مر الاول من نيسان من دون كذبة لائقة بالمناسبة. لم يتفاجأ أحد بخبر سيء كاذب ولم يفرح أحد بكذبة ذكية. لا يدل ذلك على فقدان العبقرية بل على فقدان الشهية بالكذب. نحن شعب يعيش في كذبة دائمة الحضور، واعتاد على ألا يصدق شيئاً. فقد الأمل بالكذب الابيض. الاسود حط عندنا ولم يبرح بعد، وقد لا يفعل. لقد استوطن في وطن الدجل والكذب والخبث والقنص والإفتئات. احدى ايجابيات استفحال الكذب، أن الناس لم تعد تصدق مسؤولاً او سياسياً أو قائداً او مبشرا او رجل دين. هي أفضل عقوبة تنالها طبقة سياسية من جمهورها. هذه جمهورية ترويج الكذب.
كذبة قانون الانتخاب مفضوحة. للانتخابات خط سير واضح. من يصنع القانون يعرف ما سيسفر عنه صندوق الاقتراع. لا جديد. مجلس النواب محجوزة مقاعده سلفاً. التغييرات الضئيلة تتمثل بحصة كل طائفة وكل تيار. جبران باسيل لن يتراجع عن التمثيل الأرثوذوكسي ولو من دون تسمية. سيريح قليلاً. وليد جنبلاط سيخسر قليلاً جداً. سعد الحريري يبحث عما يعوض خسارته. خصومه شركاؤه. الثنائي الشيعي، “يا جبل ما يهزك ريح”… ويحدثونك عن الاصلاح وعن تجديد الطبقة السياسية، وعن تحصين المؤسسات، وعن استعادة الدولة لسلطتها وهيبتها. من يصدق ذلك؟
كذبة الاصلاح بالتعيينات الجديدة لا تصمد كثيراً. كل التعيينات حصلت بالتوافق الطوائفي. أي تقريباً بإجماع ممثلي الطوائف وشعوبها. وهؤلاء هم اساس الشكوى والمسؤولون عما آلت اليه البلاد من فساد. من يصدق أن قادة الفساد سيكونون قادة الاصلاح؟ لا أحد يضع أنشوطة الاعدام حول عنقه. يفضلون أن تبقى الدولة فوق المنصة وفي عنقها حبل المشنقة.
كذبة الاصلاح بالقضاء. والقضاء متخم بروايات فضائحية. قضاء ملحق بالسياسيين هو القضاء اللبناني. يستثنى اصحاب الايادي البيض، الذين يلوذون بالصمت وهز الرأس. آفة الاصلاح تكمن في كون الفساد عمومي ومحمي. ومن تأمنت له الحماية يرتكب “السبعة” ويتقدم الصفوف الامامية في الحديث عن مهابة القضاء وعدم التعرض له.
أي اصلاح، ولم يتقدم أحد بعد، من عصبة الطبقة السياسية، بأي برنامج او خطط. كلام عمومي. غبار في العيون. طنين في الآذان. أقل ما يقال، بضاعة فاسدة. الاصلاح مشروع فوق طاقة الطقم السياسي من اوله إلى آخره. كل اصلاح، يحتاج إلى بيئة تربوية، ثقافية واعلامية، وقرارات تحرر اجهزة الرقابة، بعد تطهيرها، لمحاكمة المرتكبين.. وليس “للعفو عما مضى” و”لا غالب ولا مغلوب”، و”لا ناهب ولا منهوب”. من له هذه الشجاعة كي يتقدم المجموع ويقول: أنا فاسد، وانا نادم؟ لا احد… ليس لدينا في الحكم ملائكة، والدولة المفلسة مالياً والعاجزة انتاجياً قد تم نهبها وهدر اموالها، لصالح هذه الطبقة بالذات ولصالح سلالتها.. فحش غير مسبوق. تسيب اجتياحي. ليس في الدولة مؤسسة سليمة، وتحديداً من اوكل اليه امر القضاء والمحاسبة.
لدى المتجمع المدني فرصة ذهبية، اذا اتحدت جمعياته وأنديته وكادراته. لديه فرصة انشاء محاكم شعبية، ومساءلة الفاسدين. لديه لحظة تكوين ملفات قضائية عن الجرائم المالية والاقتصادية والادارية والقضائية، لوضعها بتصرف الرأي العام. لديه افق المحاولة، ولو خطوة خطوة… تعوز المجتمع المدني الجرأة والتواضع والتجمع. اذا لم يحصل ذلك، اخشى أن يتهم بأنه اشبه بـ”كذبة نيسان”.