طلال سلمان

كلينتون محاربا عرب

إذن هي الحرب، مرة أخرى، وأميركية إسرائيلية مشتركة، مرة أخرى!
لم تعد من ضرورة للتمويه وإخفاء الوجه بالقناع طالما أن »الضحية« قد كشفت اللعبة، والموعد الانتخابي داهم، ولم يتبق من مجال لمناورة أخرى على مستوى القمة: العصا لمن عصا! ولا بد من »تأديب« حافظ الأسد، وفي الميدان الممتاز.. لبنان، فذلك هو المدخل إلى تركيع سوريا وتوفير الراحة المطلقة »للصوت الذهبي« إيهود باراك في انتخابات آل غور الرئاسية.
قبل ثلاثة أيام فقط كان بيل كلينتون يجلس متأدباً كتلميذ في »حضرة حافظ الأسد«، يبلغه أنه إنما دعاه ليلتقيه فيتعلم منه الحكمة ويقبس من تجربته المميزة ويفيد من خبرته العميقة في أحوال الأمم والشعوب ويعرف الطريق إلى حلول المعضلات المزمنة مثل الصراع التاريخي في منطقة الشرق الأوسط.
أما وقد رفض حافظ الأسد شروط باراك الجديدة التي تولى نقلها الرئيس الأميركي فلا بد من الحرب لتأديب هذا »المتمرد« الذي يصر على البقاء خارج سرب المهرولين والمستسلمين من أقرانه العرب الذين كلما قال لهم »هاتِ« أعطوه، وكثيراً ما أعطوه من دون طلب، تدليلاً على الكرم العربي الذي صار مضرب المثل عبر الأيام!
وطالما أن لبنان هو النموذج الناجح للمقاومة، وهو الشوكة في خاصرة الاحتلال الإسرائيلي، وطالما أنه الشاهد والشهيد الحي على عجز إسرائيل عن المواجهة المباشرة بجيشها الذي لا يُقهر، إذن فلتكن الضربة للنموذج الذي بدأ إشعاعه يسري في المنطقة كلها، والذي يؤكد قدرة »الأضعف« و»الأصغر« على الصمود وعلى تحقيق النصر وعلى إجلاء المحتل بقوة دمه وبإرادته الصلبة لا أكثر!
طالما أن لبنان هو التجسيد الحي لإرادة الأمة ولقدرتها على الصمود أجيالاً في انتظار حل مشرف، فلا بد من إعلان الحرب على لبنان، وعلى الأمة في لبنان، وعلى حافظ الأسد و»عصيانه« الذي يتبلور أكثر ما يتبلور في المقاومة المجيدة المؤهلة والقادرة والمحققة للهزيمة الإسرائيلية على أرض لبنان.
وهكذا انتقل التهديد بالعبرية إلى تهديد بالإنكليزية.
واتسعت ساحة التهديد لتمتد من الأرض المحتلة في جنوب لبنان لتشمل أرض لبنان كله، و»المصالح السورية« فوقها جميعاً، بل وإلى نيويورك ومجلس الأمن الدولي فيها بقصد استخدام السلاح »النووي« ممثلاً بالقرار 425 ضد صاحبه الأصلي: لبنان!
أُعلن الاستنفار، أميركياً، في كل ديار العرب، للمشاركة في مواجهة هذا التصلب السوري غير المفهوم والذي لا يستند إلا إلى زمرة مسلحة بسيطة في لبنان!
وهكذا فإن التهديد الأميركي الإسرائيلي يتم باستخدام »أسلحة« عربية، أنظمة وسلطة، ضد آخر مواقع الصمود العربي: سنأخذ من الفلسطيني أكثر، سنأخذ من الأردني، من المصري، وها هو اليمني يتبرع قبل أن نطلب منه، والمغربي سابق فضله، والجزائري بادر إلى الخير مشكوراً فوفر علينا التمني!
لكن الإدارة الأميركية تعرف، بالتجربة المحسوسة، وتعرف الحكومة الإسرائيلية أكثر منها، أن هذه »الأسلحة« العربية فاسدة، وقد أثبتت فسادها على امتداد السنوات الماضية… فكل تلك الأنظمة ومعها »السلطة« كانت معادية للمقاومة في لبنان وللصمود السوري، ولكنها ظلت أعجز من أن تكسر المقاومة، وأضعف من مواجهة الصامدين، وعديمة التأثير على جماهيرها التي تتخذ من رجالات المقاومة وشهدائها رموزاً وقدوة حسنة ومثلاً أعلى.
كذلك فإن الإدارة الأميركية تعرف، وإسرائيل تعرف أكثر منها، أن تنازلات المتنازلين وهرولة المهرولين لا تحل المشكلة الأصلية، بل هي قد عقدتها بالفعل، فحوّلتها إلى معضلة قد تحتاج إلى حرب أو حروب جديدة سيكون من شأنها لو تفجرت أن تُسقط ما تم توقيعه من اتفاقات إذعان، وقد تشعل المنطقة جميعاً، المثقلة بأزماتها الخطيرة التي يصدر معظمها عن الاحتلال الإسرائيلي الراغب دائماً في التوسع والهيمنة الأميركية التي لا تريد أن تبقي »لحلفائها« ولو كفاف يومهم من الخبز!
وفارغ هو التهديد بالحرب.
إنه تهويل جديد لن يفيد في إخافة المقاتل الذي عندما امتشق سلاحه كان يعرف تماماً هوية عدوه وحجم قوته وحجم مصالحه أيضاً، بقدر ما يعرف طبيعة أرضه ويعبق صدره بإرادة الصمود العارمة التي تضخها فيه روح أمته المجاهدة، التي ترفض الاستسلام، وتزغرد للشهداء!

Exit mobile version