طلال سلمان

كلمة لرئيس اجماع

إذا ما اعتمدنا المنطق القائل إن <سوء الظن من حسن الفطن> لتوجب علينا أن نستريب بأهداف أو أغراض مختلف القوى السياسية، الداخلية منها بداية والخارجية أساساً، التي منعت وما تزال تمنع وبقصد مقصود أن يطل <العهد الجديد> على اللبنانيين بهيئته الكاملة والمؤهلة لأن تعيد إليهم اطمئنانهم المفقود منذ نحو سنتين.لم تكن مجرد مصادفة قدرية أن يمتنع على اللبنانيين إجراء انتخاب طبيعي لرئيس جديد للجمهورية في ظل وضع طبيعي… بل كان <التعطيل> مقصوداً لتحقيق أغراض لم تعد بين الأسرار الدولية المحفوظة في صناديق مقفلة لا تفتح إلا… بالسحر!كذلك فإن مؤتمر الدوحة لم ينعقد بمحض المصادفة، حتى لو تبدى انعقاده بكل من حضره وكأنه <أعجوبة خارقة> أو بفعل <سحر الساحر>، بل كان <محطة إجبارية> بالنسبة للعديد من الأطراف، إما بدافع الخوف على <الكيان> أو بدافع التهيّب من تحمّل مسؤولية الفتنة التي كان شبحها يلوح في الأفق فيكاد يلتهم آخر الآمال في إنقاذ الوطن الصغير من محنة تدمير وحدة شعبه وبالاستطراد نظامه السياسي الذي هو ثمرة تعاقد دولي ـ عربي يضفي عليه حصانة ليست لغيره من الدول الهامشية.على هذا فإن العقل لا يقبل الادعاءات بل الترهات التي تربط التعثر في تشكيل الحكومة الجديدة بمجرد التنافس بين القوى السياسية على المقاعد الوزارية والخلاف على الحقائب سيادية كانت أو خارج التصنيف في <الدرجة الممتازة>.ثم إن هذا العقل لا يقبل، على وجه الخصوص، أن يصوّر كل مقعد وكأنه التجسيد الأكمل لموقع الطائفة في النظام واستطراداً في الكيان، وأن الإخلال <بالحقوق> هو انتهاك لكرامة الطوائف والمذاهب وبالتالي تسريع لانفجار الفتنة.إن من يطيِّف الحقائب ويجعلها <وقفاً طائفياً> أو <وقفاً مذهبياً> لا يريد حكومة، أو ليست له مصلحة في التعجيل باستنقاذ الوطن الصغير من بين براثن مشاريع الفتن التي أطلت برأسها في أكثر من <موقع حساس> فوق خريطته الفسيفسائية التي تتجاوز فيها الطوائف والمذاهب منذ قرون وتتداخل عبر المصاهرات وصلات القربى والمصالح المشتركة بحيث يكاد ينتفي أي سبب جدي للاختلاف إلا… متى حانت لحظة الاستثمار السياسي لاختلافاتها… الفقهية!ترى هل للرغيف سعر سني وآخر شيعي؟وهل في انقطاع الكهرباء فائدة للموارنة على حساب الأرثوذكس؟وهل الشباب المؤهل الذي يهجر أهله ووطنه ويندفع إلى أية فرصة عمل في الخارج من طائفة واحدة أو من مذهب واحد فقد أتباعه الأمل في الوطن فاندفعوا يبدلونه بآخر يحقق لهم مطامحهم أو مطامعهم الطائفية بالتفوق على أتباع الطوائف الأخرى؟هل سعر النفط ومشتقاته يتقرر في ضوء مصالحة هذه الطائفة أو تلك؟هل الإدارات والمؤسسات الرسمية من أوقاف هذه الطائفة أو تلك، بدءاً بالضمان الاجتماعي مروراً بالصحة والزراعة وسائر وزارات الخدمات، كما تسمى… وهل تنتقص السيادة إذا ما تولى هذه الحقيبة أو تلك وزير من طائفة بدلاً من طائفة أخرى (فضلاً عن السؤال الشرعي عن السيادة في وطن صغير كان بحاجة إلى العالم كله لكي ينتخب نوابه رئيساً متوافقاً عليه بالإجماع ـ الدولي ـ ثم ها هو يبدو كأنه يحتاج دول العالم كلها، مرة أخرى، للتوافق على حكومته التي عمرها الافتراضي بضعة شهور لا تكفي لأن تهيئ فيها لإجراء الانتخابات النيابية!).إن هذا الجدل المتفاقم خطورة إنما هو الإنعاش المثالي لمخاطر الفتنة، إذ هو يصور وكأن <استيلاء> هذه الطائفة على تلك الحقيبة هو انتقاص من مكانة الطائفة الأخرى، بل من <حقوقها>، في حين أن الأمر كله في جوهره متاجرة بل استثارة للغرائز الطائفية لتوظيفها في ما يتجاوز بكثير الحقائب الوزارية.وإنها <لحقائب> أخرى تلك التي تستخرج منها أدوات الفتنة وأسلحتها الفتاكة، بعضها <دبلوماسي> وارد، وبعضها <محلي> له رعايته الخارجية، والمخبوءات فيها إجمالاً يمكن تصنيفها بين <أسلحة الدمار الشامل> التي تتهدد الوطن في وجوده فضلاً عن الدولة التي تزداد ضعفاً وهشاشة، والتي لولا جيشها المنهك في إطفاء الفتن النقّالة، لتفككت إمارات ودوقيات طائفية ومذهبية متعددة الولاءات والارتباطات ومصادر التمويل.والكلمة بعد لرئيس الجمهورية القوي بالإجماع المعلن، داخلياً وخارجياً، والذي يمكنه إحراج مختلف الفرقاء لإخراجهم، إما بكشف أغراضهم، وإما بنفي التهمة عنهم بالاستجابة إلى دعوته لهم بأن يتفضلوا ويتكرموا ويقدموا على تولي السلطة الإجرائية في هذا الوطن الصغير الذي تأخذه طبقته السياسية مرة كل عشر سنوات إلى حرب أهلية تدمر العشر سنوات الآتية، ليظل في أسر مصالحها وأغراضها محبوساً في قفص الغرائز الطائفية التي لا مخرج منها إلا… بنظام جديد ستظل <تناضل> لمنع قيامه لأنه يعني سقوطها!أيها الرئيس ـ العماد ميشال سليمان: الكلمة لك… فقلها، اليوم اليوم وليس غداً.خصوصاً أنك كنت أنت من أنقذهم وليس العكس… ولعلهم اليوم أيضاً بحاجة إليك لإنقاذهم!

Exit mobile version