..ووصلت جرثومة كورونا في موعدها: ضربت آخر أواصر الاخوة والتعاون، ناهيك بحلم الوحدة، فاذا بكل دولة تنأى بنفسها عن “الاشقاء” وهي تواجه هذه الآفة التي لا ترحم وتفتك بالرجال والنساء بلا رحمة، او تطرحهم مرضى يعزَّ عليهم الشفاء.
وكالعادة، لجأ الحكام إلى سلاح الإنكار، كأنما الجرثومة تعمل في السياسة فتحالف وتخاصم وقد تحارب “الاعداء المفترضين”.
…ولما لم ينفع الانكار في عالم مكشوف، وبينما العواصم الكبرى في الدنيا تتبارى في الاعلان عن أعداد الاصابات واعداد المتوفين كما الذين تم انقاذهم من مخالب هذا الوباء الفتاك..
ثم، كان أن دخلت او أُدخلت السياسة، وهبَّ الرئيس الاميركي الاحمق يتهم الرئيس الصيني الذي كان آنذاك، يقوم بزيارة لمدينة ووهان، المدينة التي قيل أن الوباء قد انطلق منها,..
وعلى الطريقة العربية، لم يعد الوباء وجرثومته القاتلة هي الموضوع، بل أن الرئيس الاميركي الذي يحب الصرعات ويسهر على وسائل التواصل الاجتماعي، قرر- في لحظة – أن يوظف جرثومة كورونا في معركته لتجديد رئاسته بولاية جديدة..
هذا بينما يدفن الضحايا المتزايدون لهذه الآفة في مقابر، بل في حفر جماعية، بلا أسماء او تعريف، وليتعرف غدا او بعد غد او بعد شهر او بعد شهور، اقارب المفقود إلى فقيدهم الذي سيكون بلا ملامح ولا هوية، بل أن العاطفة وحدها قد تكون هي الدليل والشهادة.
في هذه الاثناء يستذكر الاجداد أسماء الاوبئة التي عايشوها ونجوا منها: السل، الطاعون، السرطان، ذات الرئة او الخانوق..
لقد علمتهم التجارب بضعة دروس او قواعد في التعامل مع المرض، يمكن أن تنفع اليوم:
من ذلك العزل الكامل للمريض، الذي كانوا يحملونه إلى الكروم او البساتين خارج القرية، ثم يحصرون زيارته بعدد محدود منهم، يحمل له الطعام ويضعه على مبعد خطوات منه.. ثم يتركه لمصيره.
على أن السياسة ما دخلت امراً الا افسدته..
وهكذا يصعب التفريق ين واقع المرض وتأثيره على المحيط، وبين المنافسة الشرسة التي يعيشها الرئيس الاميركي ترامب مع التقدم الصيني المذهل في مختلف المجالات: العلوم، الصناعات المختلفة والتي تباع بأسعار يصعب منافستها، بالقدرة على تقليد كل مصنع في بلاد الغير (الثياب اساسا ومختلف انواع “الماركات” النسائية والرجالية وربطات العنق والثياب الداخلية). ويمكن للبائع أن يساعد الصانع على انتاج ما تطلب في مدة قياسية، مع لصق الماركة التي تريدها على ما تم تصنيعه.
في زيارة سابقة للصين كان الباعة المتجولون، او سماسرة المحلات التجارية المعروفة يحومون حولنا وهم يشيرون انهم مستعدون لتسليم البدلات مع القمصان خلال ساعة..
وكان المترجم يقول، من دون أن نسأله أن الطائرات الصينية ستنافس قريبا طائرات الركاب الاميركية والاوروبية، او ان “صناعتنا ستكون أمتن وأرخص”.
فالصينيون يدركون انهم قد تأخروا عن ركب التقدم الانساني، وان عليهم تعويض ذلك بأقصى سرعة ممكنة.
وعندما فوجئنا في الفندق الذي أنزلونا فيه من”بوستر” او صورة عملاقة لفتاة جميلة جداً تلف نفسها بالعلم الاسرائيلي، انتظرنا حتى نهاية الزيارة لنسأل الداعين عن الهدف من رفع هذه اللوحة في حين أن الصين تجاهر بتأييد حقوق الفلسطينيين في ارضهم.
وجاءتنا المفاجأة الثانية كضربة على الرأس حين ابلغنا مضيفنا أن الرئيس الفلسطيني الراحل هو الذي طلب من الصين أن تعترف بالحكومة الفلسطينية المؤقتة (التي ولدتها منظمة التحرير قيصريا) مقابل اعتراف الصين بدولة العدو الاسرائيلي..
ووسط ذهولنا اضاف مضيفنا الصيني:- أن اسرائيل تنتج رشاشات صغيرة جداً، وهي مفيدة جدا في القتال بين قريتين، كما انها تنتج جهازا للري بالنقط ونحن بحاجة إلى مثله.. وطالما أن السيد عرفات لا مانع لديه من التعامل مع اسرائيل، فلسوف سيكون سهلا الآن أن نحصل على بعض مميزات الصناعة الاسرائيلية.
الصين دولة عظمى… لكن سياساتها براغماتية.
وما من شك في أن الصينيين تعلموا أن يكونوا من انشط وأكفأ الصناع في العالم، خصوصاً وانهم يتمتعون بذاكرة جمعية، بحيث يتعاونون في صنع الجديد مما لم يكونوا يعرفون عنه من قبل، وبسرعة مذهلة.
على هذا فليس غريباً أن يكونوا قد درسوا جرثومة المرض الوافد حديثا، وعرفوا مكوناتها والمضادات المناسبة بحيث تمكنوا من انتاج العلاج المناسب قبل غيرهم من دول العالم.. وها هي المختبرات الاميركية تعمل بدأب على انتاج لقاح يقضي على هذه الآفة ويحمي الحياة الانسانية.. ولكن حماقة الرئيس الاميركي ترامب تدفعه إلى شن حرب جرثومية خطيرة، مع مطالبة الصين بالكشف عن اسرار العلاج الذي انتجته لتواجه به وباء كورونا.. فردت بأن على الشعوب الأخرى أن تعمل لإنتاج الدواء الذي وفقت إلى انتاجه، ومن ثم إلى القضاء على الوباء الجديد، وحماية الناس من أن يكونوا ضحاياه، دائماً.
“علم الانسان ما لم يعلم”
تنشر بالتزامن مع السفير العربي