طلال سلمان

كورونا.. “هَل نامَ أم ماتَ يُجَرِّبُ النَّوم؟”

لا تُفَكِّر! أبداً لا تُفَكِّر .. لا تُفَكِّر  بالكورونا! انها نكتة ساذجة من بدع الغرب.. واضحَك كَثيراً، الضحكُ مفيد.

لأول مرة لا يستطيع الانسان أن يلقي اللوم على غيره.

لأول مرة عليه تحمل مسؤولية نفسه، ومسؤولية جميع من يحبهم. وحتى أولئك الذين لا يحبهم ولأول مرة لن يتمكن من لعب دور الضحية و سيتوجب عليه الانضباط والحذر والانصياع للقوانين والنظام.

لأول مرة يعرف أن رأيه الشخصي، وعادات أجداده وتقاليدهم، ومعتقداته الراسخة، لا تساوي جناح بعوضة متى اشتدت عليه الأحوال.

لأول مرة يعي ويفهم أن لكل شخص مكانته التي لا يمكن الاستغناء عنها، وأن الطبيب الذي قال عنه ذات مرة أنه لا يفهم في الطب “لأن التشخيص لم ينل إعجابه” يخاطر بحياته الآن، وعليه يعتمد في حياته.

لأول مرة يرى نفسه في مكانها الصحيح، وأن كلامه وادعاءاته بمعرفة كل شيء، لم تكن سوى جعجعة بلا طحن.

لأول مرة وقد تكون الأخيرة، يستوعب الانسان أنه مجرد عاجز، وأن طمعه وجشعه وأنانيته وغروره المفرط، ماهي إلا محاولة فاشلة لإخفاء أنه عاجز.

العقليّة الدينية السائدة في سورية، قد تكون سبباً مباشراً لتفشي الوباء المحتمل، فكلمة “سورية الله حاميها “قد تكون فعّالة في الحروب والأزمات السياسية، لكنها لن تعمل مطلقاً فيما يخصّ العلم والطب والصحة العامّة..

وفي ما يعنيني فلا تخرج مني إلا عبارة واحدة “جبّار الكونِ، خالقهُ.. ومنهيه”.


“وين وصّل الكيرونا؟ لسا ما وصل لعنّا؟ هلق هوي صحي والا عنجد إنو تخويف بس؟”

أتُهم الرئيس الأميركي ترامب بالعنصرية حين قال عن الوباء “أنّهُ صينيّ”، ولكنني في الحقيقةِ أوافقه، فالثقافة الغذائية لأهل الصين موغلة في التماس مع الحيوانات الغريبة غير الأليفة، وليست هي المرة الأولى التي صدّرت لنا الصين وباءً فيروسياً ، ويبدو أن منظمة الصحة العالمية عمياء، فهي لا ترى أن أكل الحيوانات الحية قد يهلك البشرية..

ليست الصين وحدها، بل كثير من الشعوب والثقافات قد تسبب المزيد من الكوارث الصحية

العولمة؟

ربما كانَ اكليل الجبل علاجاً للسرطان، أو ربما كانت الحبة السوداء كما نسميها علاجاً لنقص المناعة المكتسب “الإيدز”، وربما كانَ اليانسون علاجاً للكورونا..

جميع الحقوق محفوظة لجارتنا..

كتبتُ يوماً أنه من المعيب احصاءُ الأعداد إن كان المعدود إنساناً، ولكنَّ كلّ العالم بات يحصي أعداد المصابين، إصابةٌ واحدةٌ أو مئة، لا يشكلُ هذا فرقاً علينا، اتركوا الأرقام لفرق التقصّي والأبحاث الوبائية، والتزموا ما هوَ صحيٌّ لكم..

وإذا ما فكّرنا في الأمر جيداً نستنتج بأنّنا نحنُ العُصيّ التي دوماً ما نشتكي من وجودها في الدواليب.

نحنُ من نؤخّرُ الحياة عن مواعيدها .. فتملُّ مِنَّا و تتركنا فنعيش عيشتنا هذه.

وعلى الرغم من فشلنا المستمر في تقدير قيمة الساعة التي نلبسها إلَّا أنّنا طيّبون جدّاً ومغلوبٌ على أمرنا.

إن كان لابدَّ لنا من دخول غينيس فالأجدر بنا أن ندخلها “كحبّيبَة”، فنحن نُحِبُّ أينما وُجِدنا.

نُحِبُّ في النقل الداخلي (على الواقف) وأيادينا مُخدّرةٌ لكثرة رفعها،

نُحِبُّ في السوق وفي الهجرة والجوازات، والمحلات المزدحمة، والمشافي، في كُلِّ مكان يُظهِرُ أنَّ الحياة قد عادت إلى البلاد او غادرتها، أو أنَّ الولادات كَثُرَت فظننَّا أنَّنا بخير لأنَّنا لم ننقُص،
نُحِبُّ في ضوء،

“الليدّات” لأنّنا نسينا وجود القمر. لذا ترى علاقاتنا مرتبطة بالآمبير ومن المُمكن في أي لحظة ان ينفَدَ شحن حُبُّنا .. فننفصل.


نحنُ نُحبُّ البلاد بِكُلَّ حالاتها ولكن على ما يبدو بأنَّ الخيّاط الذي يُفصّلها لنا على مقاسنا أخطأ ببعض التفاصيل فجعَلها فضفاضة في كُلِّ الأماكن .. وضيّقةٌ عند العنق فقط .. فخنقنا.

تستطيع أن تموت ببساطة في هذه البلاد.

لا أقصد الموت الذي ألِفناه وألِفَنا في الحرب.. بل الذي كان قبلها.

موتنا قبل الحرب وخلالها وبعدها.

يمكنك الموت كآلة، بآلة espresso تَشتَريها بدلاً من تحضير القهوة الصباحية.

بدلاً من فيروز وما شابه أو النشيد الوطني “بالمُصادَفة” استمع لجديد تطبيق أنغامي.

ضَحّي بسيجارة الهدوء التي كنت تحرِقها بجانب سائق التاكسي وأنت تقيس الطريق بروحك، واصعد الباصات واقفاً متّكِئاً على الله ومتَّكِلاً على رحمة السائق.

ادخل مكان عملك أو دراستك واخرج وأنتَ تَعُدُّ الأيام لنهاية الشهر والفصل.

اشترِ وجبة جاهزة للغداء بدلاً من أطباق المنزل.

امسك هاتفك النقال مثلي ومثلك الآن،  بدلاً من أي نشاطٍ آخَر، ولا تنسَ أن تضغَط “أحببته” في نهاية النَّص، لكن إذا أردتَ الموتَ بسلاسة أكثر اضغَط “أعجبني” وتَخَلّى عن التَّعبير بِشَغَف.

مساءً اخرج واشترِ خبزاً رَيثما يَحينُ الليل، وغداً تشتري السُّكَّر، الفواتير ستدفعها في يومٍ كامل.

استبدل ليلاً السيمفونية السادسة لبيتهوفن بالتاسعة.. أو لِتَمُت بشكلٍ أهوَن وأبسَط: استغني عن أغنية “الأطلال” أو “أقولك إيه عن الشوق” وأغنية “صافيني مرّة” أو “زيّ الهوى” وعن أغاني محمد عبد الوهاب “من غير ليه” وهذه “الأوبة” واستبدلها بـ”حَبي دَبي” و”سُكر محلّي” هذه الأغاني عَرَبِيّة مصرية وسورِيّة على فكرة.

اسهَر مع أصدقائك وغَنّي “جنو نطو” و”جن ونط” وارقص وارفع صوتَك ولا تُفَكِّر.

وقَبلَ أن تُجَرِّب النَّومَ الذي ما زلتَ تُجَرِّبه مُنذُ سَقَطّْتَ مِن رَحِم أمِّكَ، افتَح “واتساب” أو “مسينجر” ابعَث رسالةً مكتوبةً لأحدٍ تُحِبُّهُ حُروفاً وصُوَراً إلكترونية فَقَط، وادَّعِ التَّحَرُّر من حُب أجدادِكَ القَديم الذي كانَ عَن طَريق صُوَر الفوتوغراف (المَحسوسة).

الآن.. افصل الشبكة ولا تَنتَبِه لانفصالِكَ عن الحَقيقة ولانفصامِكَ أنت.


صَدِّقني يا أخي إنّنا نُتقِن الموت بكل هذه البساطة،

صدقني أننا مُتنا قَبلَ هذه الحَرب بسنين، وأنَّنا حَفظنا المَوتَ بكل تراكيبِهِ المُعَقَدة من كثرة مُمارسَتِه بِبَساطةٍ وتَعقيد.

نستطيع أن نموت ببساطة في هذي البلاد، لكِن ثِقوا بي؛ خَلَلٌ واحِدٍ في طُرُق المَوت البسيطة هذه كَفيلٌ بأن يُعيدَ المَيِّتَ حَيّاً يَعيش.

اسأل الطَّبيبَ المَيِّت الذي قَطَعَ المَشيمة عندَ ولادَتِك “هَل نامَ أم ماتَ يُجَرِّبُ النَّوم؟”.

يا أخي نَحنُ أمواتٌ عاشَت فينا البلَاد.

Exit mobile version