طلال سلمان

لا بوادر سياسية ووضع معيشي خانق

غزة ـ حلمي موسى

كان القصف في خانيونس كثيفا للغاية الليلة الماضية أيضا. وبالرغم من أننا مازلنا بخير، إلا أن الغموض يكتنف الموقف. لا معلومات مؤكدة عن حدوث أي تقدم غربي خانيونس، إذ أن الاحتلال يركّز حاليا على شرقيها. لكن المدفعية والزوارق والطائرات الحربية لم تتوقف عن القصف.

وواقع الحال في بيوت من تبقوا في خانيونس هو نوع من الصراع مع الذات حول ما هو الافضل: البقاء أم الانتقال الى رفح؟ وطبعا، ليست هناك أي إجابة شافية. في رفح، يتكدّس مئات الألوف من الناس في العراء وفي الشوارع بعد امتلاء مراكز الايواء. وفضلا عن ذلك، هناك كلام عمّا يشبه المجاعة هناك. والوضع نفسه قائم في خانيونس وفي المنطقة الوسطى. ويبدو أن الاحتلال، بما اقترفه في محيط جباليا، قد أثار المخاوف من إمكانية تكرار الأمر ذاته في كل منطقة يحتلها.

وتجدر الإشارة إلى أن النازحين لا ينحصرون في رفح، إذ يوجد مئات الآلاف منهم في كل من النصيرات والبريج والمغازي ودير البلح والمناطق المجاورة كلّها، بالإضافة إلى مئات الآلاف ممن بقوا في مدينة غزة وشمالها. لذلك، فأن الضغط النفسي الذي يخلقه القصف يدفع الناس الى الاعتقاد بأنهم الوحيدون الباقون وهو ما يضاعف التوتر الداخلي.

في كل الأحوال، لا تظهر حتى الآن أي بوادر لأي تحرك سياسي عام. كما أنّ قرار فتح معبر كرم ابو سالم لوصول حجم أكبر من المعونات الانسانية لا يعني شيئا من دون ضمان الحركة الآمنة، على الأقلّ في شوارع محددة، لضمان وصول المعونات للمحتاجين. وربما يبشّر هذا الخبر بتغير طفيف ما.

إلى ذلك، فإن تزايد ضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين على حكومة نتنياهو قد يدفع نحو تغيير في موقف العدو المتصلّب بشأن الهدنة وعمليات التبادل. كما أن الضغط الدولي في الامم المتحدة وإمكانية صدور قرار دولي ملزم بوقف النار او بهدنة إنسانية، كله قد يخلق أجواء جديدة. وفي هذه الاثناء، تتواصل المقاومة تقريبا في كل مكان ويدفع العدو طوال الوقت ثمن عدوانه مثلما ندفع نحن ثمن المقاومة والصمود.

وعموما، كلنا امل بأن تنتهي هذه المواجهة بفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه وبدء تراجع مشروعه في عموم المنطقة.

“يوميات خانيونس”

في البيت حيث أقيم، نموذج مصغر لبيوت كثيرة في قطاع غزة بصرف النظر عن موقعها الجغرافي. أهل البيت ونازحون اليه. وبالطبع، فإن الأجواء ضاغطة جدا بسبب القصف، لكن القصف ليس الهمّ الوحيد.

فالهم الأكبر، بعد الأمان، هو تأمين المستلزمات الضرورية من طعام وشراب. وتتربع على رأس الهموم المياه الصالحة للشرب والمياه للغسيل والنظافة. ويُعدّ تأمين كوب من المياه للغسيل والاستحمام مهمة شاقة جدا، ومكلفة جدا. فتأمين هذا الكوب يحتاج الى ساعات من الاتصال مع أكثر من جهة والمهمة صعبة.

ويتم نقل المياه حاليا بعربات “كارو”، ومعظم البيوت هنا متعددة الطوابق، ما يجعل ضخ المياه الى الأعلى مشكلة إضافية. وتتفاقم المشكلة اذ أن ذلك يتطلب مولّد لتشغيل مضخة تدفع الماء الى الأعلى. والمولد يحتاج الى وقود او حتى غاز لتشغيله. وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية.

وللتدليل، فإن ثمن ليتر من البنزين، إذا توفر، لا يقل عن عشرة الى عشرين دولارا. كما ان نقل كوب من الماء يكلف ما لا يقل عن ١٠ الى ١٥ دولار.

وهذه كلها مشاكل لا تقارن بمشكلة توفر المواد الغذائية. وطبعا فإن أول ما يتبادر الى الذهن هو الخبز. وهنا نتحدث عن المخابز وهي جميعها مغلقة بقدر ما أعلم، وفي كل المناطق. ولذلك، يدور الحديث عن الطحين وهو أشبه بالعملة الصعبة في وقت التضخم. ففي خانيونس مثلا، حيث الوضع أفضل من شمالي غزة، يبلغ سعر كيلو الطحين حوالي ثلاثة دولارات. في غزة المدينة، ربما يصل السعر إلى عشرة دولارات. ومن يحتاج ولا يتوفر له، مضطر للشراء. وارتفعت أسعار المواد الغذائية كلها تقريبا بصورة خيالية.

صحيح أن لجنة الطوارئ في محافظة خانيونس حددت تسعيرة للمواد وحذرت من تخطيها وهددت بمعاقبة من ينتهكها الا انه يصعب التحكّم بالوضع على الأرض.

وطبعا، هذه مسائل يمكن أن يقال عنها الكثير، وتختلف التفاصيل من منطقة الى أخرى. والحديث عن المعونات كثير، لكن ما يصل فعليا قليل ويمكن القول ان الغالبية الساحقة من الناس لم يصلها اي شيء. بل ان وكالة “الاونروا” التي أعلنت انها ستوفر الطحين لكل سكان غزة عجزت حتى الان عن توفيره لكل العائلات التي يقل عدد افرادها عن ستة. ما يشير الى انعدام القدرة على تنظيم شؤون الحياة، حتى بعد مرور شهرين على بدء الحرب. وللحديث بقية….

Exit mobile version