طلال سلمان

لا أمن لإسرائيل إلا بالحرب؟

عشية الذكرى الرابعة والعشرين لحرب تشرين (العبور) يكاد يتعذر على العرب أن يخرجوا من الحرب، حتى لو رغبوا في السلام… وهم راغبون.
فإسرائيل التي لم تخلع أبداً ثياب الحرب، تذهب إلى »التفاوض« معهم حتى في واشنطن بالدبابة وسلاحها موجَّه إلى صدورهم.
هم يطلبون السلام من أجل الأمن لأطفالهم وأطفال الآخرين، فيصر بنيامين نتنياهو على حرمانهم من الأمن والسلام معاً بذريعة الحرص على أمن أطفاله وحدهم، وكأن أطفاله لا يعرفون أن يعيشوا في ظل »السلام العادل والشامل«.
يطلبون أرضهم مقابل التسليم بالسلام مع إسرائيل فيصر نتنياهو على أخذ أرضهم منهم وزرعها بالمستقدمين من مختلف أصقاع الأرض، مقابل أن »يمنحهم« ما تبقى منها في أيديهم ليعيشوا فوقها »بسلام« في ظل تفوقه العسكري المطلق وسلاحه النووي المعزَّز بالمساعدات الأميركية السخية و»بالتعويضات« التي يبتز الإسرائيليون بها الغرب خاصة »تكفيراً« عما لحق باليهود من خسائر وكأنهم كانوا ضحاياها الوحيدين، أو كأنها كانت حرباً ضد اليهود فقط، أو كأن كل يهود الدنيا كانوا »مواطنين« في هذه »الدولة« التي لم تكن قائمة أو مقامة أصلاً فوق أرض فلسطين.
وها هو نتنياهو، وبذريعة الأمن الإسرائيلي، يمد حربه ويوسع جبهتها خارج النطاق العربي لتشمل العالم كله.
إنه يحارب سوريا ولبنان، وهو ما زال يحتل أرضهما، لأنهما يطالبان بالعودة إلى الطاولة لاستئناف المفاوضات من أجل سلام للجميع يحقق الأمن لأطفال الجميع،
وهو يحارب الفلسطينيين الذين تورطت قيادتهم في التوقيع على اتفاق ينتقص من حقهم في أرضهم، ولا يمنحهم حق الحلم بدولة، أقله في المستقبل المنظور، ويخرجهم (سلماً!!) من مدينتهم المقدسة، ثم يحرمهم أسباب الحياة ويحاصرهم بالتجويع والقتل اليومي والاعتقال الجماعي، بذريعة حماية الأمن الإسرائيلي.
وهو يحارب مصر التي اخذتها قيادتها السابقة الى اتفاق اذعان في كامب ديفيد، وهي ما تزال تلتزم به مفترضة انها بذلك تحمي مشروع السلام المحقق للأمن، برغم ان التجربة (المرة) قد اثبتت ان السلام الناقص او الاشوه يدمر احتمالات الامن ولا يحميه.
ان نتنياهو يتصرف وكأنه يريد ان يجبر كل الاطراف العربية على خيار محدد: اما تأمين أمنه بالتنازل عن سلامها الموعود، وعن ارضها المحتلة، واما العودة الى حرب يراها مستحيلة عليهم وليست مستحيلة عليه.
وهذه خلاصة موقف نتنياهو في قمة النفق في واشنطن: انه يريد الأرض والأمن معاً، اما السلام فيمكن التفاوض عليه بعد التسليم بشروطه المعلنة آنفاً!
اين يقف السلام ولا ارض له؟!
ومن أين يجيء الأمن للمحرومين من حقهم في أرضهم وفي مستقبلهم فوقها؟! وكيف »يعطي« الأمن المحروم من نعمته بسبب من اضطهاده واذلاله اليومي وتجويعه واعتقاله »الأبدي« وانكار هويته نتيجة التمييز العنصري المعتمد قانوناً من قبل »شعب الله المختار«؟!
في الذكرى الرابعة والعشرين لحرب تشرين يتصرف نتنياهو وكأنه يريد ان يفرض على العرب ان يعودوا، مرة اخرى، الى ميدان الحرب.
انه يحاول ابتزازهم بقوته الاستثنائية ليأخذ منهم ما يلغي معنى وجودهم،
وهو يبتز معهم العالم كله الذي بات يفضل التسويات ولو مجحفة ومؤقتة على الحروب التي لا يمكن ان تنهي صراعاً تاريخياً عميقاً كالصراع العربي الاسرائيلي.
وقد يكون العرب غير راغبين في الحرب، ويحاولون تجنبها، لكنهم متى فرضت عليهم فسيذهبون اليها كارهين، واثقين في الوقت نفسه من »ان اسرائيل قد تستطيع مباشرة الحرب ضدهم لكنها لن تستطيع ان تنهيها متى شاءت«، كما قال وزير خارجية سوريا من فوق منبر الامم المتحدة.
ولقد ذهب العرب الى حرب تشرين بقرار شجاع منهم بعدما كانت اسرائيل تفرض عليهم في كل مرة ان يذهبوا الى الحرب بتوقيتها وحيث تختار وبالشعار الذي تعطيه لها.
وحرب نتنياهو مفتوحة اصلا في فلسطين وعليها،
ولسوف يكون عاجزاً عن انهائها، مهما فعل، طالما أصر على ان »أمن اطفاله« اهم من سلام العالم كله، وعلماً بان تطرفه هو الذي يهدد امن اطفاله وليست رغبة الاخرين في السلام!
حتى في الامن يمارس الاسرائيلي التمييز العنصري.
والأيام المقبلة ستقدم الجواب على هذا التحدي المفتوح الذي رمى به نتنياهو وجوه العرب جميعاً، والعالم من خلفهم، من قلب النفق الجديد الذي حفره تحت الحرم القدسي، مباشراً به »حربه« الجديدة.. التي لا يعرف هو متى تنتهي وكيف وأين.
في الذكرى الرابعة والعشرين لحرب تشرين: تحية للرجال الذين قاتلوا بشرف وفاوضوا بشرف ويحاولون ان يسالموا بشرف… اذا تيسرت فرصة للسلام.

Exit mobile version