طلال سلمان

كوفي انان كشاهد عدل انهاء حرب برفع حصار

يستقبل لبنان، اليوم، الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي أنان، بترحيب يليق بموقفه من الحرب الإسرائيلية والذي تميّز بقدر من الشجاعة الأدبية في مواجهة الضغوط الأميركية الثقيلة، والغربية عموماً، لإدامة هذه الحرب حتى تحقيق النصر الكامل على الإرهاب إن لم يكن بالقوة العسكرية المطلقة فبالقرار الأممي المتعسف.
لقد سعى أنان، قدر جهده وطاقته، ومن موقعه المعنوي المحدود تأثيره على القرار، خصوصاً أنه على باب الخروج من منصبه تطارده الضغوط والاتهامات والتلويح بمحاسبته على سوء إدارته شؤون موقعه السامي أو على ما تورّط (أو ورّط فيه) نجله في موضوع الأموال العراقية لبرنامج النفط مقابل الغذاء .
نعرف أنه لا يستطيع أن يتخطى نطاق التوازن المكسور في مجلس الأمن الدولي لصالح النفوذ الأميركي الطاغي والحامي للحرب التي كان يراها العالم أميركية بجيش إسرائيلي.
لذا فلن نطالبه بما لا يقدر عليه، فما كتب قد كتب… ولولا صمود لبنان، بشعبه ودولته ومقاومته الباسلة، وهو الصمود الذي أحرج المتواطئين من العرب، وأربك حسابات الدول الكبرى، لما أمكن إدخال التعديلات التي خففت من ظلم القرار الدولي، بما جعله مقبولاً بالاضطرار، بعد تضمينه المطالب اللبنانية ولو في المقدمة أو بصياغات غير ملزمة.
ونعرف أنه آت للإشراف على المباشرة في تنفيذ القرار 1701 ولكنه يستطيع ويجب أن يكون الشاهد العدل على الظلم الذي تضمنه النص غير المتوازن، ثم على استمرار إسرائيل في حربها التي كادت تجهز على دولة نامية ذات نظام ديموقراطي، بمؤسساتها ومرافقها ومصادر الإنتاج فيها بذريعة متهالكة لا يمكنها أن تبرّر جريمة بهذا الهول: أسر جنديين إسرائيليين لمبادلتهما بأسرى لبنانيين منذ سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية!
إنه لن يستطيع المساعدة في إعادة إعمار مئات البلدات والقرى وبعض الضواحي المدن التي هدمتها وشرّدت أهلها (وهم قرابة مليون مواطن) غارات سلاح الجو الإسرائيلي المفتوحة له الفضاءات جميعاً، ببيوت الفقراء ومتوسطي الحال أو من اغتنوا بكدح العمر في المهاجر، والمدارس والمعاهد والمراكز الصحية ودور العبادة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والورش البسيطة والدكاكين إلخ..
ولكنه يستطيع قطعاً أن يساعد في الضغط لرفع الحصار الذي يتبدى للبنانيين استمراراً للحرب الإسرائيلية تكمل تدميره اقتصادياً واجتماعياً بلا تكاليف تتحمّلها خزينة الدولة العبرية.
ثم إنه يساعد في الشهادة بأن لبنان الأقوى من أن تدمّره إسرائيل أكثر تواضعاً بكثير من أن يفكّر باقتلاع الكيان الصهيوني ، ولكن من حقه أن يقاوم احتلالها ولو لشبر من أرضه، خصوصاً أن القرارات الدولية بهذا الشأن لم تحقق له هذا المطلب… وما تحقق منها فعلاً كان بفضل
مقاومته وصمود شعبه ودولته من خلفها.
كذلك فيمكنه أن يتأكد بنفسه وخلال جولته التي نتمنى أن تبدأ من ضواحي بيروت الجنوبية وتشمل قانا أمّ المجزرتين وبنت جبيل والخيام إضافة إلى مرجعيون وصور قبل أن يصل إلى مركز قيادة اليونيفيل في الناقورة، أن حزب الله ليس جيشاً وليس جيشاً أجنبياً على وجه الخصوص، وأنه بعض الشعب اللبناني، وأن رجاله أبناء الأرض التي أحرقتها إسرائيل مرات ومرات آخرها في حرب تموز الأخيرة، وأنهم كانوا يعيدون بناءها كل مرة ويبقون فيها لأنهم أهلها ولأنها شرفهم ومصدر عزتهم وسر حياتهم، ولن يتركوها ولا هي ستغادرهم مهما تعددت الحروب الظالمة ومهما كلفهم صد خطر الاحتلال عنها.
لسوف يتأكد بنفسه أن المقاومة هي بعض السلطة، لأن تمثيلها الشعبي أوسع من تمثيل أي حزب سياسي منفرداً.
ولسوف يتأكد أن المقاومة مع الجيش يجمعهما الانتماء الوطني الواحد وواجب تحرير الأرض، ليست منافساً له ولا خصماً بطبيعة الحال، بل هما من النسيج الاجتماعي ذاته، ويحملان الولاء الوطني ذاته ويتطلعان كما الشعب كله، بحكومته ومؤسساته كافة، إلى السيادة والحرية والاستقلال.
أخيراً سوف يتأكد أن المقاومة لا تخرج عن الإجماع الوطني في الترحيب بالزيادة في قوات اليونيفيل التي طالما اعتبرها اللبنانيون قوات صديقة تساعدهم على حماية وطنهم من الاجتياحات الإسرائيلية والانتهاكات اليومية في البر والبحر والجو.
إن اللبنانيين لن يحاسبوا اليونيفيل على الظلم الذي تضمنه القرار الدولي، ولن يروا في وجودها بين ظهرانيهم توكيداً متأخراً للاتهام الفاحش الضمني والذي يظهرهم كأنهم قوة تهديد للأمن الإسرائيلي، بل للحياة في إسرائيل، بينما إسرائيل تحرمهم هناءة العيش منذ عشرات السنين ولن تتبدل طبيعتها..
وعلى هذا فإن اللبنانيين يأملون أن تنجح زيارة كوفي أنان، والتي قد تكون آخر مهمة خارجية له، في مساعدتهم على التخفيف من النتائج المدمرة للحرب الإسرائيلية، وأبرز ما يتوقعونه أن يستخدم شهادته ونفوذه المعنوي لإنهاء الحصار الوحشي المفروض على وطنهم والذي يؤكد استمراره أن الحرب لما تنته وأن إسرائيل لما ترتوِ من دمائهم بعد.
مرة أخرى، أهلاً بالسيد الأمين العام في لبنان الذي كأكثرية دول الأرض يفترض أن الأمم المتحدة مصدر من مصادر حماية استقلالها وحقها في الحياة.

Exit mobile version