طلال سلمان

كورونا كحرب على الانسان.. والانظمة العربية كحليف لها ضد “رعاياها”!

هي الحرب: حرب على الانسان في العالم اجمع. لا يهم اختلاف لون البشرة، أبيض، اسمر، حنطاوي.. ولا يهم الجنس، ذكراً او انثى. لا تهم القومية او بلد المنشأ، الصيني كالأميركي، والفرنسي كالإيطالي، والاسباني كالروسي، والآسوجي مثل البدوي في شبه جزيرة العرب.

الكل امام الوباء واحد، لا فرق بين عربي وأعجمي الا بدرجة الوقاية وصلابة الكمامة، وفعالية العزلة.

مع الوباء يواجه الانسان حقيقة ضعفه: حشرة أصغر من أن تُرى، كامنة في احشائه، فاذا ما انتشرت ساقته صاغراً إلى المستشفى، وحجرت على عائلته فلا هي تزوره، ولا هو يحادثها، وانما تطمئن عليه بالواسطة.

هي جرثومة لا تُرى بالعين المجردة، ولا يوقفها اختلاف الجنس واللون، بل هي تحقق في انتشارها “عدالة” في اعداد المصابين، وفي اختراق الحواجز، فاذا الكل واحد، واذا هي نموذج في تحقيق العدالة بين الناس.

ثم انها “اممية” لا توقفها الحدود بين الدول، ولا يحجزها اختلاف الجنس او العرق، ولا هي تتحسس من تضربه لتميز بين الذكر والانثى، وان ثبت انها “تحب” الرجال أكثر مما تحب النساء، فتستكين إليهم وفيهم.

انها “اشتراكية” في انتشارها “رأسمالية” في خياراتها، عشوائية في حصد ضحاياها، لا فضل ولا تمييز بين ذكر وانثى أو بين عجوز وشاب في مقتبل العمر.


..ولان الدول العربية لا تحب أن تزعج شعوبها بالأخبار السيئة، فلقد عمدت إلى الكذب عليهم، بداية بإخفاء الحقيقة تماماً، ثم باشرت بإعلان ارقام الاصابات على استحياء.. ثم عندما رأى قادتها الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي عهدوا فيه ومنه التوحش في معاملتهم وفرض الجزية على مداخيلهم من النفط والغاز، يسكن في التلفزيون ليبلغ مواطنيه بالأعداد الهائلة من المصابين وبالاستعدادات التي تتخذها ادارتهم لتأمين العلاج واجتهاد العلماء في اكتشاف ما يرد هذا الهجوم الكاسح للجرثومة القاتلة. عندها، وعندها فقط، ومع توالي اعتراف الدول بالاصابات، باتت العواصم العربية تلعن، على استحياء، ارقام المصابين، قبل أن يجبرها تفاقم الوضع على الاعتراف بالحقيقة..

على أن “الوباء” ظل سراً حربياً عند بعض الدول العربية، لا يجوز الاعلان عنه او التداول في ارقام من اصابهم، مهدداً حياتهم.

تزايدت ارقام من فتك بهم وباء كورونا حتى باتت بالملايين، بين من هم في المستشفيات، قيد العلاج، وبين من اختطفهم الموت، وبين من هو في الطريق إليهم، يغير تمييز بين الاعراق والهويات والجنس، وان ظل عدد الذكور أعلى بكثير من اعداد النساء.

لم تخجل اية دولة من الاعتراف بانتشار الوباء فيها، بل اخذت تنشر على مدار الساعة، جداول بأعداد المصابين، من مات منهم ومن هم قيد العلاج. لا خجل مع الوباء وهو يقتحم كوكب الارض بدولها جميعاً، شرقا (الصين) وغربا (فرنسا، ايطاليا، اسبانيا، سويسرا، وصولاً إلى اسوج والنروج في اقصى الشمال، ثم روسيا التي وصلها متأخراً). فضلاً عن الولايات المتحدة الاميركية التي اجتاحها بضراوة، ومنها تنقل إلى دول اميركا اللاتينية البرازيل والمكسيك.. الا كوبا المحصنة، بعقيدة الاشتراكية وصور فيديل كاسترو ومعه البطل جيفارا ..

التستر على الوباء جريمة. اننا نعطي بذلك فرصة لاتساع رقعة انتشاره وتعاظم اعداد المصابين، وبالتالي اعداد من يودي بهم، بلا رحمة.

…لكن بعض الانظمة العربية، ملكية وجمهورية، تخاف من شعبها أكثر مما تخاف عليه. تعتبر أن انتشار الوباء يفضح تقصيرها ونقص عنايتها “برعاياها” الذين لم تهتم يوماً بأعدادهم الا من اجل زيادة اعداد الاجهزة الامنية وفروعها المتعددة، المخصص بعضها للداخل، وهو برؤوس كثيرة، وبعضها الآخر للخارج عبر السفارات والقنصليات، وكل من يسافر سواء بغرض التجارة ام السياحة ام حتى الاستشفاء.


على أن كورونا السياسة هي الاخطر والاشد فتكاً، والتي لا علاج لها ولا دواء..

من ذلك التكتم على انتشار الوباء في البلاد، وكأن الاخبار عنه يماثل الكشف عن بعض اسرار الدولة.. وفي ذلك ما فيه من خدمة للعدو. وليس الا بعدما تسابقت الدول من أعظمها قوة، إلى ارقاها تمدنا، عن الاعلان عن انتشار الوباء فيها مع نشر ارقام المصابين، بالمتوفين والذين هم قيد العلاج في المستشفيات او في بيوتهم، حتى باشرت بعض الحكومات العربية الكشف عن هذا السر الحربي الخطير الذي كلما كتمته فضحتها وتوسعت دائرة انتشاره.

لقد كشفت طريقة تعامل الانظمة العربية، ملكية او عسكرية، عن النقص الفاضح في احترامها لرعاياها.

انها تتعامل مع “رعاياها” كأرقام، كبشر بلا أسماء وبلا هموم، يثقلون عليها بتزايد اعدادهم نتيجة اقبالهم على الاكثار من نسلهم للتباهي امام “القبائل الاخرى” عليها ومدى استهلاكهم وكلفة حياتهم من ثروتها الهائلة بفضل النفط والغاز، التي تصلها عوائده صافية خالصة بعد أن تحسم الشركات الاجنبية حصتها الدسمة نتيجة الكشف والتنقيب والحفر ثم الاستخراج تمهيداً لتصدير الفائض عن حاجة البلاد لاستهلاكها الداخلي.

متى يصبح الانسان في بلادنا أغلى من النفط والغاز؟

متى يرتقي في نظر حاكمه حتى يصبح نداً له وليس عبداً من جملة عبيده الذين لا يهتم بأعدادهم، ولا بكيف يعيشون ومتى وأين يموتون، طالما انهم من الرعايا وليسوا من الصفوة المختارة او من حملة الالقاب المذهبة والذين “إذا مات منهم سيد قام سيد”؟!

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version