طلال سلمان

كتابة ثلج على واقع عربي اسود

كل ما في لبنان أبيض من قمم جباله إلى جيوب مواطنيه الأبرار،
و»الأعياد« تتزاحم متوالية بأثقالها كالضرائب والرسوم فتزيد من أعباء الدين الخاص الذي لا أمل بأن يخفّض خدمته مؤتمر باريس 2 وما تلاه من تدابير استثنائية »بيّضت« وجه المصارف وكبار المودعين.
أما على المستوى العربي فلا مجال للأعياد وهداياها ولا للون الأبيض ودلالاته في هذا الأفق المعتم بطلائع العاصفة الأميركية العاتية والحزن العراقي الثقيل والمتجدد أبداً، وبنجيع فلسطين التي تتشلع أمام العيون المفتوحة على الفراغ، فتُدمَّر مدنها وتباد قراها ويقتل أطفالها ويشتت من تبقى من شعبها فوق »خريطة الطريق« الى الضياع ولا من مُغيث..
والمسؤولون العرب يهربون من القمم الى اللقاءات الثنائية المقفلة تحاشياً لمزيد من فضائح الانقسام والخوف من الخيانة الصريحة والعجز عن مواجهة »الحليف« و»الراعي الكبير« الذي أنكر »صداقتهم« ويصر على معاملتهم معاملة »الاعداء«… ولا يفيد في استعادة ثقته ان يجتمعوا في بعض »قواعده« العسكرية من حيث ستنطلق الطائرات والصواريخ لتدمير بلادهم!!
ولولا الصوت المفرد للرئيس السوري بشار الأسد، قبل لندن وخلال زيارته الرسمية الحدث اليها، وفيها وبعدها، لكانت السياسة العربية مجرد »سباق جري« بين هؤلاء المسؤولين: من يخرج من »عروبته« أولاً، ومن يخرج عليها قبل الآخرين، فقد صار القائل بالعروبة كالقابض على الجمر.
لقد أعاد بشار الأسد، وسط غياهب التنازلات والتراجعات والانحرافات، شيئاً من الاعتبار الى »الموقف العربي« الذي كادت تستهلكه فتلغيه الإقليميات ومحاولات حماية الذات ولو على حساب المجموع على قاعدة: أنا ومن بعدي الطوفان!.
فأما لبنان الرسمي فمشغول »بغسيل القلوب« بين اقطابه و»غسيل جيوب« مواطنيه، بحيث لا يتبقى من وقت ومن قدرة على الاهتمام بما يدبر لمنطقته جميعاً.
الحكومة تظهر غالباً في ثياب »جابي ضرائب« وأحياناً في زي »المرابي« الذي يستدين ثم يحاول دفع الدين من لحم مواطنيه..
فهي تجري الحسابات على قاعدة: كم وفّرنا بالديون الجديدة من خدمة الديون القديمة بحيث نستطيع ان نحصل على مزيد من القروض، فنسترضي ببعض المليارات هذا وذاك من الاقطاب المغضبين والمطالبين بتبديل في الحكومة او تعديل. أما السداد فيقع على عاتق الموظفين، عاملين ومتقاعدين، والمضمونين الذين التزموا بدفع اشتراكاتهم على امتداد سنوات العمل لتكون معيناً لهم على سنوات الشيخوخة وانعدام الدخل.. ولأن جيلاً واحداً لا يكفي للنهوض بأعباء الديون فليتحمل الجيل الثاني وربما الجيل الثالث بعض هذه الأعباء.. وإلا فالاستقالة ورمي البلاد في الفراغ!
ولأن الحكم لا يملك ما يحدث به ضيوفه الكبار في السياسة، فقد حول الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الى سائح يجول بين »آثار الاقدمين« في المتحف الأنيق، ومغارة جعيتا… (بافتراض ان لا مغاور ولا كهوف ولا آثار للاقدمين في مملكة سبأ التي انفجرت منها الحضارة مع انفجار السد العظيم في مأرب)..
السياسة في الشام ومع الشام… أما لبنان فللسياحة، حتى في زمن الحروب الظالمة على هذه الأمة تدمر حاضرها وتعلق مستقبلها على المجهول!
ومن بغداد يأتيك بالأخبار من لم تزود.
ففي حين يجمع العائدون من هناك على ان العراقيين يعيشون حالة رعب حقيقية من احتمالات حرب الدمار الشامل التي فرضتها الإدارة الأميركية، الموضوع الأوحد على جدول اعمال السياسة الدولية (والعربية) وأجهزة الاعلام جميعاً..
…وفي حين تتبادل اطراف المعارضات المختلفة التشهير بعضها بالبعض الآخر، وتتوزع طوائف ومذاهب وأعراقاً تنفي عن العراق عروبته، وتتنافس على إثبات ولائها »لحاكمه الجديد«، الجنرال الاميركي المعزز بالخبير الافغاني في التآمر على وطنه والاوطان الأخرى..
في هذا الوقت يأتيك من »يطمئنك« بلهجة الفخر إلى أن صدام حسين باق حتى لو دمّر الأميركيون العراق من أقصاه الى أقصاه فلم يبقوا فيه حجرا على حجر!
يقول بعض من لهم صلة »بأبي عدي«، إنهم سمعوا منه في غير لقاء ما مفاده:
لن تنجح أية محاولة لاغتيال صدام حسين لانه قد احتاط لكل أنواع المحاولات، وسواء جاءت من البعيد أم من القريب..
لن تنجح أية محاولة لاكتشاف مقره والقبض عليه حياً.
ويروي هؤلاء الثقاة ان أحد الأصدقاء القلة المقربين من صدام حسين قد جاءه في أحد مخابئه، على غير موعد، فسأله عمن أرشده الى مكانه فسمّى له صديقاً ثانياً مقرباً جداً، فأمر »أبو عدي« فجيء بالصديق الثاني، وعندها أخذ مسدسه فأعطاه الى الصديق الأول وأمر بأن يقتل »الواشي«، فلما امتنع استعاد صدام المسدس وقتله… وهكذا ضمن ألا يجاوز السر الاثنين فلا يشيع!
لن تنجح أية ضربة، مهما بلغت أحجام القنابل والقذائف والصواريخ، في قطع اتصاله »بوحدات النخبة« وعزله عن العالم، لانه قد جهز بعض مقاره السرية بوسائل اتصال لا يمكن ان تتأثر بالقصف أو تنقطع بما يفقده التواصل وإدارة المعركة حتى النهاية!
كل ما في لبنان أبيض، برغم ان الافق العربي مظلم، ولا يكاد أحد يتبين طريقه الى حاضره..
وأطرف الأخبار ان »القمة الخليجية« المنعقدة الآن في الدوحة تحاول توحيد الموقف من الحرب الاميركية على العراق…
أي ان القمة المنعقدة بين أكبر قاعدة أميركية وبين أهم قاعدة إسرائيلية في المنطقة، سوف تسعى الى التوافق على قرار لحماية العرب.. من أنفسهم!
وبديهي والحال هذه ان يغيب عن هذه »القمة« من لا يريد ان يحمل نفسه مسؤولية قرار »غيره« في تدمير الحاضر العربي، طالما انه لا يملك ان يمنع صدور مثل هذا القرار.إس

Exit mobile version