طلال سلمان

لاجىء سياسي لدى مهنيين

تكاد اللعبة السياسية تطلب حق اللجوء السياسي لدى النقابات المهنية،
فبين أبرز مظاهر »التطور« في الحياة العامة، الآن، أن السياسيين، عمومù، يمارسون »نشاطهم« تحت شعارات »مطلبية« وعبر سياق فولكلوري شبه اجتماعي (التهنئة، التعزية، عيادة المرضى، وداع المسافرين واستقبال العائدين الخ)…
فأما المطلبية فيمكن تجسيمها في عدد من »النضالات« بدايتها زيادة الرواتب والتعويضات و»الاعتمادات« للنواب، وآخرها حتى إشعار آخر التمديد لكل من هو قائم بالأمر اليوم، والاستغناء عن كأس الانتخابات المرة من رأس الهرم والى آخر عضو مجلس بلدي أو هيئة اختيارية في آخر مزرعة في لبنان.
لا انتخابات، إذاً لا سياسة ولا سياسيون،
في المقابل تتبلور عبر عمليات تجديد الدم المستمرة في النقابات المهنية حركة الصراع بين ما تبقى من تيارات سياسية، وما استحدث أو طرأ أو اقتحم المسرح في عهد »الجمهمورية الثانية« واستطرادù حكومته الثالثة.
في نقابة الأطباء بالأمس، وفي نقابة المحامين التي تحتدم معركتها المقررة غدù، (الأحد)، الى نقابة المهندسين التي ستجري معركتها بعد أيام قليلة، يدور جدل هو في جذوره سياسي، وتتحرك في التحالف أو في التعارض أو في الائتلاف قوى هي في أصولها سياسية، مهما تخفَّت أو موَّهت نفسها بشعارات أو مطالب أو برامج مهنية.
وفي هذا كله من علامات الصحة والحيوية ما قد يعوِّض بعض القصور والأمراض والإعاقة في الحياة السياسية، خصوصù مع انعدام الحوار بين »المقاطِعين« و»المقاطَعين« وبين المسلِّمين بأن ليس بالإمكان أبدع مما كان، وانصراف »الأكثرية الصامتة« الى قبر صمتها وانفضاضها عن العمل السياسي جميعù.
وهذا الوضع غير طبيعي، لأنه يلقي على كاهل الهيئات النقابية أعباء لا قبل لها بها، إذ لا يمكنها مهما اجتهد النقباء والنقابيون أن تقوم بدور المؤسسات السياسية الغائبة أو المغيَّبة،
فالعمل السياسي لا يتم »تهريبù« ولا يحتمل أن يتخذ في بلد مفتوح كلبنان شكل التنظيمات السرية العاملة »تحت الأرض«.
وإذا كان من الأمور الطيبة أن ينزل »المقاطِعون« سياسيù إلى ساحة الصراع النقابي، فمن الضروري حماية تحول هذه المؤسسات النقابية إلى منتدى ومخبر لإعادة الاعتبار إلى النقاش حول الأمور العامة، وإلى عودة الطبقة الوسطى (أو ما تبقى منها) إلى أداء دورها الحيوي والذي لا بديل منه في إنعاش الحياة العامة بكل جوانبها، من السياسة إلى الاقتصاد إلى الثقافة إلى العمل الاجتماعي.
والخشية أن تتم مصادرة هذا المظهر الأخير من مظاهر الديموقراطية، وأن تغيِّب الضغوط والاغراءات المادية أو المعنوية وجوهù مشرقة وأسماء محترمة عن طريق شطبها بذرائع سياسية حين يكون الأمر مهنيù، أو بتغليب مصالح أبناء المهنة حين يصير الحديث أو المناخ أو الناتج سياسيù.
لذا فلا بد من صيحة من نوع: أيها المهنيون اتحدوا، من أجل أن تساعدوا على استيلاد جو صحي للعمل السياسي، وإجمالاً للعمل العام في لبنان… وبدلاً من أن يوظفكم بعض »الرموز« السياسيين لخدمة أغراضهم أو مصالحهم، حاولوا أن توظفوهم لما يوطد السلم الأهلي الذي لا تحميه إلا السياسة ولا تخرِّبه إلا السياسة، إن هي فسدت أدواتها والشعارات.

Exit mobile version