طلال سلمان

لا تنتظر أحداً.. ابداً

لا تنتظر احداً. العرب هم لا أحد. أنظمة داشرة. قيادات سحيقة أو مسحوقة أو ساحقة. شعوب بأزياء دينية متنافرة. قضايا مسحوقة ومهملة. الخلاصة: لا عرب اليوم. لا عرب غداً.

اجتمع العرب في السعودية. الجملة غلط. لم يجتمعوا. تجمَّعوا من كل “وادٍ يهيمون” .الجامع المشترك بينهم هو عداواتهم. وعداواتهم على قياس اسلامهم المتذهب سنيا وشيعياً وعشائرياً. سموا اجتماعهم “قمة القدس”. صح. المقصود، أما القدس الشرقية أو، بالتورية، “قدس ترامب”. أما القدس العربية فمتروكة في عهدة صلاح الدين، وليس بين قادة الانظمة من يمت اليه بصلة.

“الأمة” على تراثها الممزق. لا يوحدها إله واحد، ولا سيرة واحدة ولا حديث صحيح. شيء من “السقيفة” و”الفتنة” و”الطف”. الكل يرفع المصاحف، ليس للصلاة، بل لإخفاء السيوف. شعوب بصيغة التآكل. صار وجودها وعدمه سيّان.

لا تنتظر أحداً. فلسطين وحدها وحيدة. لا وقت لفلسطين بعد اليوم. “اسرائيل” هي القبلة، والحج السري اليها صار علنياً. بلا خجل او ندم. خيانة تامة بصفة حل دائم. صفقة العصر تسير بسرعة. التخلص من فلسطين والفلسطينيين معاً، هو الحل. “بلاد العرب أوطاني” تتسع للاجئين. يسخون عليهم بتوطين ووطن بديل، وطن غصبا عنهم، بلا سلطة. مجرد اتباع او برتبة ارقام. القدس. إنسَى. من النهر إلى البحر. اياك. حدود الخامس من حزيران: امحاء. دولتان: دولة تامة لليهود، ودويلات لفلسطينيين بلا طرقات. حتى هذا بات خلفنا… كما يكون العرب اليوم، بلا عروبة ولا اوطان، كذلك الفلسطينيون غدا، بلا فلسطين ولا قدس. فقط شتات.

فإياك أن تنتظر احداً. “النخب العربية” ملحقة. يفتنها الريال والدينار والدولار. تُقبِّل اليد المانحة ولا تدعُ عليها بالكسر. تنظر لمجد الهزيمة بواقعية الانكار التي تنبت في حثالة الانبطاح. “نخب” ثرية تصف النخب النظيفة الضئيلة بالتخلف. التجرؤ على الخيانة بطولة، تبررها ثقافة النعامة.

لا تنتظر احداً. المخيمات الفلسطينية افرغت من حلم العودة. قلة قليلة تذكر بالعودة، وقد لا تصدق شعارها. الطريق إلى فلسطين مقفلة من كل الجبهات الصامتة والمحروسة بعناية فائقة من الانظمة الداشرة. الطرقات سالكة بين تل ابيب وعواصم الخليج وبلاد المغرب البعيدة. الأونروا ستحذف أسماء من معهم اقامة أو جنسية اجنبية. في رأيها ورأي وزير خارجية لبنان، من يستوطن بلداً، يفقد صفة اللجوء. يحذف من قائمة فلسطين. يصير رقماً في بلاد الله الواسعة.

ضعف العرب سياسة متعمدة. الضعف مسار ارادته الانظمة. مقابل ذلك تستقوي على شعوبها. تجبن امام “اسرائيل” وتتجبر على مواطنيها. يتساوى الملوك والامراء والرؤساء واتباعهم في فلسفة القمع. من يقمع شعبه ويسوقه سوق النعاج، يقبل أن يساق من انظمة الاستبداد الدولية، ويطلب رضاها، ويأمل بمحاسبة “عادلة” تعود عليه بالرضى الدولي.

العرب نظرياً أقويا: اموال سيالة وطائلة. مواقع استراتيجية ذات حساسية عالمية. شعوب تنسل اجيالاً من الملايين بصفة كائنات مطيعة. ثروات طبيعية فائقة المال، تذهب علانية إلى دول العالم، ويحرم من استثماراتها شعوب تجوع وتشقى وتهرب عبر قوارب الموت في المتوسط، مقبرة الفقراء العظمى… العرب اقويا جداً: انظمة ويتعاملون مع الغرب المؤيد لإسرائيل بكرم لم يصل اليه حاتم طي. وظيفة أنظمة الرعاية الغربية، أن تنهش بلداً عربيا مجاوراً غير مطيع. نهشوا العراق، ينهشون سوريا، مستفرسون على اليمن، متسامحون مع التطرف، ويبيعونه في كل الحروب.

لا تنتظر أحداً. السلام العربي سيكون اجنبياً: اميركيا، فرنسيا، بريطانيا، روسيا، تركيا، ايرانيا. ولا عربي له حق الحضور في تقرير مصير “امة العرب” التي باتت امما بلا عرب. العراق نموذجاً لم يكتمل نصابه الفيدرالي، ولم تلتئم احقاده المذهبية المتفشية. العراق، ليس عراقاً واحداً، ولا هو دولة محروسة من ابنائها. هناك شراكة وحيدة بين جميع الاطراف، هي شراكة النهب. سوريا متروكة لمصيرها. السنوات السبع برهان على موت العروبة ومقتل الوطنية. دمشق غداً، من يعرف كسيف ستكون؟ العرب المستغربة ترقص رقصة القبور في سوريا، وتراهن على موتها. بالأمس خانها دونالد ترامب، لأنه لم يدمرها عن بكرة ابيها.

ويسألونك لماذا تتوغل في المنطقة؟ ولماذا تمد يدها تركيا إلى حيثما تشتهي؟ وكم ستكون حصة الروس؟ وهل ترضى اسرائيل على الصفقة بدون سلام خاص من جهة الجولان ولبنان؟

بلى! في وحلة هذه العتمة الدامية، أمل ثابت، اثبت قدرته على التفوق. لا يعرف الهزيمة. مثابر على التطلع إلى الافق الفلسطيني من فوهة البندقية ومنصة الصاروخ. بلى! في لبنان المتعثر جسم معافى فلسطينيا. هزم اسرائيل ومستعد لهزيمتها مرة تلو مرة. ففيما تخشى انظمة عدم رضى اسرائيل وتعمل على ضمانتها، تتجرأ المقاومة على تهديد اسرائيل جدياً، وإن قررت تفعل. تنتظر التوقيت المناسب للانتصار. بلى! في لبنان مقاومة تخشاها اسرائيل الجبارة.

بلى ولكن، هذا غير كاف. الانتصارات التي سجلتها المقاومة الوطنية والاسلامية على الاحتلال الاسرائيلي محاطة بأعداء الداخل. أمة العرب من المحيط إلى الخليج لا تريد أن تسمع “حزب الله”. البعض اتهمه بالإرهاب، وهو يشن الحرب عليه هنا وهناك وعند الغرب كذلك.

انتظر دائماً اللحظة السياسية التي تتعثر فيه السعودية وممالك وامارات الخليج. انتظر الفشل الذي ستصاب به انظمة الاستجداء والبيع والشراء والاستقواء. لا شك انها ساعة قادمة.

الاصوات اللبنانية المضادة للمقاومة، تصمت، عندما تسكت دول الخليج السعودية، وعندما يتوقف السخاء المالي.

كل ما عدا ذلك غلط. عسى الا تغلط المقاومة في خياراتها اللبنانية الداخلية. الانتخابات تجربة للمقاومة، لأن اقامتها في لوائح فاقدة الثقة، تحتاج إلى وقت للشفاء.

لا ننتظر من هذه الانتخابات الا معجزة عودة المشكو منهم والمتهمين بإيصال لبنان إلى دولة مفلسة مالياً وسياسياً وأخلاقياً وفلسطينياً.

Exit mobile version