طلال سلمان

كل عام وانتم بخير لن تكون فتنة

لن نفقد الأمل، ولن نذهب إلى اليأس من الذات ومن الأهل، بأقدامنا، ولن نستسلم لما يدبّر لهذا الوطن الصغير، ولأمته العظيمة، من ضروب الفتنة التي تجعل الأخ يأكل لحم أخيه نيئاً، وتحاول تدمير البيت على رؤوس أصحابه بذريعة إنقاذهم من… أنفسهم!
لن نفقد الأمل.. نعرف أن المخاطر عظيمة، وأن الأعداء أشداء في حربهم على الوئام الوطني الذي يحفظ هذا اللبنان الجميل والعفي، أحد أبرز عناوين التقدم العربي والنموذج الفذ في مقاومة الاحتلال حتى طرده، وفي مواجهة الحرب الإسرائيلية حتى رد جيوشها مدحورة بينما رصاص مجاهديه يطارد فلول عسكرها حتى آخر حبة تراب من أرضه التي طهّروها بدمائهم.
نعرف أن المؤامرة خطيرة جداً، وأن «أبطالها» دول عظمى وكبرى ومتوسطة، بينهم بعض أهل النظام العربي الذين رهنوا أوطانهم ليبقوا حكّاماً ولو على بلاد خربة، وأنهم يستخدمون في حربهم علينا دماء شهدائنا، وبالذات كبيرهم رفيق الحريري… لكننا نحن، نحن أهل الشهيد، ونحن نحن وبمجموعنا، المستهدفون باغتياله الذي كان مقرراً له أن يتحوّل إلى فتنة لا تبقي ولا تذر، خصوصاً أن من يريد إشعالها في لبنان يريد أن تطاول ألسنة اللهيب المشرق العربي جميعاً، من بيروت حتى عدن، مع محرقة عظمى في العراق وسائر أقطار الجزيرة والخليج.
نحن أهل الشهيد حفظة دمه بكشف قتلته الذين استهدفونا جميعاً، وأرادوا توزيعنا ـ بالفتنة ـ على معسكرين مقتتلين بينما هم يقتعدون مقاعد «القضاة» وإن ظلت الدماء تغطي وجوههم وأياديهم.
إن قتلة شعب فلسطين، مدمّري العراق، محتلي منابع النفط ومسترهني حق العرب في بناء مستقبلهم، شركاء الإسرائيلي في حروبه السابقة واللاحقة، لا يمكن أن يكونوا مصدراً للعدالة.
إن رعاة إسرائيل في احتلالها الاستيطاني الذي يكاد يلتهم ما تبقى من فلسطين لأهلها لا يمكن أن يتحوّلوا فجأة إلى رسل للحق والحقيقة وإنصاف الشعوب ونصرة قضايا الحرية والتقدم.
إن تلك الزمرة من المحققين الآتين من أجهزة المخابرات الأجنبية، وبينهم المرتشي والفاسق والسكير، لا يمكن أن يكونوا حريصين على دماء الشهداء وكشف المجرمين، أكثر من الأهل الذين خسروا الأعز من أبنائهم وخسروا معهم الاستقرار والأمان ويكادون يخسرون أنفسهم بالشقاق الذي يضع الأخ في مواجهة أخيه فتكون النتيجة كارثة وطنية، بل قومية باتساع دنيا العرب (والمسلمين).
إن النتائج التي ترتبت على الجريمة تكشف مرتكبيها من خلال تحديد المستفيدين منها… وهذه هي أحوالنا تظهر للأعمى أن ليس بين اللبنانيين مستفيد واحد من حمام الدم الذي يُراد لنا أن نغرق فيه.
[ [ [
لن نفقد الأمل، فبين أهلنا العرب من يسعى معنا لكشف الحقيقة وحفظ هذا الوطن الصغير والجميل ليس حباً به وبأهله فقط بل كذلك لحماية البلاد العربية جميعاً من نيران الفتنة التي ينفخ فيها المستفيدون منها بما يهدّد بحرق المستقبل العربي جميعاً.
ليس جون بولتون ولا جيفري فيلتمان ولا تيري رود لارسن أحرص على الشهيد من أهله… ولن يكون المدعي العام الدولي أو قضاة المحكمة الدولية، الذين يعملون في خدمة من أنشأ هذه المحكمة الفريدة في بابها، أحرص على لبنان وسلامته وتحصينه ضد الفتنة التي لا تعترف بالحدود، من اللبنانيين، كل اللبنانيين، ومن المخلصين من العرب الذين يكادون يلمسون ما يتهدد بلادهم جميعاً من مخاطر مدمرة، … وهذا هو العراق الشاهد والشهيد، وقبله فلسطين، وبعدها السودان الممزق الذي أعلــنت واشنــطن أنها ستغفر للدكتاتور فيه إن هو سلّم بانفــصال الجــنوب، وعلى الطريق اليمن السعيد الذي يسترهنه حاكم الفتنة ليبقى رئيسه…
وها هي مصر التي أذلــها حاكمــها بمعاهدة الصلح المنفرد مع عدوها مهددة الآن في وحدتــها الوطنية، ومهددة في شريان حياتها، النــيل، حيــث تتآمر عليــها إسرائيل مع طغاة بعض الــدول الأفريقــية لحبـس حقها من المياه عنها.
إن إسرائيل لا تطلب الصلح. إنها تريد تدمير أعدائها، الحاليين ومن قد يصيرون أعداء لاحتلالها غداً.
لا سلام مع إسرائيل. هي ترفضه حتى لو كان استسلاماً… وها هو الواقع الفلسطيني شاهد ناطق.
[ [ [
الواقع بائس. هذا صحيح.
لكن الناس هم مصدر الأمل. الناس بتضامنهم. بإدراكهم أن مصيرهم واحد، وأنهم يحمونه متى اجتمعوا ويفرّطون بأمنهم وسلامتهم وغد أبنائهم متى تفرّقوا وانساقوا مع النافخين بنار الفتنة.
ولن تكون فتنة في لبنان… فالتجارب علّمت شعبه دروساً لا تنسى.
والفتنة ليست الطريق إلى العدالة بل إلى إضافة الوطن الصغير إلى قائمة الشهداء… ولا قضية!
فليكن العام الجديد نهاية النفق الذي حوصرنا فيه ست سنوات عجاف، حتى كاد واحدنا ينكر أباه وأمه وأخاه وسائر أهله.
وكل عام وأنتم بخير…

Exit mobile version