طلال سلمان

كلمات لبنانية مقلوب

بسحر ساحر، ومن دون إنذار مسبق، وانسجاماً مع التقاليد اللبنانية العريقة التي تعتمد القاعدة الذهبية »عند تبدل الدول احفظ رأسك«، انقلبت معاني الكلمات رأساً على عقب، وحصل طلاق بين »القائل« و»القول« فصار عليك أن تستنبط الدلالات من الملامح لا من الكلمات..
وعلى سبيل المثال لا الحصر: لم يعد اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي جريمة نكراء، ولم يعد المخطط والمحرض والمنفذ »قاتلاً« ولا عاد عمله جريمة موصوفة، بل صارت عدالة الألفية الثالثة تقضي بمساءلة رشيد كرامي، لماذا اختار الحوّامة وسيلة انتقال إلى بيروت، بل لماذا قرر أن يجيء إلى ديوانه ومهماته في رئاسة الحكومة؟
كذلك صارت المساءلة تتوجه إلى أسرة الرئيس الشهيد رشيد كرامي مع استنكار إلحاحها على محاكمة القتلة، وممانعتها في العفو الشامل عنهم جميعاً مخطّطين ومحرّضين ومنفّذين ومتستّرين على الاغتيال الذي وقع في قلب النهار قبل 18 سنة إلا شهراً..
لم تعد إسرائيل هي مصدر الخطر على لبنان، أرضاً وشعباً، بل صارت المقاومة التي افتدتنا جميعاً بدماء مجاهديها الأبطال، و»ارتكبت جريمة« إجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي…
لم يعد في سجل الجنرال ميشال عون أي خطأ، بل صار لزاماً على الشعب اللبناني أن يتقدم إليه باعتذارات لا تنتهي عما تقدم من أخطائه وما تأخر، مع تعويض مجزٍ لعله يقبل توبتنا فيعفو عنا!
… وصار رموز الحقبة الإسرائيلية، وأدلاء شارون في بيروت وبعبدا ممثلين شرعيين لمحكمة العدل الدولية.
صار التدويل هو أقصر الطرق إلى الديموقراطية، التي لم يعرفها الشعب اللبناني ولم يمارسها في أي يوم.
صارت سوريا هي العدو بالمطلق، بشعبها وعمالها الكادحين في ربوع لبنان، بجيشها الذي كان ذات يوم »المنقذ« ثم تحول إلى »المستعبد«.
صارت المخابرات السورية هي الشبح الذي يقض مضاجع الدول العظمى والدول الكبرى والدول الوسطى في العالم، من الولايات المتحدة الأميركية إلى فرنسا وانتهاء بإسرائيل.
لم يعد لمجلس الأمن من عمل إلا متابعة وكشف وفضح »الوجود السري« للمخابرات السورية بعد انسحاب جيشها من لبنان، فإن بقي عنصر واحد منها كان بقاؤه تهديداً للسلام العالمي.
أما المخابرات الأميركية وعديدها في لبنان، وأما المخابرات الفرنسية وعديدها، وأما المخابرات البريطانية، وأما المخابرات الإسرائيلية بمختلف وجوهها ومواقع كمونها، فلا أثر لها في لبنان، بل ولا تعرف موقعه على جغرافيا الكون.
لم تعد الطائفية هي مصدر الخطر على الوحدة الوطنية.
ولم تعد المذهبية هي مصدر الخطر على الديموقراطية.
صارت الطائفية هي الأساس المتين للوحدة الوطنية، وصارت المذهبية قاعدة ذهبية للديموقراطية، بشهادة المنشأ الأميركي للديموقراطية التي استولدها الاحتلال في العراق…
لقد انقلبت المعايير جميعاً، ومُسخت دلالات الكلمات.
وصل الأمر إلى صورة الشهيد رفيق الحريري، فتم تحويرها وتزويرها في أحيان كثيرة لتخدم أغراضاً صغيرة لمن لم يعرف ولم يقبل من أصحاب الأغراض.
صار لرفيق الحريري صور لم يعرفها في حياته، ولم يعرفه فيها أهله.
فجأة صار كل خصوم رفيق الحريري الذين قاتلوا فيه العروبة التي لا يمكن فصمها عن الوطنية، وقاتلوا فيه مشروعه السياسي، »حلفاء تاريخيين« وبالتالي ورثاء شرعيين لخطه ونهجه وأفكاره التي كانوا ضدها وما زالوا ضدها.
…إن الذين يحاولون الآن اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي مرة ثانية، يحاولون أيضاً اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مرة جديدة كل يوم بتزوير صورته، ومحاولة التقرّب منه بطمس حقيقة مواقفه ومحاولة نسبة مواقفهم إليه.. أي انهم يزوّرون ويحاولون استخدام المزوّر.
… ويقولون إن الانتخابات هي الحَكَم..
وأي انتخابات حرة يمكن ان تجري في ظل هذا الطوفان من أعمال التزوير والتشويه والتحريف المقصود؟!
مع ذلك، فلتكن الانتخابات وبعدها يمكن ان تعود للكلمات معانيها.

Exit mobile version