طلال سلمان

كتابات على جدار الصحافة (18) هوامش

«أبطال برغم أنوفهم» أمام المحكمة العسكرية: توفيق المقدسي يتماسك وإدوار فغالي ينهار!
«الزعيم» كرم لفؤاد نصر الدين: فطنتك تمنعك من التورط.. لكنك معهم ومنهم!
مرت الأيام بطيئة على «جمهور» الموقوفين في نظارة المحكمة العسكرية. جيء بكثيرين، وأفرج عن آخرين، أو تمت محاكمتهم فذهب بعضهم إلى السجن وأطلق سراح البعض الآخر، فغادر من دون وداع..
قال «النقيب» فؤاد نصر الدين: مدة التوقيف هنا على قدر الوساطة. إن كان المتشفعون بالموقوف نافذين أخرج بعد يوم أو يومين على الأكثر. تنظم له محاكمة سريعة ويحكم بالبراءة أو بحكم خفيف مع وقف التنفيذ… وإن كان مثلنا، ممن لا أحد من النافذين يهتم لأمرهم، بقي لأيام، ثم حوكم فحكم بالمدة التي أمضاها ضيفاً على هذه «الاستراحة» الفخمة، أو أطلق سراحهم لعدم كفاية الدليل إذا ما كان القاضي صاحب ضمير. الحكم على قدر الشفاعة.
سأل الفتى ببراءة: أليس بين القضاة من له ضمير؟! هل من السهل على إنسان أن يدين بريئاً: .. أن يقضي على مستقبل شاب، أو أن يشوه سمعة رجل لم يرتكب جرماً؟! هل كل القضاة من الضباط يسخّرون ضمائرهم لأغراض أصحاب النفوذ؟!
لم يرد «النقيب» ولكنه نادى على موقوف كان قد وصل بالأمس فجاءه متثاقلاً. سأله فؤاد نصر الدين: ماذا قال لك القاضي خلال الجلسة؟ رد الرجل: قال لي عليك ان تأتي بمحام، وعندما قلت له أن لا مال لديّ، نادى أحد المحامين فسأله: هل تتطوع للدفاع عن هذا المتهم؟. قال المحامي وهو يدقق في وجهي ثم في ملابسي: من أين أنت… وما هي التهمة؟ ولما رويت له حكايتي هزّ رأسه وهو يقول: ستحكم بأسبوعي سجن وغرامة قدرها مئة ليرة، فإن لم تدفع حبست عشرين يوماً إضافيا، بواقع يوم عن كل خمس ليرات. توقف لحظات عن الكلام وتنفس بعمق قبل أن يقول بحسرة: لو كان معي مئة ليرة لما كنت هنا!
في ذلك اليوم شهد الفتى ما لن ينساه طوال عمره: نودي على الشاب الذي من قرية قرب حولا، فأخذ إلى المحكمة ليسمع الحكم. قام فؤاد نصر الدين إلى النافذة الضيقة المشبكة بالحديد فنظر إلى الطرقة التي تفصل النظارة عن المحكمة، ثم نادى على الفتى أن تعال. بسرعة! وجاء الفتى فنظر، قال «النقيب»: أترى هذا الكهل المكوم جسده الهزيل في الممر أمامك.. انه أبو صاحبنا الشاب. اسمع ما سوف يقوله.
نادى «النقيب» الكهل: أنت يا عم.. تعال، اقترب منا..
قام الكهل بتثاقل واقترب من باب الزنزانة فسأله «النقيب»: هل صدر الحكم؟
قال الكهل وقد غطت الدموع عينيه: نعم صدر.. حكموا بخمسة عشر يوم سجن وبغرامة قدرها خمس وعشرون ليرة. أما مدة السجن فقد انتهت لأنهم احتسبوا أيام التوقيف، وأما الغرامة…
توقف الكهل عن الكلام وأجهش بالبكاء. سأله «النقيب»: كم معك؟!
رد الكهل بانكسار: كل ما معي سبع عشرة ليرة، وهي لا تكفي حتى لو دفعتها جميعاً.. ثم كيف أعود إلى قريتي البعيدة مع ابني؟! من أين سآتي بأجرة البوسطة؟!
قال الفتى وقد أخذه التأثر: ولا يهمك يا عم..
قاطعه فؤاد نصر الدين قائلاً: المظلومون أخوة.. سنجمع لك ما ييسر أمرك.. ثم التفت إلى الموقوفين طالبا من كل منهم ان يقدم ليرة، وقبل من الفتى خمس ليرات، ثم دفع من جيبه خمس ليرات. وحين مد يده بالمبلغ إلى الكهل انفجر باكيا وهو يقول: ولكنكم مظلومون مثل ابني، وفقراء مثلي، فكيف ستدفعون ما قد يحكم به عليكم من غرامة؟! قال «النقيب»: الله كريم، يا عم.. خذ هذا المبلغ ويسر أمرك. الله كريم ولا يتخلى عن عبيده… ألست مؤمنا؟! وهز الكهل رأسه، ثم رفع رأسه نحو السماء وأطلق أدعية كثيرة، ومد يده بتردد نحو يد «النقيب» بالنقود فيها، قبل ان يقول: الله يفك أسركم يا عمي. الله يرزقكم ويبعد عنكم أولاد الحرام. الله يخلي أولادك.. والله يخلي شبابك.. الله يخليكم كلكم أنتم في الداخل.
أطرق الكهل لحظات ثم أضاف قائلاً: لعل الأيام تحمل بعضكم إلى جنوب الجنوب. سأكون فخوراً بين أبناء الضيعة ان استقبلكم. سأذبح لكم الديك الأحمر. انه بحجم خروف!
قال فؤاد نصر الدين: يكفينا ان نأكل من عنب الكرم الذي تسبب في توقيف ابنك!

^ في اليوم التاسع جاء الموعد مع الجلسة الأولى لمحاكمة الشبكة الخطيرة المتهمة بتهريب السلاح وتزوير الهويات والعملة والإساءة إلى علاقات لبنان بدول عدة.. كان الفتى في غاية الارتباك: محكمة عسكرية، والرئيس برتبة «زعيم» وقد اشتهر بقسوة أحكامه، وبأنه يحب الاختصار في الأجوبة، فلا يفسح في المجال أمام المتهم لإكمال ما يدفع به عن نفسه التهمة.
نادى «النقيب» الفتى وقال له بلهجة صارمة: اترك عواطفك هنا. ستقف أمام ضابط لا يعرف المجاملة. لتكن أجوبة محددة، بلا شروحات إضافية. نعم أو لا. ان سألك التفصيل فصّل، ولكن باختصار. إياك ان تبكي، وإياك ان تتظلّم. انه لن يسمعك.
قال الفتى بصوت خفيض: ولكنه صديقنا ونحن نؤمن ببراءته..
قال «النقيب»: هذا سبب أدعى للاختصار واختيار الكلمات. تذكر: هو بالنسبة إلينا الجزائر. لم نتحدث معه إلا عنها، ولم نسمعه يتحدث إلا عنها. لا هدايا. ثم إننا لا نعرف عن منصبه إلا انه ممثل جبهة التحرير الجزائرية.. ولا نعرف عن ابراهيم كابويه إلا انه جاء ليمثل الحكومة المؤقتة.. ولا شأن لنا بالصراع الداخلي بين ثوار الجزائر.
قال الفتى: لقد غدر كابويه به وبنا..
عاد «النقيب» يؤكد على الفتى: لا نعرف إلا ما يعرفه كل الناس.
ثم اقترب ليهمس في أذن الفتى: المخابرات الفرنسية وراء كل هذا. ومؤكد انها استخدمت بعض «أصدقائها» في أجهزة الأمن عندنا لتشوّه سمعة الجزائر وثورتها..
همس الفتى وقد أخذته الدهشة: وكيف عرفت؟!
رد «النقيب»: لأن عندي عقلاً، ولا تحركني العاطفة وحدها مثلك.. تماسك. لا تدع القاضي يباغتك… ثم إن المحامي المكلف الذي أوفدته دار الكفاح بطلب من صديقك محاميها محمد الساحلي يؤدي واجبا ثقيلاً عليه، فلا تعتمد عليه كثيراً. اختر كلماتك بدقة. ولا تدع العاطفة تغلبك، وإياك إياك أن تضعف، وتذكر دائماً أن البكاء جبن وليس دليل براءة!
جاء الرقيب السمين فنادى الفتى، وفتح الباب المتعدد الأقفال، ثم قيّده، وسحبه في اتجاه قاعة المحكمة. كان في الطرقة متهمون آخرون وشهود بينهم من سيعرف إنهما صحافيان مثله.
وحين نودي عليه ارتعشت أطرافه، ثم استعاد تماسكه ودخل «مرفوع الرأس» كما أوصاه «النقيب»، سئل بداية عن اسمه الثلاثي وبلدته ومحل إقامته ومهنته، قبل ان يوجه إليه المدعي العام العسكري الاتهامات الهائلة…
قال القاضي: ماذا تقول عن هذه الشبكة التي أنت عضو بارز فيها؟
رد الفتى بسرعة: أنا صحافي، وعملي معروف، ولا أعرف شيئاً عن أية شبكة…
قال النائب العام: ولكن رفاقك في الشبكة اعترفوا بأن دورك كان أساسياً..
قال الفتى: لا أعرف عمن تتحدث… وعملي الصحافي وحده يشهد لي..
سأله القاضي: وما هو عملك بالضبط؟!
وجدها الفتى فرصة لإثبات «أهميته» فقال: أنا عمليا، مدير التحرير في مجلة «الأحد»… أي إنني مسؤول عن كل حرف وكل صورة كل خبر وكل مقال…
قاطعه النائب العام ساخراً: يمكنك ان تدعي انك تكتب أفضل من شكسبير!
قال القاضي: ولكن صاحب المجلة لم يتدخل لإثبات براءتك..
ارتبك الفتى وأطلق تنهيدة عميقة وهو يجيب قائلاً: لعله مسافر.. وقد عرفت أنه طلب إلى محامي المؤسسة ان يدافع عني.
باغته النائب العام بالسؤال: وأين هو الأستاذ محامي المؤسسة.
في تلك اللحظة قدّم محام شاب نفسه وتوجه إلى رئيس المحكمة بالقول: سيدي.. لقد كلفت اليوم فقط بهذه القضية.. لذلك أرجو من حضرتك ان ترجئ الجلسة يوماً أو يومين ليتسنى لي الدفاع عن موكلي هذا..
قال «الزعيم»: تؤجل الجلسة ثلاثة أيام، على ان يقدم المحامي دفوعه خلالها..
جاء الرقيب في الشرطة العسكرية، فأعاد القيد إلى يدي الفتى ثم صحبه ليعيده إلى «النظارة» حيث كان فؤاد نصر الدين ينتظر دوره للذهاب إلى المحكمة.
عاد «النقيب» ومعه ضيفان جديدان هما الصحافيان اللذان التقاهما الفتى في المحكمة. قال وهو يقدمهما لزميلهما ذي الأقدمية: الظلم واحد لا يميز بيننا على قاعدة طائفية. إنهما زميلان لك أولهما الكاثوليكي توفيق المقدسي من بلدة رأس بعلبك، والثاني ماروني وهو إدوار فغالي من محيط وادي شحرور أو بعض ضواحيها. الأول يعمل في «القسم الخارجي» بجريدة «الجريدة». والثاني يعمل محرراً مساعداً في جريدة «الديار» بعد انتهاء مناوبته في وزارة البريد والبرق والهاتف.
قال توفيق المقدسي ضاحكا: يبدو أننا نتلاقى، خارج المهنة أيضاً، بأننا بلا سند من أصحاب النفوذ. لقد استدعي إلى التحقيق العشرات ممن هم أصحاب مناصب عليا في الإدارة، وسئل بشكل مهذب بعض الوزراء والنواب، ثم اعتذر المحقق منهم جميعاً عن إزعاجهم ورافق كلاً منهم حتى سيارته! وحدنا جيء بنا إلى هذه المضافة..
قال إدوار الذي لم يكن قد استوعب، بعد، واقع انه موقوف وفي قضية لم يكن له أي دور فيها، وبسبب رجل كان يستقبله في مكتبه ويستمع إلى حديثه عن ثورة بلاده الجزائر، ريثما يفرغ رئيس تحرير صحيفته من عمل يشغله فيدخل أحمد الصغير عليه، وينسى إدوار اللقاء العارض وسط انهماكه في عمله.
قال توفيق: سنخرج من هنا أبطالاً.. وسنعامل وكأننا شهداء لقضية عادلة برغم أنني لست من مؤيدي الكفاح المسلح في أي مكان أو زمان.
صمت قليلاً ثم انفجر ضاحكا: أنا بطل برغم أنفي!
كان الموقوفون الآخرون يستمعون إلى هذه «الاعترافات» صامتين، أحياناً يهز البعض رؤوسهم مستغربين. وفي حالات محددة وجه آخرون أسئلة تفصيلية إلى القادمين الجديدين، ثم صار الهم منصرفاً إلى من سوف يفقد موقعه «فوق» لينزل إلى «الصالة» المزدحمة بضيوفها، تاركا «للأستاذين الجديدين» فرصة النوم براحة.

^ بعد يومين. ووفقا لتوقعات فؤاد نصر الدين نودي على الفتى، وجاء الرقيب في الشرطة العسكرية ليقتاده مخفوراً بعد تكبيل يديه، إلى قاعة المحكمة التي يفصلها ممر ضيق عن غرفة التوقيف… ثم جيء «بالأبطال الثلاثة» الآخرين واحداً في أثر الآخر، قبل ان يسمح لثلاثة من المحامين الشبان بأن يدخلوا الغرفة ليؤكدوا للموقوفين الأربعة ان «قضيتهم بسيطة» وأنهم سيخرجون بعد ساعة أو ساعتين من الإجراءات الشكلية، والتي لا بد منها، إلى الحرية.
أدخل الفتى أولاً. كان أحمد الصغير محتجزاً داخل القفص، وعلى وجهه طيف ابتسامة اعتبرها الفتى نوعاً من التضامن الصامت. أما القاضي «الزعيم» فكانت ملامح وجهه صارمة، في حين تشاغل المدعي العام بقراءة الأوراق.
قرأ المدعي العام قرار الاتهام الظني، فاستهول الفتى ما يسمعه: عصابة إجرامية، تهريب سلاح، تزوير هويات وعملة، تهريب أشخاص، تجسس لحساب جهات أجنبية، تضليل التحقيق..
قال «الزعيم»: تعتبرون أنفسكم أبطالاً.. أليس كذلك. ما ردك على هذه الاتهامات التي يملك الادعاء الأدلة على صحتها؟
قال الفتى محاولاً مقاومة الدوار الذي أصابه: لا أعرف شيئاً عن كل ما سمعته. لم يطلب مني أحمد الصغير إلا ما يتصل بمهنتي وبرغبتي في خدمة قضية الثورة في الجزائر..
قال المدعي العام، موجها الكلام إلى «الزعيم»: حضرة الرئيس… لقد تورط هذا الفتى مع المتهم الرئيسي إلى حد انه أخفى الوثائق التي تدين العصابة في منزله. لقد استخرجنا أدلتنا جميعاً من تلك المذكرات التي سجلها احمد الصغير جابر في مفكرات عديدة تتضمن أسراراً تمس أمن الدولة، وهي قاطعة في إثبات تورط هذا الصحافي الذي سخّر مهنته وموقعه لخدمة هذا الذي كان يتخذ من الجزائر وقضيتها العادلة ستاراً لأغراضه التخريبية والتي تشكل اعتداء فاضحاً على أمن الدولة. وهذا الفتى شريكه قطعا، وإلا لماذا استأمنه على أسراره… لماذا اختاره من دون غيره كاتم سره والمؤتمن على الوثائق الخطيرة المؤكدة ضلوع العصابة في أعمال إجرامية غاية في الخطورة.
كان الفتى يتابع كلمات المدعي العام مذهولاً… والتفت إلى احمد الصغير فوجد على وجهه ملامح اطمئنان كامل، أما فؤاد نصر الدين فكان يبتسم، في حين كان توفيق وإدوار مصعوقين يتلفتان كمن يطلب نجدة ما، بل تفسيراً ما لهذا الوضع الصعب الذي وجدا انهما الآن داخل دائرته الضيقة..
توجه «الزعيم» إلى فؤاد نصر الدين قائلاً: أنت خبير محلف في كل قضايا الشغب… فما دورك في هذه القضية؟
قال فؤاد: كل القضايا التي لها علاقة بمصلحة الشعب، حضرة الزعيم الرئيس.
قال الزعيم: لا يتسع الوقت هنا لمناقشة برنامجك النضالي.. أنت منهم ومعهم قطعاً، ولكنك تستقوي لمعرفتك بأن لا دليل على ضلوعك في العملية!
قال «النقيب» ساخراً: تعذر علينا القيام بالثورة هنا فارتحلنا إلى الجزائر لكي نكون معها. جريمتي انني طبعت مناشير وملصقات عليها صور الشهداء وأبطال المقاومة الباسلة في الجزائر ودفعت كلفتها من عرق جبيني…
ورد «الزعيم» بلهجة من ضاق ذرعاً بهذا النقاش: لا تزايد علينا، يا فؤاد، لو ان الأمر يتصل بثورة الجزائر لكنت معكم..
قال فؤاد بلهجة ساخرة: وماذا تنتظرون؟ تفضلوا!
تجاهل الزعيم السخرية وتوجه إلى المقدسي: وأنت ماذا تقول؟!
قال ابن رأس بعلبك: اقول ماذا، في ماذا؟ انني، سيدي الزعيم، لا اعرف عما تتحدثون… اعرف هذا الرجل، احمد الصغير، معرفة عابرة، اذ كان يمر بي في الجريدة بين حين وآخر ليزودني ببيانات وصور عن الثورة… اما ما سمعته الآن من اتهامات فهي أخطر من قدراتي. أنا جبان، يا سيدي القاضي، أخاف من خيالي..
أخفى المدعي العام ابتسامته بكمه في حين تشاغل الزعيم بالأوراق التي أمامه، وتوجه إلى إدوار بالسؤال: وأنت؟! ماذا حشرك في هذه القضية.. لا تبدو في صورة الباحث عن بطولة..
رد إدوار مرتبكا: أنا من البيت إلى الشغل ومن الشغل إلى البيت… وأعمل نهاراً في الوزارة وليلاً في الجريدة حتى أضمن لعائلتي حياة مقبولة..
عاد المدعي العام يقرأ ملخصاً ما أمامه من اتهامات فإذا بإدوار يصرخ هلعاً:
ـ سيدي، لا يمكن ان أكون المقصود.. لا يمكن. أنا؟! سلاح وتزوير وعملات وتهريب؟! يا سيدي، مؤكد أنكم قد أخطأتم العنوان. اسمعني يا سيدي. أرجوك، ارحم أسرتي… هذان الزميلان أعزبان، أما أنا فرب عائلة، لمن أتركها؟.
أجهش إدوار باكيا، في حين نظر توفيق إلى احمد الصغير شزرا، أما الفتى فقد غرق في وجوم على حافة البكاء وهو يفكر بأهله، والدته ووالده بالذات.. ثم بما سوف يقوله «الناس»، لا سيما في بلدته، فضلاً عن الوسط الصحافي..
وحده فؤاد نصر الدين ظل متماسكا يشير إليهم ان «اثبتوا وتماسكوا»، ويعود فيلتفت إلى احمد الصغير مبتسما.. واتسعت ابتسامته حين سمع «الزعيم» يقول له:
ـ يبدو ان استضافتنا لك قد شارفت على الانتهاء. فاتهامات المدعي العام لا تجرمك، بل تعتبرك مجرد مسهل أو مروج للمتهم الأول. وكالعادة، أنت من الفطنة بحيث إنك لا تتورط وإذا ما تورطت لم تترك دليلاً.
رد فؤاد نصر الدين: شكراً للثقة، حضرة الزعيم… لكنني أظن اننا جميعاً هنا في الموقع ذاته. إننا مناصرون لثورة الجزائر، وهي قضية عادلة، كما تكرمت فقلت..
قال الزعيم: هيا انصرف قبل أن يركب لك المدعي العام تهمة جديدة من أقوالك هذه.
ورفعت الجلسة، تمهيداً للنطق بالحكم..
مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ أكتب لحبيبي ما أعجز عن قوله في أذنه.. فإن عزّ الورق لجأت إلى الهاتف. كثيراً ما تهرب مني الكلمات وأنا أنظره. وهو يعلّمني اللغات جميعاً، ولكنني أعود أبكم حين أرى ظلي في عينيه.

Exit mobile version