طلال سلمان

»كلمات تعشق النغم« في مسرح المدينة الارتجال الذي حقق القصد

تحصنت نضال الأشقر بالاسماء البشرية الحسنى وهي تخوض مغامرتها الجديدة تحت عنوان »كلمات تعشق النغم«.
رصت صفوف الشعراء الذين يجمّلون حياتنا ويلغون الموت، وان ماتوا، وأنطقتهم في غيابهم لكي تزركش هموم أيامنا بالنغم والمعنى.
جاءوا: سميح القاسم ونزار قباني ومحمود درويش وغسان مطر ورابعة العدوية والحلاج وبدر شاكر السياب وأنسي الحاج ونازك الملائكة وخليل حاوي وفدوى طوقان ولميعة عباس عمارة والجواهري وبلند الحيدري والاخطل الصغير وأدونيس وسعاد الصباح وناديا التويني ومحمد الفيتوري.
جاءوا أو انها استقدمتهم على جناح الصوت والنغم، فغنوا لنا وغنوا معنا وغنونا وحملوا معنا الى حيث كانوا يحلقون ويستمطرون قصائدهم التي أطربتنا وحملتنا على أجنحة الفراش الى مهاجع الاحلام.
حصنت نضال الأشقر نفسها بالصوتين الجميلين والعفيين، لخالد العبدالله وجاهدة وهبي، وقد عززتهما بالمغني القامع نفسه محمد عقيل وبأداء رندا الاسمر (التي قمعها توزيع النصوص فعوضت بحضورها اللطيف نقص نصيبها من الكلمات) وجهاد الاندري الذي تذهب كلماته مع الريح..
للوهلة الاولى سرت الخشية من ان تؤدي فوضى اختيار النصوص الى كثير من الاضطراب في التلقي، وتساءل البعض ان كانت »المجاملات« او حسابات التوازن السياسي قد فرضت هذه »الخلطة« من القصائد متعددة المدارس والدلالات والمعاني والعصور، المتزاحمة، المتراكمة، المقطعة/ المركبة، المتداخلة الى حد التشابك او التضارب او اختلال المعنى.
اما حين سرى النغم، وضبط الايقاع نحو الاصوات الهادرة، فقد اقبلت النشوة متهادية في موكب ملكي، وتسارع الارتقاء الى ذروة الاحساس على جناح النغم الطلي: اكتمل الشعر بالغناء الشجي، وأضاف خالد العبدالله، واضافت جاهدة وهبي الى النص رهافة الروح.
فاذا الشعر يتقطر ندى وعذوبة وغضبا ومقاومة تسقي بالحب الارض فتحميها وترفع الارض الى مصاف الشهداء فتقدسهم فيها وتقدسها فيهم.
هدرت نضال بصوتها التظاهرة، ثم رقت فشفت حتى صار للهمس دوي النفير… وتمازج العشق بإرادة الحياة ومقاومة قتلة الشمس ومغتالي ضياء القمر وابتسامة محمد الدرة، ومدت الجسور للذاهبين الى أمنياتهم، فحملت رابعة العدوية علم فلسطين وأخذ الحلاج بندقيته ومضى نحو فلسطين وجاء بدر شاكر السياب لينزل المطر على الذاكرة فتستعيد عراقها، بينما محمود درويش وغسان مطر وتوفيق زياد وسميح القاسم ينشدون للمحبين.
الحب في الارض، الحب للارض، لا يعيش حب بلا وطن، لا يكون غناء خارج إرادة الحياة. وللحياة وطن من نسيه او أسقطه او سقط منه لم يستطع الوصول اليها.
جديد نضال الأشقر انها »هرّبت« المقاومة الى جمهور ربما لم يكن ليطرب لحدائها، وانها هرّبت الى وجدان المقاومين شعراء غنوا الحب منفصلا عن الارض وعن عطرها المنشي: عرق الفلاحين من أهلها الذين حفظوها وحموها بأهداب العيون لكي تكون للعشاق خمائل ولكي يكون للشعر مدى، ولكي ينتبه الشعراء الى »الموضوع«.
اما الامر الاستثنائي الذي وفرت له نضال الاشقر فرصة ان يتحقق فهو انها نجحت في ان تستولد في خالد العبدالله وجاهدة وهبي »الملحن« الكامن، إذ ان كلا منهما قد أضاف الى الشعر ما ألهمه إحساسه من النغم، فجاء التلحين الارتجالي قصائد جديدة في هذا الديوان المفتوح للوجدان العربي.

Exit mobile version