طلال سلمان

لا خطر من حرب اهلية

يحاول بعض أقطاب اللعبة السياسية في لبنان استدراج حزب الله للمنازلة على أرض غريبة عليه، وفي لعبة لا يتقنها وقد تعوّد أن يتجنبها حتى لا تشغله عن المهمات التي نذر رجاله أنفسهم لإنجازها وهي: تحرير الأرض المحتلة والإرادة الوطنية الأسيرة نتيجة لهذا الاحتلال. إنهم يريدونه أن ينحدر من علياء مقاومته إلى مستنقع الفتنة والحرب الأهلية.
فمن نذر نفسه لقتال العدو الإسرائيلي لا يمكن أن يكون طائفياً أو مذهبياً، وإلا لانتفت أسباب المقاومة… فالطائفي أو المذهبي ليس متضرراً من الاحتلال الإسرائيلي، بل هو على الأرجح مستفيد منه… فالدولة القائمة على الدين بعد تجريده من روحانياته وتحويله إلى حركة سياسية، ولو عنصرية، هي مطمح و محط آمال الذين تأخذهم الطائفية إلى الانغلاق وحماية أنفسهم بالألغام ضد الآخرين، ولو كانوا شركاءهم في الوطن . والمشروع الإسرائيلي بنجاحاته التاريخية يغري بالتقليد. ومن هنا فإن العديد من حركات التطرف الديني أو المذهبي أو العرقي قد وجدت في إسرائيل حليفاً موضوعياً ، فاتخذت منها مثلاً أعلى، وحاولت تقليدها، حتى لو كانت تعي أن العالم كله لا يتسع لأكثر من إسرائيل واحدة، وأن الحركة الصهيونية نشأت في ظل صراعات فكرية وسياسية هائلة، واكتسبت مشروعيتها كونها لبّت احتياجات ومصالح قوى دولية حاسمة في تأثيرها على مصائر الشعوب المستضعفة، وتلك مسألة أخرى.. فلنعد إلى لبنان وإلى المحاولات المحمومة للتهييج الطائفي والمذهبي.
يدرك أقطاب اللعبة السياسية في لبنان، لا سيما من وصلوا إلى موقع الزعامة عبر أدوارهم في الحرب/الحروب الأهلية التي امتدت دهراً، أن حزب الله لا يمكن أن يترك العدو الإسرائيلي وينصرف عنه إلى الداخل، لمواجهة معارضيه أو من اندفعوا في
خصومته إلى حد تسفيه جهاده، وتشويه انتصاره، وتحريض اللبنانيين عليه لأنه أقوى مما يجب وأن قوته تخلخل الصيغة .
وهم يعرفون، بثقة مطلقة، أن حزب الله لا يمكن أن يشهر سلاحه ضد أي طرف في الداخل، حتى لو أخذ عليه الظهور بمظهر الضعيف والمكره على التنازل. فلم تكن السلطة، في أي يوم، مطمحاً لهؤلاء المجاهدين الذين يبذلون أرواحهم رخيصة في مواجهة العدو ، والذين يعرفون أن موقعهم المميز في نفوس اللبنانيين ناتج، بالأساس، عن كونهم نأوا بأنفسهم عن مباذل اللعبة الداخلية ومحترفيها من الزعماء الذين يتباهون بالمجازر المنظمة التي فتحت خنادق من دم بين اللبنانيين أنفسهم، كما بين اللبنانيين والفلسطينيين، واللبنانيين والسوريين إلخ..
بالمقابل فإن أهل المقاومة يدركون بوضوح الأهداف من محاولة جرهم إلى هذا الفخ، وأولها طمس فشل العدو الإسرائيلي في طحن المقاومة وجعلها فتافيت، برجالها ونسائها والأطفال ! أما الهدف الثاني فيتصل بما يدبر للمشرق العربي من غزة حتى حدود إيران، أي في فلسطين ولبنان والعراق (وربما في الغد سوريا)… فأكثر ما يخفف على الاحتلال الإسرائيلي، كما على الاحتلال الأميركي، أن تنشغل هذه الشعوب بذاتها، فتقتتل، وتضيع عن أهدافها الأصلية بعدما تعميها لوثة الدم ونزعة الثأر عن عدوها الحقيقي، فتكون فتنة… ويتحقق عندها لإسرائيل النصر الذي فشلت في إنجازه في لبنان، وللإدارة الأميركية مشروعها الأثير: الشرق الأوسط الجديد .
ولا خطر من حرب أهلية، لأن المنتفعين بها أقل تأثيراً من أن يجبروا اللبنانيين على تجرع الكأس المرة، مرة أخرى… ولأن أهل المقاومة يعرفون أن الجهاد ضد العدو هو بذاته المضاد الحيوي ضد الحرب الأهلية، لأنه يحصّن الشعب ضدها، ويجعله لا يضيع عن عدوه الذي سيبقى عدوه: إسرائيل.
أما أقطاب اللعبة السياسية الداخلية فلا يقدرون، حتى لو رغبوا وثمنوا وأرادوا وعملوا بكل جهدهم، على إشعال حرب أهلية… فرقصة الموت تحتاج الى لاعبين ، واللاعب الثاني مشغول بأمور أخرى، يتقنها أكثر من الرقص على قبور الأهل!

Exit mobile version