طلال سلمان

كتابــة علــى جــدار الصحافــة 21 ## هوامش

مـــن الزنزانــة إلـى القــاووش: اســتقبال الأبـطال للأســاتذة الأبريــاء!
جدل مع «الشاويش» الأرمني: لا تساهل هنا مع سارق زميله.. فالسرقة عيب!
مع صباح اليوم الخامس عشر جاء الخبر الذي كان أقل من بشرى وإن أوحى بقرب الفجر: طلب الدركي من الفرسان الثلاثة أن يستعدوا للذهاب، مجدداً، إلى المحكمة العسكرية التي قررت النظر في طلب الاستئناف.
خرج الثلاثة من زنازينهم بثياب العيد وعلى وجوههم ابتسامة استبشار: هذه فرصة لتصحيح القرار الظالم وإسقاط التهم الباطلة؟
اقتيدوا إلى مكتب الضابط الذي عزز ثقتهم ببراءتهم وتمنى لهم التوفيق، وتوجهوا إلى الشاحنة مقيدي الأيدي، فلما غدوا داخلها فكت قيودهم… فقال توفيق: وماذا لو قفزنا هاربين؟! ابتسم الدركي ولم يعلق، فقال ادوار: انتبه يا أفندي، قد يفعلها فيخرب بيوتنا! ثم استدرك قائلاً: مع انني اعرفه جباناً، ثم انه أعجز من أن يمشي مبتعداً، فكيف بأن يقفز؟! قال توفيق بسخريته المعهودة: تركت لك مباريات القفز العالي.. أنا الآن مهتم بالسباحة في أعالي البحار! ولسوف تراني في المحكمة أقفز من فوقك!
توقفت الشاحنة أمام مبنى المحكمة العسكرية، فأعيد تكبيلهم، ثم انزلوا واحداً اثر الآخر، وادخلوا غرفة التوقيف في انتظار ان يستدعيهم القاضي. لم يكن أي من رفاق الأيام التسعة هناك.. ولم يكونوا معنيين بمظالم هؤلاء. ولكنهم افتقدوا «مرشدهم» فؤاد ناصر الدين، وان ظلوا يأملون ان يظهر، فجأة، في المحكمة.
عند العاشرة والنصف صباحاً جاءهم الرقيب الأول في الشرطة العسكرية، فاقتادهم الواحد في اثر الآخر، مكبلين، إلى القفص في قاعة المحكمة. وبعد دقائق أدخل إلى قفص جانبي «زعيم العصابة» أحمد الصغير جابر.
همس توفيق المقدسي من خلال ابتسامة عريضة: هذه بشارة خير… نحن الآن في المطهر! وأحمد الصغير في البرزخ!
نبر ادوار: أحمد مسلم، فلماذا تحشره معي؟! ألم يكفك ما نلناه منه؟!
قال توفيق ضاحكاً: منه؟! انظر إليه؟! مؤكد انهم قد برحوه ضرباً ولكماً! أما أنا فأعتقد أنه لا يقل براءة عنا! القصة كلها ملفقة، ضده وضدنا جميعاً!
قبل أن يرد ادوار صرخ الحاجب منبّهاً إلى دخول «حضرة الرئيس الزعيم…».
وقف من كان جالساً، ودخل «الزعيم» ومن خلفه هيئة المحكمة، واستبشروا خيراً عندما انتبهوا إلى أن المدعي العام قد تمّ استبداله بآخر.

^ لم يكن في الاستجواب الجديد ما يختلف عن سابقه. تكرر اتهامهم بالضلوع مع أحمد الصغير في جرائم العصابة الخطيرة: تزوير الهويات وجوازات السفر، تهريب الأشخاص والسلاح، الإعداد لانقلابات في البلاد العربية، ومعها بعض الجنح الأخرى كالتستر على مطلوبين أو إخفاء بعض المستندات الخ.
بعد ساعة، تقريباً، أعيدوا إلى غرفة التوقيف، في انتظار قرار المحكمة… ثم جاء من يأمرهم: هيا، استعدوا. ستعادون إلى سجن الرمل. لقد أرجأ الرئيس النطق بالحكم أسبوعاً!
غابت الابتسامة عن وجوههم، وعادوا يتقوقعون في قلب همومهم التي غدت الآن أثقل. لكن الفتى لمح طيف أبيه في الطرقة، فقرر أن يستقبله بابتسامة لعلها تخفف عنه، فاغتصب مشروع ابتسامة وهو يتلقاه عند باب غرفة التوقيف. قال الوالد باقتضاب: لنأمل خيراً. في أي حال فما يريح انكم لن تعادوا إلى الزنزانات، بل ستكونون مع الآخرين..
لم يشأ الوالد المثقل بهمومه ان ينطق كلمة «المساجين». لعله وجدها ثقيلة الوطأة على نجله الأكبر.. لكنه استدرك فقال بنبرة تفاؤل قاطعة: ألم تلاحظ كيف تبدلت لهجة رئيس المحكمة؟! وحتى تعامل الشرطة العسكرية صار أقل غلظة.. انه اسم الأستاذ نصري المعلوف. أنا الآن مطمئن إلى حكم البراءة فاطمئن وطمئن رفيقيك..
جاء رجال الشرطة العسكرية لنقل الموقوفين إلى الشاحنة التي ستعيدهم إلى سجن الرمل، فقال توفيق المقدسي: لقد كسروا رتبتنا.. كنا في أجنحة فخمة مستقلة، ولسوف يعيدوننا الآن إلى «القاووش» مع أبطال التهريب والمتهمين بجرائم قتل أو بالاعتداء على قاصر أو بالسرقة. علينا ان نرفض. ان نرفع قضيتنا إلى الأمم المتحدة والى محكمة العدل الدولية! نحن ورثة الفينيقيين مبتدعي الأبجدية، فكيف نحشر مع زمر القتلة والحرامية والنشالين! ما رأيك يا ادوار؟!
نبر ادوار: وأين أليسار تهب لنجدتك؟! أين ملك صور وملك جبيل؟ بل أين أدونيس وأين هنيبعل؟! وقدموس.. وأين بناة قلعة بعلبك يا ابن راس بعلبك؟!
تدخل الوالد للتهدئة، لكن توفيق قال له ناصحاً: حتى عندما يحكم ببراءتنا ونخرج مرفوعي الرأس سيجد ادوار ما يتأفف منه.. هوّن عليك يا عم! لقد ألفنا هذا «النق» وصرنا نستمتع به ونفتقده ان امتنع عنه، فنتحرش به كي يتحفنا ببعض لطائفه التي تؤكد اننا ما زلنا على قيد الحياة..
دفعهم رجال الشرطة العسكرية إلى الشاحنة التي سيتولى حراستها رجال الدرك، فانطلقت بهم إلى سجن الرمل، وكان يشغلهم الا يجري توزيعهم على قواويش مختلفة، مع أن والد الفتى طمأنهم إلى انهم سيكونون معاً، كما أبلغه آمر السجن.

^ هذه المرة لم يتم تفتيشهم وهم عراة في باحة السجن، بل اكتفى المعاون الأول بسؤال مهذب: هل تحملون أية ممنوعات؟! ورد توفيق ضاحكاً: ليتنا نستطيع ان نطال بعض إنتاجنا الوطني المميز من سهول بعلبك.
ابتسم المعاون الأول وقال: ستكونون معاً في القاووش الرقم ستة. انه يضم كل الأصناف، لكن شاويشه الأرمني قبضاي، وهو يفهم في الناس، وبالتأكيد فانه سيخصكم بمعاملة ممتازة. ونحن في الخارج، نعرف من أنتم، وانكم هنا موقتاً، ونتيجة التباس ما… فلم نعتد أن يتم نقل من في الزنازين إلى القاووش، لأنهم عادة ما يكونون خطرين فلا يسمح باختلاطهم مع باقي السجناء!
أمر، فجاء ثلاثة من رجال الدرك، ورافقوهم حتى باب القاووش، حيث استقبلوا بترحاب لافت؛ صاح «الشاويش» الأرمني: وقوفاً! فوقف السجناء جميعاً، ثم تقدم منهم مصافحاً وأمر الآخرين بالتقدم لتحيتهم وقد أخذهم شعور تختلط فيه الفرحة بالذهول مع شيء من الاستغراب.
قال توفيق مقدماً ادوار: هذا زعيمنا! انه أعظم رئيس عصابة عرفته البلاد! انه خطر جداً، فانتبهوا وإياكم وإزعاجه… واعلموا انه يشخر ليلاً، فلا توقظوه لأنه قد يفتك بمن يقترب منه!
ضحك السجناء، واكتفى ادوار المذهول بهذا الاستقبال الحافل بأن زجره بنظرة غضب، ثم تولى «الشاويش» الذي كان السجناء يلقبونه «البارون» تعريف الضيوف الجدد إلى النزلاء القدامى، مستذكراً كلاً منهم ومسقط رأسه وتهمته ومدة سجنه، وكان يقف إلى جانبه «حارسان» هما الأعظم قامة بين السجناء، أحدهما أرمني والثاني «ابن عرب»، كما قدمه «البارون»، قبل أن يأمر فيفسح القدامى للضيوف الجدد مساحة لثلاث فرشات إلى جانبه مباشرة، توكيداً للتكريم الاستثنائي.

^ تحلق المساجين من حول ضيوفهم، وتولى «الشاويش» الآن رئاسة المحكمة، بينما انتدب سجيناً فصيحاً غليظ الصوت لمنصب المدعي العام، وسجيناً ثانياً للادعاء العام، وسجيناً رابعاً كمحام للدفاع… ثم صاح من تم تعيينه حاجباً مقلداً بعض الممثلين في السينما المصرية: محكمة!
قال الشاويش ـ الرئيس موجهاً الكلام إلى ادوار: سأبدأ بالأكبر سناً! ما دخلك بالجزائر أيها الكهل؟! انها بعيدة عنا بما يكفي لننساها.. فمن هو الشيطان الذي أخذك إليها، أو جاء بها إليك؟!
قال ادوار بحنق شديد: ان عرفته فسأخنقه بيدي هاتين..
قال توفيق ضاحكاً: اعذره، حضرة الرئيس، انه بسيط وساذج ولا يقدر نتائج ما يصدر عنه من ألفاظ! أسألك ان تعذره!! ثم هتف على طريقة الممثل المصري حسين رياض: رحمتك يا رب!
ضحك الجميع بينما انصرف ادوار إلى ترتيب حاجياته قرب فراشه، أما المحاكمة فقد تواصلت حتى الحكم ببراءة المتهمين… عندها فقط انفجر ادوار قائلاً: والتعويض أيها الرئيس المبجل!! لقد خسرنا سمعتنا، وفقدنا مواقع عملنا، وتمت الإساءة إلينا في وطنيتنا، فمن يعوّضنا؟! ثم أضاف وقد غلبه الشجن: من يقنع زوجتي، بل أهلي جميعاً، انني لم أرتكب جرماً ولم أسئ إلى أحد؟! وما دخلي أنا بقضية الجزائر. هذه بلاد بعيدة، ومعركتها طويلة ومفتوحة مع الفرنسيين. ما شأني أنا، المسكين، بهذه الحرب التي التهمت وتلتهم آلاف آلاف الضحايا؟!
كان توفيق قد استلقى على قفاه ضاحكاً؛ فلما فرغ ادوار من خطابه، وقف ليقول بلهجة جادة: أما أنا فأمري مختلف جيداً، سيدي الرئيس… أن أكون جاسوساً فهذا أمر وارد، فالجاسوسية مصدر ثراء، كما تعلمنا حكايات الجواسيس والأفلام التي شاهدناها عنهم.
صمت قليلاً ثم اندفع يقول وهو يرقص: جاسوس على راسي من فوق، مخبر لأجهزة الدول العظمى على عيني، أما جاسوس للجزائر.. يا للهول! سيدي الرئيس انهم يدورون على البيوت يجمعون لها التبرعات! أي أهبل يمكن ان يتجسس لدولة لم تولد بعد؟!
انفجر الجمع بالضحك، بينما تابع توفيق يقول بلهجة جادة: ثم إنني، حضرة الرئيس، أحصر التهمة بنفسي. ان هذا الفتى بريء تماماً تماماً، وكذلك هذا الكهل الأحمق… أنا وحدي الجاسوس المجاني لدولة تحت التأسيس، نجمع لها التبرعات في صناديق خشبية، ويتبرع لها بعض النساء بخواتم الزواج، ويعرض الرجال ان يتبرعوا لها بالدم! أنا الجاسوس الغبي، الذي انحرف فأساء إلى شرف المهنة! بدلاً من الدولارات والجنيهات الإسترلينية، وحتى المصرية، ومعها الليرة اللبنانية القوية ذهبت إلى بلاد لا عملة لها حتى اليوم، بل ان أهلها يتعاملون بفرنك المستعمر الفرنسي. انني استحق حكماً قاسياً، سيدي القاضي… فأنا أهبل وغاوي فقر، وبالتالي فلست مظلوماً، فلا تتعب في محاولة تخفيف الحكم على جاسوس ضل السبيل، فحق عليه العقاب! احكم عليّ كأهبل، سيدي الرئيس، كمعتوه، ولكن ارحمني فلا تتهمني بالتجسس لحساب دولة غير موجودة، وذلك من أجل كرامة المحكمة!
صفق «الشاويش» فصفق المساجين جميعاً، وقاموا يهنئون هذا الموقوف على مرافعته الرائعة، في حين اقترب دركي الممشى من باب القاووش الرقم 6 متسائلاً عن سبب هذه «الهيصة»، فطمأنه «الشاويش» إلى انها حملة ترحيب «بالأساتذة الذين جاؤونا ضيوفاً، على غير ميعاد…».

^ انتهى حفل الاستقبال وعاد كل إلى موقعه، وان أظهر بعض السجناء شيئاً من الاعتراض، خصوصاً ذاك الذي صار عند العتبة، على شمالي الداخل..
وتبرع من يشرح للفتى أن للموقع وبعده أو قربه من الباب أهمية خاصة.. فالأدنى مرتبة أو وجاهة، أي المدان بجريمة اغتصاب قاصر أو سرقة أو نشل هو «المنبوذ»، وموقعه خلف الباب مباشرة، يليه من جرمه أقرب إلى الدفاع عن الشرف أو مرتكب القتل طلباً للثأر، أو قاتل من أراد قتله فسبقه.
تأمل الفتى صحبة الاضطرار هؤلاء، وكان «الشاويش» قد أحله قريباً منه، لا يفصله عنه إلا مساعده الذي عرف انه قتل رجلاً وجرح ثلاثة دفاعاً عن النفس في منازلة غير متكافئة خرج منها بطلاً… وقد حل توفيق إلى يمينه، وبعده ادوار. وسمع همهمات اعتراض، لكن «الشاويش» حسم الأمر، ولا مرجعية غيره لعرض الاعتراض عليها.
عند الساعة الثالثة بعد الظهر، أخرج السجناء إلى «النزهة». كانت الشرفة فسيحة كفاية، تدخلها الشمس من أعلاها.. وكان الأقدم من أصحاب الخبرة يمضون الوقت في المشي ذهاباً ورجوعاً… ونادى أحدهم الفتى بقوله: يا أستاذ، ستجلس طويلاً في القاووش.. هيا، حرك قدميك: اذهب إلى نهاية الشرفة وعد مسرعاً مرات ومرات. ان ذلك يساعدك على حماية عقلك، كما أنه يجعلك تنام ملء عينيك!
غمز الفتى توفيق المقدسي فنادى ادوار قائلاً: ألن تنضم إلينا؟! اننا ذاهبان إلى وادي شحرور، تعال..
وانفجر ادوار غضباً وركض خلف توفيق الذي ركض بدوره، وأفسح السجناء لهما الميدان، فاستمرا يركضان لدقائق، ثم توقف توفيق وهو يرفع يديه مستسلماً: فداك دمي أيها الصديق الصدوق.. فتوقف! لكن ادوار ظل يجري نحوه حتى قاربه فصاح فيه: وادي شحرور تشرفك وتشرّف أهلك يا من لا يعرف ضيعته!
تدخل شركاء الغرفة فحوّلوا الأمر إلى مسرحية هزلية كشفت عن وجود مواهب في التمثيل بين السجناء، بينما كان رجال الدرك يتأملون المشهد مبتسمين.

^ في الليل شهد القاووش الرقم 6 معركة لم تكن متوقعة: انتبه أحد المساجين إلى ان سجيناً مستجداً يزحف بهدوء نحو «زوادة» زميل له، ثم يفتحها ويسحب منها رغيفاً وبعض المأكولات، فنهره، فلم يرتدع، فقام يحاول منعه منها، فتضاربا، وتشاتما فسمع «الشاويش» فرفع صوته مطالباً بإضاءة القاووش لوقف الاشتباك والتحقيق في أسبابه وتحديد المسؤولين عنه والمشاركين فيه.
أضيء القاووش فعلاً، وقام مساعدو «الشاويش» «باعتقال» السجينين ثم بدأ التحقيق، بينما الدركي عند الباب يستمع ولا يتدخل.
استدعى الشاويش شهود الحال، فثبتت التهمة على السارق.. وانقسم السجناء بين من يريد تسليمه إلى الدرك لتأديبه بالفلقة، ومن يريد الاكتفاء له بكفين من «الشاويش»، ونقله إلى العتبة خلف الباب! وشجر خلاف أوسع داخل القاووش بينما توفيق المقدسي يصرخ: الجوع كافر، يا شباب.
هتف الفتى: سأعوّض المسروق مما لديّ..
قال «الشاويش»: ولكنها قضية مبدأ. كلنا نرى أنفسنا مظلومين هنا. ألا يكفينا ما نحن فيه فيقوم بعضنا بسرقة البعض الآخر..
قال ادوار: ولكن الجوع كافر..
ردّ «الشاويش»: ليطلب مني، فنجمع له ما يقيم اوده، اما التسلل والسرقة…
قاطعه توفيق: ولكنه اعترف بذنبه، فلنكتف الآن بتنبيهه، فإن عاد إلى السرقة أدّبناه..
سأل الدركي من كوة الباب: هل انتهى الأمر أم أسحبه إلى الفلقة؟!
قال توفيق: انتهى الأمر، يا أفندي، تصبح على خير!
بعد عودة الهدوء، جلس «الشاويش» يروي للفرسان الثلاثة بعض ما وقع له من غرائب وعجائب في القاووش. تحدث عن عملية تحرش بعض المساجين ببعضهم الآخر، وعن سرقات الأطعمة، وعن الصراع حول الموقع من الباب،.. وقال انه يتحمل المسؤولية إذ يعتبره رجال الدرك نائباً عنهم في حفظ النظام، فان قصّر عزل وعينوا غيره.. وانه اتهم أحياناً بمحاباة السجناء من الأرمن، برغم انهم خصومه سياسياً…
ثم طلب إليهم الاقتراب منه ليهمس في آذانهم: ان إدارة السجن تختار بعض ضعفاء النفوس لتجعلهم وشاة على رفاقهم، مع وعد بتصنيفهم حسني السلوك مما قد يقصر أياماً من محبوسيتهم! أو يسرع في تعيينهم «حجاباً» يسعون ذهاباً وإياباً في خدمة الإدارة، وقد لا يترددون في تركيب اتهامات على بعض زملائهم وشركائهم في المحنة..
قال توفيق: كما في الخارج، كذا في الداخل..
قال ادوار: اللهم عجّل في فرجنا، قبل أن تركب لنا تهمة جديدة أو نرتكب بالفعل جرماً جديداً… لو اقترب مني أحد…
قاطعه توفيق: سوف تصرخ مستنجداً فأتولى عنك ارتكاب الجريمة!
ضحك «الشاويش» المعتد بعضلاته: اطمئنا، فأنا ومساعدي هذا قادران على ضبط الأمر وحفظ أمن القاووش.. والآن، إلى النوم، فأنتم متعبون.
انطوى كل منهم داخل فراشه، مع أمل بأن يحمل الصباح خبراً جديداً يطمئنهم إلى موعد الجلسة التي ستقول الكلمة الفاصلة في ظلامتهم التي طال ليلها أكثر مما يجب ويجوز.
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ موسيقاي المفضلة صوت حبيبي. أسمعه فيطربني وأغيب في قلب النشوة ولا أنتبه إلا حين يعيد عليّ السؤال الذي يعرف جوابه. كم مرة عليّ أن أغادر من حبي إلى حبي في غياهب اللهفة؟!

Exit mobile version