضامن المطلق مع شعبها الشقيق وحكمها الذي تشتد عليه الضغوط لحرفه عن خطه القومي ولمنعه من استكمال خطته الطموحة إلى الاصلاح من داخل موقعه الوطني لا من خارجه، وهو لا يفتأ يقاوم بشجاعة من يعرف عدوه.
* * *
لا، للاحتلال، إسرائيلياً في فلسطين يفتك بمناضليها وزهرة شبابها، ويفتت أرضها تمهيداً لابتلاعها وشطب حلم الدولة لشعبها الموزع بين الشهادة والتشريد، وأميركياً في العراق، يهدد وحدة شعبه وهوية كيانه السياسي بذريعة »حقوق الأكراد« وسائر الأقليات، الذين احتضن العرب عموماً، ومنذ قرون، قضيتهم فلم ينكروا عليهم مواطنيتهم ولا حقوقهم الطبيعية داخل الوطن الواحد والهوية السياسية الجامعة.
لا للقهر، لا للظلم، لا للديموقراطية بدبابة المحتل، لا للعدالة الطائفية على حساب وحدة الوطن.
ان مهمتنا ان نكافح الغلط، حيثما وقع.
مهمتنا ان نقول »لا..« لكل متسلط، ولكل مرتكب، ولكل خارج على القانون باسم »المحاصصة الطائفية«.
وسنقولها: لا، مدوية، في كل ما نكتب.
ذلك هو عهد »السفير« في عيدها الثلاثين.
وكل عام وأنتم بخير.

Exit mobile version