وحده الغبي، ما كان يعرف أن ما حدث، سوف يحصل.
وحده الغبي، من كان لا يعرف انه الكلمة تقتل، وأن الطائفة تقتل، وأن “اللبناني” يقتل. تاريخه يشبهه. إنه بلون الدم والدمع.
وحده الغبي، من ظن أن المصالحة هي دواء شاف من القتل والانتقام والسفك.
وحده الغبي، الذي يظن أنه يعيش في دولة. حجم الارتكاب اللبناني، يجعله مجموعة دويلات ذات سيادة، وممسوكة من “اصحابها” ومحتكرة من اكثرياتها الطائفية: هنا موارنة وهناك سنة وهنالك شيعة و”هنالكم” دروز، واقليات “لاجئة” في مرابض الطوائف.
وحده الغبي، من يظن انه بإمكانه أن يضع من هذه الكتل الاسمنتية الصلبة، دولة قوية. هذا مستحيل. الطائفية أقوى من الدولة. الطوائفيات الراسخة، هي “الدولة”. تحالف طائفتين او أكثر لا يؤلف دولة. ابتكار “تفاهمات” و”مصالحات” و”تسويات” لا يمت إلى مفهوم الدولة القوية بصلة. هذه الابتكارات السخيفة، هي نوع من الصفقات لا أكثر. هويات طائفية لا تصنع هوية وطنية. نحن لسنا وطناً. إننا، في أحسن الأحوال، ملاجئ مطمئنة إلى عزلتها. المشكلة، حيث يتشارك الشيعي مع السني، او حيث يتجاور السني مع الدرزي، او الدرزي مع المسيحي. عهر “العيش المشترك”، تفضحه مسالك التكاذب الوجاهي والتطاعن الاغتيابي. تاريخنا بفضحنا، ولا مرة كان لبنان دولة بسيادة دستورية وقانونية. إنه “وقفّ” لزعامات طائفية نقية وقوية، و”وقفّ” لقوى خارجية، عابرة لحدوده، كفى كذباً. نحن اوهن من بيت العنكبوت.
المقتلة في قبرشمون، والحرائق في بعلشمية وفي خلده، والفلتان في قضاء عاليه، وهويات المتناحرين، تشي بأن “أهل الدولة” المتعددة، يحتكمون إلى السلاح والسلاح المضاد. الفتنة في الجبل، ليست درزية ـ درزية. انها في العمق، درزية ـ مارونية لا تقفوا. خلف اصابعكم. هناك خوف درزي وتخوف سني، من اجتياح “المارونية القوية” لمواقع السنية السياسية والدرزية ومشتقاتهما. من الصعب جداً أن تستعيد المارونية السياسية ما تعتبره من حقوقها المغتصبة، في زمن النفي والابعاد. وليس سهلاً على من “اغتصب” هذه المواقع أن يتخلى عنها. من الصعب على من تفرد في “حكم الجبل”، أن يتشارك مع “تسونامي مسيحية”. ومن المستحيل على “امل” أن تقبل معها شريكا غير “حزب الله”.
والله، هذا هو لبنان بصيغة الجمع. لبنان، ليس مفرداً. انه بصيغة هذه لي، وهذه لك. وتلك لغيرك. لا تنافس بين هذه الجماعات المستذئبة الا على الحصص. كلامهم عن الدولة والدستور والسيادة والحرية والديموقراطية والاصلاح والمحاسبة، كله كذب بكذب بأكاذيب.
ولو! هل نسينا أن كلمة “بلطجي”، كادت تطيح بالسلم الأهلي من خلال غزوات “الموتوسيكلات”؟ هذا بلد يعيش على حافة الهاوية. وأقصى ما يفتي به حكماؤه، هو “سلم الاعداء”. تذكروا، بماذا وصف سعد الحريري. تذكروا بماذا وصف “حزب الله” وبماذا يتهم. تذكروا ما يقال في الرئيس بري. سراً وعلنا. تذكروا مواقف جنبلاط الزئبقية، مع الكل وضد الكل، في الوقت نفسه. تذكروا بماذا وصف الرئيس عون، قبل رئاسته. انه لأمر معيب أن نذكر ذلك.
“الحق على مين”. في ما جرى في قضاء عاليه؟
ابحثوا في تاريخ لبنان. انه تاريخ الموارنة فيه. بموازاة تاريخ السنة فيه، بمعارضة تاريخ الشيعة فيه، بمعاداة التاريخ الدرزي فيه. ولا أحد من هذه السلالات ينسى الـ 1860. او سنوات القتل في العشرينات للشيعة واذلالهم، وسنوات “الميثاق الوطني” للسنة المتذمرة دائماً، من كون رئيس الوزراء، باش كاتب، عند الرئيس الماروني. هذا هو “العهد الذهبي للكيان” قبل انفجاره العالم 1985، وثم، قبل تدميره، بأيام طائفية طويلة النفس، مدعومة بكل الاعداء، بمن فيهم دولة الاغتصاب الصهيوني.
ولو!!! هل تمت تنقية تاريخ لبنان: هل تستطيع التحديق بهذا البلد، من دون أن نتذكر، ما لم نشف منه حتى الآن؟ السنا عاجزين عن كتابة تاريخ مدرسي للبنان… رجاء بلا بهورة. هذا بلد، يفدى له الجبين. لا يستحق دستوراً ولا قوانين ليس عنده الا الاعراف الحاقدة، السارقة، المارقة، السارية المفعول راهنا وغداً.
جنبلاط وحده، خارج اعراف التسوية. منبوذ ومستضعف. علاجه ليس سهلاً. أقوله ليس سهلا. استعادة قوته ليست سهلة. عقدة بحاجة إلى علاج. علاجها ليس الدولة القوية، والجمهورية القوية. قوة أي طائفة او تحالف، تقصم ظهر لبنان استعيدوه بالتي هي أحسن استعيدوه بحصة له. وفروا له ما توفرونه لأنفسكم. قليل من التنازل وقليل من البهورة. الزعامة المستفردة، مستعدة للانتقام. احذروا العزلة والعزل. كلوا أنتم واطعموه. لا يشفى لبنان إلا بإشباع طوائفه وزعاماتها.
هكذا ينجو لبنان من العنف. وهكذا، تعود الأمور إلى مجاريها، ونعود نحن الغلابى إلى مشاهدة أتفه فيلم سياسي، من اخراج وتمثيل هذه الطوائف وهذه الزعامات.
ما ابأسنا… انه قدرنا.