طلال سلمان

لا بد ان لسوريا اسبابها ولكن هل اميل لحود صديقها وحيد

لم يستفق اللبنانيون من صدمتهم بقرار التمديد، بعد..
ولم يتفضل عليهم أي مسؤول كبير بشرح المبررات الفعلية لهذا القرار المباغت، بعيداً عن وقائع الجلسة الكاريكاتورية لمجلس الوزراء التي تمّ فيها استصدار القرار في ما يشبه الخلسة، ثم لم يجد من يصد عنه الحملات التي استقبلته، بل هي قد استبقت صدوره… المقرّر سلفاً والذي جاءت الجلسة »على الواقف« لشرعنته في عشر دقائق تاريخية!
ولأن اللبنانيين المفجوعين في مؤسساتهم الدستورية وفي شاغلي قمة السلطة، لا يريدون أن تهتز ثقتهم بالقيادة السورية فهم يحاولون أن يستشفوا، بالتكهّن أو بالتحليل، أسباب استعجالها صدور هذا القرار، وكأنما هي »الفرصة الأخيرة«!
ربما لهذا يقول اللبنانيون في محاولة لتفسير ما يصعب عليهم فهمه وقبوله:
لا بد أن سوريا تقدّر أنها ستواجه حرباً عليها انطلاقاً من لبنان، تستهدف قيادتها في دمشق حتى أعلنت هذا الاستنفار الشامل لحلفائها وأصدقائها وطلبت إليهم أن يتخذوا مواقعهم خلف القائد الموثوق والذي لا بديل منه ولا شبيه له، وإلا كانوا كمن يتخلف عن واجبه ويفرّ من الميدان في زمن الحرب..
ويقول اللبنانيون، من قلب دهشتهم:
لا بد أن سوريا ترى غير ما نرى، وهي بالتأكيد تعرف ما لا نعرفه، ومن حقها أن تتحوّط للأصعب، ولكن لماذا لا تريدنا لها شركاء؟!
لا بد أن سوريا تستعد لمواجهة الحملة الأميركية الإسرائيلية الخطيرة التي تُشن عليها منذ بعض الوقت، مركزة على لبنان ورئاسته ومواقفه الرسمية المؤيدة لها.
ولا بد أن سوريا قد حاولت الربط بين هذه الحملة وبين بعض التحريض الفرنسي والذي أخذ يتوسع فيشمل بعض أوروبا، متخذاً من الدستور وضرورة احترام نصوصه الضامنة لتداول السلطة مبرراً »للهجوم الكبير«..
ولكن اللبنانيين يرون أن حقائق الحياة قد أثبتت وبالدليل الذي لا يدحض أن رصيد سوريا في لبنان عالٍ جداً وثابت جداً، وأن الغالبية الساحقة منهم بمختلف تلاوينهم السياسية وانتماءاتهم الطائفية قد أكدت وقوفها مع القيادة السورية في وجه الحملات المنظمة التي شنتها وتشنها عليها الإدارة الأميركية، ودائماً بالتحالف مع إسرائيل..
ولا بد أن سوريا قد حفظت التقدير للمرجعيات الدينية، وعلى رأسها البطريرك الماروني، وللقيادات السياسية، بيمينها واليسار والوسط والبين بين، التي جهرت بشجبها القانون الأميركي »لمحاسبة سوريا واستعادة السيادة في لبنان«.
لا بد أن سوريا تتحوّط لأمر لا يعرفونه، يقول اللبنانيون، قد يكون أشد وأدهى من ذلك القانون بتطبيقاته التي تكاد تكون حصاراً كاملاً، وقد يتمدد إلى فرض عقوبات عليها..
لكن اللبنانيين يستدركون فيقولون: ولكن الأكثرية الساحقة منا وقفت إلى جانب سوريا مع وعيها أن الحصار سيشملها مع العقوبات، إن فرضت… فنحن معها في السراء والضراء، وهذا ثابت..
ويقول اللبنانيون الذين استقبلوا الرئيس السوري بشار الأسد مستبشرين بحيويته وبرغبته المعلنة في الإصلاح، مقدّرين شجاعته في خطابه السياسي، بغير نزوع إلى الاستفزاز أو التحدي، وأخذه بمبدأ الحوار حتى مع الخصوم:
إذاً لا بد أن لسوريا أسباباً غير ما نعرف أو نقدّر لقرارها المباغت..
لا بد أن لإميل لحود صفات استثنائية لم نعرفها عنه طوال خمسة عشر عاماً، تسعة منها في قيادة الجيش، حيث كانت سلطته مطلقة، وستة منها في رئاسة الجمهورية حيث أضاع سنتين ثمينتين في محاولة تصغير غيره من القيادات السياسية أو إلغائهم حتى لا يشاركه في السلطة أحد، أما السنوات الأربع الأخيرة فلا تصلح شهادة على النجاح بل هي أقرب لأن تكون مدوية بفشلها في معالجة وجوه الخلل في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وللأمانة فإن إميل لحول لا يتحمل وحده المسؤولية بل إن معه كل من شاركه الحكم.
لا بد أن سوريا عرفت فيه من المزايا ما لا تضمن توفره في غيره، فقررت أن تمد له في الولاية، بكل ما يتطلبه المد من تعديل للدستور، وهو أمر نافر وغير شعبي، يهز الثقة بالمؤسسات وبالدولة عموماً، وهو ما لم يكن يتطلبه اختيار أي من أصدقائها الكثر لرئاسة الجمهورية..
ومع أن اللبنانيين يرفضون، من حيث المبدأ، التفويض المطلق لأي من الرؤساء أو السياسيين عموماً، كما يرفضون احتكار أي من هؤلاء الحق في صداقة سوريا (ناهيك بشرف الدفاع عنها) فإنهم لا يملكون أن يهربوا من مواجهة أسئلة جدية من بينها:
لا بد أن لسوريا أسبابها، ولكن بماذا يمتاز إميل لحود على جان عبيد، مثلاً، وهو صديق تاريخي للقيادة السورية منذ أربعين عاماً، وهو لم يتخل عن موقفه يوماً لا تحت ضغط التهديد بالقتل الذي شمل أسرته، ولا عندما خطفه التطرف المضاد واسترهنه لأسابيع دون أن يغيّر حرفاً في آرائه أو مواقفه، وقد تدخل الرئيس الراحل حافظ الأسد، شخصياً، وفي سابقة مشهودة، لحماية حياته وإطلاق سراحه… ثم توالت عليه التزكيات لصدقه في التزام الصداقة مع سوريا، نيابة ووزارة، و»وكيلاً« عنها في المحافل الدولية لعمق إيمانه بوحدة المصالح والمصير معها.
لا بد أن لسوريا أسبابها، ولكن بماذا يمتاز إميل لحود على ميشال إده، الذي لعب دوراً مميزاً في فضح الصهيونية، كعقيدة عنصرية، وفي تدعيم منطق المقاومة، وفي كشف المخططات الإسرائيلية ضد شعب فلسطين وسائر العرب، والذي رد ذات يوم على المطالبين بالخروج السوري مطلقاً جملته الشهيرة: أنا مستعد أن أنام أمام الدبابات السورية لأمنع مغادرتها لبنان وتركه لمخاطر الاجتياح الإسرائيلي والهيمنة الأجنبية؟
لا بد أن لسوريا، أسبابها، يقول اللبنانيون، ولكن بماذا يمتاز إميل لحود على نسيب لحود، الذي عرفته القيادة السورية كصديق، من خلال مهمته الرسمية الأولى كسفير للبنان في واشنطن، ثم من خلال عمله السياسي كنائب قطب حاز احترام الناس ولم يجرفه التطرف ولا جارى الحمى الطائفية ليصير زعيماً لفئة على حساب الوطن.
.. وبماذا يمتاز إميل لحود على مخايل الضاهر الذي رشحته القيادة السورية رئيساً في وجه الضغوط الأميركية وأبطال الحرب الأهلية في لبنان في العام 1988، وعندما تقصّد أمين الجميل تعطيل انتخاب بديل منه بعدما انتهت ولايته المعروفة ظروفها »الديموقراطية«..
وبماذا يمتاز على فارس بويز الذي »عيّنه« الرئيس الراحل حافظ الأسد وزيراً للخارجية وكان يعامله وكأنه وزير خارجية ثان لسوريا.
… وبماذا يمتاز إميل لحود على بطرس حرب الذي حرص على أن يبقى في موقع صديق دمشق، حتى وهو يجهر بمعارضته لكثير من السياسات الداخلية..
وبماذا يمتاز إميل لحود على نايلة معوض وروبير غانم وغيرهما من المرشحين سواء الذين أعلنوا ترشيحهم أو أنهم كانوا ينتظرون إشارة تشجعهم، أو »يدخرون« أنفسهم كاحتياط استراتيجي؟!
* * *
إن اللبنانيين الذين يحفظون التقدير للقيادة السورية لم يعرفوا، على وجه الدقة، الأسباب التي حدت بها إلى التمسك بإميل لحود رئيساً، خلافاً للنص الدستوري، وتخصيصه بامتياز استثنائي، في حين أن تجربته في الحكم لم تكن لبنانياً ناجحة، بل هي إلى الفشل أقرب، برغم كل الدعم الذي تلقاه وكاد يلغي كل من اشتبه في أنه يخاصمه.. ولا يمكن تبرير الفشل بأنه لم يكن مطلق اليد بسبب من نقص في الصلاحيات، بل الواقع إنه ألغى غيره وصلاحيات غيره حتى تعطلت آلية الحكم أو كادت..
من هنا افتراض اللبنانيين أنه لا بد أن يكون لسوريا من الأسباب ما لا يعرفونه مما ألزمها بالإصرار على إميل لحود رئيساً لنصف ولاية جديدة..
… لا بد أن لدمشق أسبابها لكي تفترض أن »الرئيس« في لبنان يمكن أن ينوب عن اللبنانيين جميعاً في المواجهة المحتملة مع الخطط الأميركية الإسرائيلية للهيمنة على المنطقة، بينما هم مجندون بأكثريتهم الساحقة للمشاركة في صد هذه الهجمة التي تستهدفهم كشعب وكوطن، وليس فقط كمناصب أو كحكام..
ومع كل الاحترام لرئيس الجمهورية فاللبنانيون يرون أنه لا يغني عنهم، ويستشعرون شيئاً من الغضاضة حين يعامل وكأنه الصديق الوحيد لسوريا بينما هم رفاق سلاح وشركاء ومصير، من قبله ومن بعده… ومن هنا كانوا يأملون أن يؤخذ موقفهم هذا بالاعتبار.

Exit mobile version