طلال سلمان

لا خطر على تفاهم نيسان

من الصعب التعاطي مع الاتفاقات الدولية، المرتكزة إلى توازنات القوى والمصالح، بأسلوب المماحكة اليومية في الشأن المحلي، وهو أسلوب ينجح بمقدار ما يجافي العقل والمنطق ويخلخل التوازنات القائمة..
وعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن »تفاهم نيسان« ليس كمثل »الورقة الإصلاحية« التي وقّعها أطرافها على غير اقتناع وبوعي كامل بأنها لن تطبَّق وأنها »هدنة« قصيرة بين خلافين على توزيع مغانم السلطة.
على هذا، فلا خطر على »تفاهم نيسان«، وهو باق وصامد حتى تنتفي الحاجة إليه، وبالتحديد حاجة الأطراف الأقوى، أي إسرائيل أولاً والولايات المتحدة الأميركية ثانياً..
ليس التوكيد مجرد استنتاج يتم التوصل إليه بالاستدلال المنطقي.
إن »تفاهم نيسان« كأية تسوية مؤقتة لنزاع مفتوح، يحقق أهدافاً أكيدة لأطرافه كافة، الأقوى فالأقل قوة وصولاً إلى الأضعف من بينها.
وحين تمّ التوصل إليه لم تكن قوات المقاومة، أو جحافل الجيش اللبناني تدق أبواب تل أبيب، ولا كانت سوريا قد اتخذت قرار الحرب مع إسرائيل، من ضمن إجماع عربي وتحت مظلة تأييد دولي واسع..
كانت إسرائيل هي التي شنت حرباً بشعار الأرض المحروقة ضد لبنان، من أقصى جنوبه، إلى ضواحي عاصمته (الجمهور) وصولاً إلى قلب المتن الشمالي (محطة التحويل الكهربائية في بصاليم)، إضافة إلى الحصار البحري لموانئ الجنوب (صور وصيدا) مع التضييق على مرفأ بيروت.
ولقد بلغت تلك الحرب ذروتها المأساوية بمجزرة قانا التي جاءت تتويجاً لمجازر أخرى في النبطية والمنصوري، وخرقاً فاضحاً لآخر رموز الشرعية الدولية إذ أن المذبحة الإسرائيلية ارتكبت عمداً وفي وضح النهار في قلب مخيم لقوات الأمم المتحدة التي جاءت إلى لبنان في العام 1978 للمباشرة في تنفيذ القرار الشهير: 425.
وكلنا نذكر التصرف الأخرق لوزير الخارجية الأميركي، آنذاك، وارن كريستوفر، حين قطع الاتصال مع الطرف العربي المعني، في انتظار أن يأتيه نداء استغاثة بطلب وقف إطلاق النار، مع التعهّد بتلبية الشروط الإسرائيلية.
ليس إلا بعد مذبحة قانا، بردود الفعل الدولية المتعاطفة مع الضحايا والمستهولة حجم الاجتياح بالنار الذي تشنه إسرائيل، بتأييد أميركي معلن، حتى أعاد كريستوفر الاتصال، وبدأت »حرب وقف النار« التي شارك فيها بعض الدول الكبرى أبرزها فرنسا ووزير خارجيتها بطل الصمود هرفيه دو شاريت، وروسيا، إضافة الى إيران الخ..
ما لنا وللذكريات. تكفي الوقائع الإسرائيلية الراهنة.
قبل أيام، وجّه عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، والقائد الأسبق للجبهة الشمالية في إسرائيل، أوري أور، انتقادات شديدة للسياسة الإسرائيلية القائلة ب»محاربة الإرهاب في كل زمان ومكان« وقال: لقد نضجنا في لبنان، وتبيّن لنا أن هذا الشعار فارغ وغير دقيق..
أضاف أور: إذا كنا نريد الحزام الأمني فإن علينا المحافظة على تفاهم نيسان.. إن إلغاء هذا التفاهم يمكن أن يجر إلى إلغاء الحزام الأمني.. وإذا ما دخلنا الآن إلى مسار نضرب فيه البنى التحتية اللبنانية وهم يضربون المستوطنات الشمالية فإنه لا حاجة أبداً للحزام الأمني.. وفي اللحظة التي يجري فيها كسر هذا التوازن الدقيق يجب أن نتوقع كل رد ممكن… ولقد تعلّمنا أنه بالقوة لا يمكننا أن نحل المعضلة اللبنانية.
ومع أن رئيس حزب »العمل«، ورئيس الأركان السابق لجيش العدو، إيهود باراك، يعتبر »أن أي تفاهم يتم التوصل إليه بعد كل عملية إسرائيلية واسعة (»تصفية الحساب« ثم »عناقيد الغضب«..) لا يصمد أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات.. والخيار أمامنا محدد: اما التوجه نحو تصعيد العمليات الواسعة، أو محاولة استئناف المباحثات مع السوريين والعمل بجد لإخراج الجيش الإسرائيلي ضمن اتفاق مع لبنان.. وأنا أفضّل الحل الثاني.«.
وقبل ثلاثة أيام، وإثر ليلة الكاتيوشا التي أعقبت اغتيال الشهيد حسام الأمين، وفي مداولات المجلس الوزاري المصغر، تحدث ثلاثة وزراء إسرائيليين فقط عن أن الوقت قد حان لرفع مستوى ردود الفعل الإسرائيلية وضرب البنى التحتية المدنية في لبنان.. لكن الميل العام كان نحو الاستمرار في ضبط النفس بغية تحقيق الهدوء، ولكن كل شيء هش. وقبل كل عملية تسود الحيرة. والاعتبارات المركزية لتنفيذ عملية موجودة هنا: أن تتم في لبنان بشرط عدم الخروج على تفاهم نيسان.
إن »تفاهم نيسان« شكّل في لحظة إبرامه، كما يشكل حتى هذه اللحظة، مكسباً لكل طرف فيه: الأقوى فالأقل قوة وصولاً إلى الأضعف.
وحتى إشعار آخر فإن الأقوى ما زال يراه صالحاً لمواجهة ما هو قائم على الجبهة مع لبنان، بكل ما تعكسه من توازنات وما يعنيه انهيارها من مخاطر.
لذا فلا خطر على تفاهم نيسان.. حتى إشعار إسرائيلي آخر!

Exit mobile version